وقد طرح بعض الإخوة عدة طروحات بشان المقال السابق أقف معها فى التالى :
بخصوص كلامك اخى الكريم كمال يس لى وقفة معه فى التالى
أولا : النصوص أخى الكريم فى القرآن والسنة مثانى وليس كل نص له توجه وحده بل كل منها متداخل مع غيره يؤكده ويجليه ويوضحه ، ومن ثم فحديث مسلم عن عائشة رضى الله عنها ، قالت : قال لى رسول الله صلى الله عليه وسلم فى مرضه : "ادعى لى أبابكر أباك ، وأخاك ، حتى أكتب كتابا، فإنى أخاف أن يتمنى متمن ، ويقول قائل : أنا أولى ، ويأبى الله والمؤمنون إلا أبابكر" هو أوضح الأحاديث وأجلاها ومن ثم فهو بالنسبة لنا القائد والموجه فى الحديث عن هذه المسألة ، ويتبعه بعد ذلك أخى الكريم ما استأنسنا به ، ولعلى أخطأت لما وضعت هذا النص تاليا لغيره ، فكان من المفترض وضعه بداية ، ولكنى كما قلت كنت أتدرج مع الشيعى الإمامى فى المناظرة ، ومن ثم نقلت ما طرحته له فى المناظرة ووضعته هنا .
ثانيا : أخى الكريم قولك " هذا ليس فيه أن النبي صلى الله عليه و سلم نص على خلافة أبي بكر الصديق,و إنّما فيه أن النّبي صلى الله عليه و سلم كان يعلم من الذي سيكون خليفة المسلمين من بعده,كما كان يعلم أن الهرج سيكون,فقوله صلى الله عليه و سلم إن صحّ الحديث"إنّ بين يدي الساعة الهَرْجَ"ليس نصّا على وجوب إقامة الهرج,ثم من غير المعقول أن ينص رسول الله صلى الله عليه و سلم على خلافة أبي بكر الصديق لإمرأة و احدة"
فهذا القول لا يسلم به أخى الكريم لأن هذا الحديث مؤكد لحديث مسلم السابق ، وفيه إشارة إلى أبى بكر أى تأكيد لتحقق ذلك ، ومن ثم فليس إخبار قدر ما فيه تأهيل للنفوس وللناس على خلافة ابى بكر ، والأمر أخى لم يكن لامرأة واحدة إنما كان لبنى المصطلق أيضا مما يؤكد ما قلناه بأن ذلك توضيحا لحديث مسلم .
ثم أخى الكريم أليس فى إخبار النبى بالغيوب أليس فى نصوصه هذه إشارةإلى تحقيق ما يقول فهو يشير إلى الأمر فمعناه أنه نص سيتحقق ومعناه أن نسعى لتحقيقه فإذا قال لا تقوم الساعة حتى تفتح القسطنطينية وتحقق ذلك هل نعتبر هذا إشارة فحسب ام أنه نص نسعى لتحقيقه أو ننتظر تحقيقه ، وقدتم بحمد الله التحقيقة ، وكذا دعا النبى للأمير الذى يفتح القسطنطينية وربته أمه على ذلك هذه أخى الكريم نصوص وإشارات فى آن واحد .
ثالثا : أن قولك أخى الكريم " هل من أمره صلى الله عليه و سلم بالإمامة في الصلاة معناه أنه أمره بالإمامة الكبرى,لا أرى هذا .
أقول لك أخى إن كنت أنت لا ترى ذلك فما الدليل وتقديم النبى لأبى بكر بالإمامة حجة قوية فالنبى هو الإمام ومعنى أنه يعنف زوجاته كى يصلى ابو بكر وينهى عن إمامة عمر فكل هذه نصوص على إمامة الصديق ، ويؤيدها أخى أمره بغلق كل الأبواب إلا باب الصديق لأنه الباب الذى سيخرج منه لإمامة المسلمين فسيكون إماما لهم فى الإمامة الصغرى والكبرى ألم يكن النبى صلى الله عليه وسلم كذلك فى حياته
ثم إن عمر بن الخطاب احتج بذلك ووافقه الصحابه فصار شبه إجماع متيقن أخى الكريم وقبل الصحابه ذلك .
رابعا : أما قولك " فذكر الفضائل لا تعني التنصيص على الخلافة. فهذا حق وانا معك فى ذلك لكن ذكر فضائل الصديق مع ما سبق من أحاديث فضلا عن قول النبى " اقتدوا بالذين من بعدى ابا بكر وعمر" والحديث حسنه الحافظ السيوطى وغيره أقول هذه النصوص توضح أن الأفضلية فى هذا الموضع تعنى التقديم
وقد أخرج البخارى أن الصحابة كانوا يفاضلون ابا بكر على عمر وعمر على عثمان فى حضرة النبى وأقرهم النبى على ذلك .
فهذه المفاضلة لها نصوص تجعلنا نخرج بحكم بأنها تفيد أحقيقة الصديق بالخلافة .
أما بخصوص سؤالك أخى الحبيب " لو سلمنا الأمر أن النبي صلى الله عليه و سلم نص على خلافة أبي بكر رضي الله تعالى عنه,هل يعتبر ذلك نصا على أنه على كل حاكم أن ينص على خلافته؟
و هذا السؤال أراه مهم جدا"
لابد أولا اخى أن تفرق بين الإمارة والإمامة فالإمارة تعنى أميرا على بلد أو رئيسا لها ، والإمامة فهى الخلافة وأحكام الخلافة تختلف عن الإمارة
ففى حالة الخلافة الأصل المتبع فيها ما فعله النبى باختياره الصديق صلى الله عليه وسلم وطلبه كتابا حتى يكتب ذلك للمؤمنين حتى لا يتمنى متمن ويأبى الله والمؤمنون إلا ابا بكر كما أخبر المعصوم صلى الله عليه وسلم .
ثمإن الصديق رضى الله تعالى عنه الذى قال لما ولى الخلافة ط إنى متبع ولست بمبتد‘
طبق ما فعله النبى وكتب كتابا اختار فيه عمر ووافقه الصحابة بلا خلاف
ثم إن عمر رضى الله عنه وأرضاه فعل نفس الشىء وإن كان اختار ستة نفر لكنه وضع شرطا ضابطا وهوألا يأتى عليهم اليوم الثلاث إلا وعليهم خليفة حفاظا على كيان الدولة الإسلامية .
فهذا النبى صلى الله عليه وسلم بفعله
ثم الصديق وعمر وجميع الصحابة كانوا لهما تابعين فى فعلهما بتحديد الخليفة أو باختيارة والنص عليه حماية لكيان الأمة
فالأولى الامتثال إلى ما فعله النبى ، وإلى ما صار إجماع الصحابة فى ذلك
ومن الأدلة على أن النبى نص على خلافة الصديق ما أخرجه البزار وأحمد عن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما اشتد به وجعه قال : " ائتوني بداوة وكتف أو قرطاس ، أكتب لأبي بكر كتاباً ، أن لا يختلف الناس عليه " ثم قال : " معاذ الله أن يختلف الناس على أبي بكر " .
فهذا نص صريح كما قاله بعض المحققين على خلافة أبي بكر وأنه صلى الله عليه وسلم إنما ترك مُعَوِلاً كتابه على أنه لا يقع إلا كذلك ، وبهذا يبطل قول من ظن أنه إنما أراد أن يكتب كتاباً بزيادة أحكام خشي عمر عجز الناس عنها ، بل الصواب أنه إنما أراد أن يكتب في ذلك الكتاب النص على خلافة أبي بكر لكن لما تنازعوا واشتد مرضه صلى الله عليه وسلم عدل عن ذلك معولا على ما هو الأصل في ذلك من استخلافه على الصلاة .
ومن الأدلة أيضا عنْ أبي هُرَيْرَة رضي الله عنهَ قال : قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم : " بَيْنا أنا نائِمٌ رأيْتُنِي عَلى قَلِيبٍ _ بئر _ فَنَزَعْتُ ما شاءَ الله أنْ أنْزِعَ ، ثُمَّ أخَذَها ابنُ أبي قُحافَة َفَنَزَعَ ذَنُوباً أوْ ذنوبَيْنِ _ دلواً أو دلوين _ وفي نَزْعِهِ ضَعْفٌ _ إشارة إلى قصر مدة خلافته _ والله يَغْفِرُ لهُ ، ثُمَّ أخَذَها عُمَرُ فاسْتَحالَتْ غَرْباً _ أي دلواً كبيراً ، أي تحولت من الصغير إلى الكبير _ فَلَمْ أرَ عَبْقَرِيّاً _ سيداً وكبيراً _ مِنَ النَّاسِ يَفْرِي فَرِيَّهُ _ يعمل عمله _ حتَّى ضَرَبَ النَّاسُ حَوْلَهُ بِعَطَن _ مكان الشرب
ومنها ما أخرجه الحاكم وصححه والترمذى وحسنه أن النبى صلى الله عليه وسلم قال " اقتدوا باللذين من بعدى أبى بكر وعمر"
ومنها ماأخرجه البغوى بسند حسن قال صلى الله عليه وسلم " يكون خلفى إثنا عشر خليفة أبو بكر لا يلبث إلا قليلا" قال الحافظ السيوطى صدر هذا الحديث مجمع على صحته .
ومنها ما أخرجه مسلم عن عائشة أنها سئلت من كان النبى عليه الصلاة والسلام مستخلفا لو استخلف ؟ قالت أبو بكر قيل لها ثم من بعد أبى بكر قالت عمر..."
ومنها ما أخرجه البخاري في تاريخه عن ابن جمهان عن سفينة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لأبي بكر وعمر وعثمان : " هؤلاء الخلفاء بعدى وهو صحيح .
ومنها ما أخرجه البخارى عن عثمان من قوله " وصحبت رسول الله صلى الله عليه وسلم وبايعته ، ووالله ما عصيته ولا غششته حتى توفاه الله ، ثم استخلف الله أبا بكر ، فوالله ما عصيته ولا غششته ، ثم استخلف عمر ، فوالله ما عصيته ولا غششته . . . الحديث " .
فتأمل أخى الكريم قوله في أبي بكر ثم استخلف الله أبا بكر ، وفي عمر ثم استخلف عمر ، تعلم دلالته على ما ذكرته من النص على خلافة أبي بكر
فهذه النصوص أخى الكريم لا يمكن أن نتركها إلى قول على رضى الله عنه وإن صح .
والواقع أن قول على هذا يؤخذ منه أنه لم يبلغه النص الذى تحدث فيه النبى عن خلافة الصديق
وقد حاول السيوطى الجمع بين النصوص التى فيها إشارة ونص على خلافة الصديق وبين قول على هذا وقول عمر بن الخطاب بان النبى لم يستخلف بقوله أنه لا منافاة لأن مرادهما أى على وعمر أنه عند الوفاة لم ينص على استخلاف أحد ، وهذه إشارة وقعت قبل ذلك فهو كقوله صلى الله عليه وسلم " عليكم بسنتى وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدى.. وكقوله صلى الله عليه وسلم " اقتدوا بالذين من بعدى أبى بكر وعمر " وغير ذلك من الأحاديث المشيرة إلى الخلافة" انتهى كلامه .
وبخصوص عدم استدلال أبوبكر بحديث النبى الذى فيه نص على خلافته فليس فى ذلك إشكال لاننا نعرف أن أحد اسباب الخلاف بين الائمة من لدن الصحابة إلى يومنا هذا هو وصول الحديث لأحدهم وعدم وصوله للآخر أو الاختلاف فى الفهم أوغيره ، ومعنى عدم احتجاج الصديق بهذا الحديث أنه لم يصله ، ومن ثم لم يحتج به .
أما بشأن احتجاجه على أحقيته بالخلافة بإسلامه فليس فيه إشكال أيضا إذ إن الخلاف على الأحقية مرتبط بمعارضة البعض ، ومن ثم رد عليهم الصديق بهذا الرد ، وهو أيضا ما يجلى حياءه من أن يطلبها لنفسه ، ثم إن النص فيه ألست صاحب كذا وكذا وليس فيه كل حجج الصديق ، فمن أدرانا أنه لم يحتج بنص النبى ، فنحن إذا فى حاجة لنصوص أخرى توضحه وتجليه ، وليس ثمة تعارض بين هذا وذاك .
أما بشأن تقديم الصديق لعمر ولأبى عبيدة فهذا أمر لا إشكال فيه أيضا
فقد ثبت من فضائل عمر الكثير والكثير التى تحير عقل أى إنسان هل الصديق احق أم لا حتى ولو كان عقل الصديق ومن ذلك "لو كان من بعدى نبى لكان عمر" إسناده حسن ن فلو كان حتى الحديث الذى فيه نص على خلافة الصديق وصل الصديق ووصله هذا الحديث لوقع له خلاف أهو الأحق أم عمر ومن ثم قدمه ، ولعل تقديمه كان من باب الاستئناس بقوله فعمر سيرده إلى الحق ويعينه على القضاء على حيائه .
وبشان ابى عبيدة فقد وردفيه أيضا أنه أمين الامة ، وعمر قال عنه لو كان ابو عبيدة حيا لاستخلفته فإن سألنى ربى عنه قلت إن النبى قال عنه إنه أمين الأمة.
الشاهد أخى الكريم ان النصوص كانت بلاشك فى ذهن هؤلاء الأفذاذ وأنهم لم يختلفوا إلا فى فهمها ومن هو الأحق ، حتى قضى الله وقدر واختير الصديق بإجماع من الصحابة حسب ما وجهتهم النصوص والتى ذكرتها فى مشاركتى الأولى
ومن أجلاهما ما ثبت بإسناد حسن " اقتدوا باللذين من بعدى أبى بكر وعمر"