بدأت مراكز الدراسات السياسية في
بريطانيا تتوسع في الفترة الأخيرة في الاهتمام بالمسلمين والقيام بدراسات تفصيلية
لأحوالهم بدءا من تاريخ هجرة المسلمين إلي بريطانيا, وذلك بعد الأحداث والتفجيرات
الإرهابية يومي7 و21 يوليو الماضي, والتي شارك فيها مسلمون مولودون في
بريطانيا وليسوا قادمين من مجتمعات أو ثقافات أخري.
وربما تكون هذه
الدراسات قد غيرت نظرة سابقة كانت قد حاولت الترويج لها مراكز سياسية ومؤسسات
إعلامية, خاصة في الولايات المتحدة, تصور الأعمال الإرهابية علي أنها من فعل
أشخاص عرب ومسلمين قادمين أساسا من الشرق الأوسط,, إلي أن ظهر من التفجيرات
الإرهابية الأخيرة في لندن أن القيادات الرئيسية التي قامت بالهجمات هم أصلا من
أصول آسيوية بعيدة عن العالم العربي, لكن السؤال الملح هو كيف انقلب هؤلاء
الأشخاص إلي إرهابيين وهم الذين عاشوا في ظل ثقافة بريطانية ونشأوا في المجتمع
البريطاني متأثرين بتقاليده؟.
وتوصلت الدراسات إلي أن هجرة المسلمين إلي
بريطانيا بدأت منذ منتصف القرن التاسع عشر وكان العامل الذي سهل هذه الهجرة هو
افتتاح قناة السويس عام1869, وقد أدي افتتاحها إلي زيادة حركة التجارة بين
بريطانيا ومستعمراتها والاحتياج إلي قوة عمل يتم الاستعانة بها علي السفن وفي
المواني, وكان اليمنيون هم أول المجموعات التي دخلت قوة العمل المطلوبة للعمل في
السفن والمواني, وقد وصلوا إلي المواني البريطانية كارديف وليفربول ولندن. وبلغ
عدد المهاجرين منهم إلي الشواطيء البريطانية40 ألفا في الفترة من1890
إلي1903.
ومع بداية هذه المجموعة من المسلمين المهاجرين, فإن الديانة
الإسلامية بدأت تجذب إليها مواطنين بريطانيين, وبدأت أعدادهم تزيد مع توافد
المهاجرين.
وهذان العنصران وهما المهاجرون وكذلك الذين أسلموا من
البريطانيين لعبا دورا أساسيا وهاما في إيجاد الإسلام وبداية نشر تعاليمه في
بريطانيا, وقد عرفت أسماء لشخصيات بريطانية خلال الجزء الأخير من القرن قبل
الماضي وحتي بداية الحرب العالمية الثانية دخلت إلي الإسلام ولعبت دورا هاما في
نشره في بريطانيا.
ولوحظ أن الهجرة الكبري للمسلمين إلي بريطانيا قد جاءت
من باكستان, ومن بنجلاديش والتي كانت حتي ذلك الوقت وبعد الحرب العالمية الثانية
جزءا من باكستان, وكانت أعداد كبيرة من الباكستانيين الذين انضموا إلي الجيش
البريطاني أثناء الحرب العالمية الثانية قد هاجروا إلي الجزر البريطانية بعد انتهاء
الحرب, وعندما تم تقسيم الهند انفصلت باكستان عنها بسكانها المسلمين, وهو ما
أدي إلي تشريد أعداد كبيرة من السكان خاصة في البنجاب وميربور, وهاجروا إلي
بريطانيا متطلعين إلي المستقبل بعيدا عن بلادهم.
وجاءت الموجة الثانية
للهجرة من دول شرق أفريقيا, فقبل استقلال هذه الدول كان الآسيويون الذين يعيشون
فيها يتمتعون بالعمل في التجارة والتوزيع وأعمال البنوك والشئون المالية, وقد
تأثرت أوضاعهم الاقتصادية بعد الإستقلال بسياسة' الأفرقة', أي سيطرة الأفريقيين
علي المؤسسات الحيوية, بالإضافة إلي تأميم البنوك وهو ما دفع رجال الأعمال
الآسيويين إلي الهجرة وبأعداد كبيرة, وكان كثيرون منهم يحملون جوازات سفر
بريطانية فاستقروا في بريطانيا.وفي نفس الوقت كانت تتدفق علي بريطانيا هجرات أخري
خاصة من الطلبة من ماليزيا وإيران والعراق والسعودية ودول الخليج.
وقد لعب
المسلمون بعد أن تحقق لهم هذا الوجود وانشئت لهم مؤسسات ثقافية واجتماعية وتعليمية
دورا هاما في إيجاد جسور اتصال بين الديانتين الإسلامية والمسيحية, وقد بدأ هذا
بتأسيس ما سمي بالمؤتمر العالمي للعقائد وتنظيم حوارات بين المسلمين والمسيحيين,
بدأت بالتركيز علي الحفاظ علي علاقات طيبة وتفاهم بين أصحاب الديانات
المختلفة.
لكن كانت هناك ظاهرة مثيرة للاهتمام, وهي زيادة جلب الأئمة
الذين يتحدثون عن الدين الإسلامي من قري في شبه القارة الهندية نظرا لأن العدد
الأكبر من المسلمين كان قادما في الأصل من آسيا, وكان اهتمام هؤلاء الأئمة بعيدا
عن التعرض للمشكلات اليومية التي يعيش فيها الشباب المسلم في بريطانيا, والتركيز
فقط علي التعاليم الدينية, وكانت هذه فجوة لأن هؤلاء الشباب كانوا في احتياج أكثر
لمن يبصرهم بمشكلات الحياة اليومية التي يواجهونها.
وبالطبع هناك فرق بين
ما يمكن أن يؤدي إليه تأثير إمام قادم من الخارج ليس ملما بثقافة ولغة المجتمع الذي
يتحدث إليه إلماما كافيا, وبين إمام نشأ في بريطانيا وتعرف علي تقاليدها
ومشاكلها.
لقد أصبح عدد المسلمين في بريطانيا1,6 مليون شخص نصفهم مولود
في بريطانيا, وهؤلاء المسلمون أصبحت لهم إنجازات داخل بريطانيا علي مر السنين
شملت نشاطات اجتماعية وخيرية وثقافية, وأصبح كثير من علمائهم من خريجي الجامعات
البريطانية يلعبون دورا مهما في حوار الحضارات والتقريب بين الأديان, والقيام
بدور تنويري للشباب المسلم في بريطانيا, بالإضافة إلي مخاطبة معتنقي الديانات
الأخري, والرد علي أي تساؤلات تتعلق بالإسلام.
ولذلك فإن محاولة بعض
الجهات المتعصبة في بريطانيا تصوير الهجمات الإرهابية في يوليو الماضي في لندن علي
أنها من فعل أشخاص متأثرين بديانتهم الإسلامية لم تجد صدي في بريطانيا خصوصا بعد أن
أظهرت التحقيقات التي تجريها السلطات المختصة أن من قام بهذه الأعمال هم قلة منحرفة
متأثرة بتفسيراتها الخاصة بالعقيدة الإسلامية وبخروجها علي المباديء الإسلامية
الحقيقية.