أسباب اهتمام العلامة ابن حزم بعلم التاريخ

درس ابن حزم التاريخ لأول مرة على يد شيخه أحمد بن الجسور ، وكان لايزال فى الخامسة عشر من عمره . ثم تتابعت دراساته واهتماماته بهذا العلم فأخذه عن مجموعة من الشيوخ بعد ابن الجسور منهم عبدالرحمن بن محمد بن أبى زيد العتكى ، وعبدالله بن يوسف بن الفرضى ، الذى درس عليه كتبه التاريخية خاصة تاريخ علماء الأندلس ، وأبوعبدالله محمد بن عمرو بن مضاء ، وأبوالمحيا ملهم بن موازن وغيرهم (1 ) ، وقد استفاد من هذا العلم فى تمحيص أسانيد الأحاديث والروايات التاريخية ، والدفاع عنه ضد المنتقصين منه ، ويمكن أن نرجع اهتمام ابن حزم بالتاريخ فى تلك المرحلة إلى الآتى :-
أولا : ازدهار تدريس التاريخ آنذاك لارتباطه بالعلوم الشرعية ، فقد كان يستفاد منه فى معرفة تاريخ الرواه ومواطنهم وأنسابهم ، ومن ثم التعرف على صادقيهم من كاذبيهم . من خلال فحص ما نقل عنهم من روايات ، وذلك مثل ما روى عن سهيل بن ذكوان السندى أنه لقى عائشة رضى الله عنه بواسط ، وهذا كذب لأن عائشة توفيت سنة 58هـ/قبل أن يخط الحجاج مدينة واسط بزمن ( 2) ، كما كان يستفاد منه فى التفسير من خلال اهتمامه باسباب النزول التى لاتفهم آيات القرآن إلا بها . أضف إلى ذلك أهميته بالنسبة للفقه حيث الاستناد على بعض الوقائع التاريخية التى تؤيد الفتوى وتؤكدها .
ثانيا : أهمية التاريخ فى معرفة بعض الأنساب التى يعرف بها الحق من الباطل . كمعرفة أن الخلافة لا تجوز إلا لقرشى النسب ، ومعرفة أنساب الأنصار لنحسن إليهم . كما أوصى الرسول صلى الله عليه وسلم ، ومعرفة من تحرم عليهم الصدقة من آل محمد صلى الله عليه وسلم ، ومعرفة من يحل له الميرات ومن لايحل ( 3).
ثالثا : دعوة القرآن والسنة فى غير موضع إلى الاهتمام بالتاريخ وأخذ العبرة والعظة منه ، ومن ثم فقد جعل ابن حزم العلم بسيرة الرسول صلى الله عليه وسلم من الشروط التى لا يحل للمفتى أن يتقلد الإفتاء بدونها (4 )
رابعا : تجريد التاريخ مما علق به من شكوك وملابسات . خاصة وقد توافرت فى ابن حزم كل شروط المؤرخ الحصيف من عدالة وضبط وعلم بطرق النقل وأحوال الناس ومقاديرهم ، ومعرفة مراتب العلوم ، وعدم المحاباة المفضية للعصبية (5).
خامسا : محاولة ابن حزم أن ينشر فكره ومنهجه بكل الطرق . خاصة وأنه طبق منهجه الظاهرى على التاريخ عندما اعتبر أن النقل هو الأساس فى دراسة التاريخ قبل العقل ، ومن ثم صنف ابن حزم فى معظم فروع التاريخ من تراجم وطبقات وأنساب وسيرة ذاتية ، وتاريخ إقليمى ، وسيرة نبوية ، وتأريخ للفرق الإسلامية واليهودية والنصرانية (6 ) .
سادسا : تأثير والده أحمد بن سعيد الذى كانت له اليد الطولى فى تشكيل ثقافه ابنه التاريخية ، حيث كان يحدثه بالأحداث الهامة التى وقعت فى عصره بحكم شخصه ومكانته فى الدولة وإلى مثل هذا يشير ابن حزم بقوله " حدثنى وهزنى الوزير والدى نضر الله وجهه " ( 7)


ــــــــــــــــــــــــــــــــ

( 1) أنظر : ابن حزم ، طوق الحمامة ، ص312،313 ؛ جمهرة أنساب العرب ، ص287 ؛ رسالة فى فضل الأندلس ، رسائل 2/180 ؛ الضبى ، بغية الملتمس ، ترجمة 225 ؛ سالم يفوت ، ابن حزم ، ص46 .
( 2) لمزيد من التفاصيل عن ذلك أنظر محمد بن عبدالرحمن السخاوى ، الإعلان بالتوبيخ لمن ذم التاريخ ، تحقيق محمد عثمان الخشت ، مكتبة ابن سينا ، القاهرة ، 1409هـ/1989م ، ص21-27 .
( 3ابن حزم ، جمهرة أنساب العرب ، ص80-88 .
(4 ) أنظر : الإحكام ، 2/118 .
(5 ) السخاوى ، الإعلان ، ص80-88 .
(6 ) عبدالحليم عويس ، ابن حزم ، ص160،161، 202-220 .
(7 ) أنظر : نقط العروس ، رسائل 2/94 فقرة 76 .