الإمام المقريزى المؤرخ الشهير كان ظاهريا بارزا

بدا العلامة المقريزى حياته حنفيا مقلدا لجده ، ثم فى العشرين من عمره تحول شافعيا ، ثم تحول ظاهريا ، وأكب على مذهب أهل الظاهر ، وعلى كتب ابن حزم ، حتى اتهم بذلك ، وكنت قد وضعت هذا الموضوع على المجلس العلمى تحت عنوان المقريزى بين الحنفية والشافعية والظاهرية ، وتدرجت معهم حتى وصلت بالموضوع إلى ظاهرية الرجل وها أنا أضع الموضوع بأدلته ، ومن أراد التحقق والمتابعة فليرجع إلى كتاب المنهل الصافى ، وكتاب النجوم الزاهرة لابن تغرى بردى ، وكتاب التبر المسبوك ، والضوء اللامع لشمس الدين السخاوى ، والدرر الكامنة لابن حجر وغيرها.

وهذه الأدلة على ظاهرية المقريزى

أولا : كان قديما الذى يعرف عنه أنه ظاهرى يتهم بظاهريته ، وهذه طبيعة الفكر قديما ، بل حتى حديثا ، ان المالكية على عهد ابن رشد الجد عدوا الظاهرية بدعة مع أنها مذهب إسلامى أصيل ، وكذا بعد هذا العصر ، ولقد أقر ابن حجر نفسه أنه أى المقريزى كان يتهم بمذهب ابن حزم ، فالرجل كان عليه أن يتستر من جراء العداوة ضد الظاهرية وضد كل منتسب لها.

ثانيا : معروف ان الظاهرية مذهب حديثى وكان داوود رحمه الله محبا للآثار معظما لها ، وجمع منها الكثير ، وكانت كل كتبه تفيض بالسنن والآثار ، ومن ثم فكل ظاهرى يجعل جل اهتمامه السنن والآثار ، هذا للعلم فلا ظاهرى إلا ويكون صاحب حديث أو فهم فى الحديث ، وهذا كان شأن المقريزى رحمه الله ، وهو ما ذكره عنه ابن حجر حيث قال " كان إماما بارعا مفننا متقنا ضابطا خيرا محبا لأهل السنة يميل إلى الحديث والعمل به حتى نسب إلى الظاهر..."

ثالثا : أن ابن تغرى بردى قرر فى المنهل الصافى ج1 ص396 قوله التالى عن المقريزى " كان كثير التعصب على السادة الحنفية وغيرهم لميله إلى مذهب الظاهر" .

رابعا : أن ابن تغرى بردى أيضا قرر فى حوادث الدهور قوله عن المقريزى " وكان ينسبه بعض الناس إلى الميل لمذهب الظاهر لأنه كان يعظم ابن حزم المغربى إلى الغاية ، وليس فى ذلك ما يعاب لأن ابن حزم كان رجلا حافظا عالما ، ولوكان ظاهريا لم ينكر فضله" .

قلت : هذا قول ابن تغرى ، ولعل المقريزى تستر بعض الشىء بمذهبه الظاهرى لما كان يثار حول الظاهرية وقتها من اتهامات وتبديع ، لكن الرجل أعلن حبه لابن حزم ولمصنفاته ، ومن ثم قال ابن تغرى بردى لو كان ظاهريا ، وليس الأمر نفيا لظاهريته ، ومن ثم قرر ابن حجر اتهامه بمذهب ابن حزم.

وبخصوص اضطهاد أهل الظاهر وتعذيبهم فلينظر الأخوة الأفاضل لابن حجر فى إنباء الغمر بأبناء العمر في رسالة كتبها السلطان :
وهو يقول " وفي المرسوم أيضاً بلغنا أن جماعة بدمشق ينتحلون مذهب ابن حزم وداود ويدعون إليه، منهم القرشي وابن الجائي والحسباني والناسوفي، فتقدم بطلبهم فإن ثبت عليهم منه شيء عمل بمقتضاه من ضرب ونفي وقطع معلوم، ويقرر في وظائفهم غيرهم من أهل السنة "
فهل هؤلاء كانوا يعذبون ام ينعمون؟
ولينظر الأخوة كذلك إلى عصر المماليك أيضا الذى كان فيه العلامة المقريزى كيف كان حال الظاهرية . فقد كان الإمام ابن سعدون الظاهري (ابن برهان) صاحب الإمام سعيد السحولي الظاهري ...قد تبعه خلق كثير في خراسان والشام وغيرهما ...فحبسه الظاهر برقوق في الأغلال مع جماعة من أصحابه ووبخه وضرب أصحابه بالمقارع....

وعلى منتدى الألوكة رد علينا أحد الإخوة ويدعى " حرملة " فوصف ما كتبناه بالتهويل والتهويش ، فضلا عن انه فسر الميل فى كلام المؤرخين الذين قالوا بظاهرية المقريزى فسره بالإعجاب فرددت عليه هناك ، وها هو الرد أبسطه هنا للفائدة :

أخى حرملة ليست الأمور بالإنشاء يا عزيزى لست ممن يعتمد على الإنشاء انا قلت لك انا أحتكم لأقوال ونصوص هذه هى صنعتى ، ومن ثم فاقوال المؤرخين عنه لا تفيد إلا ما ذهبت إليه من أنه ظاهريا كما قلت وواضح من كتب المقريزى ذاته نهجه الظاهرى إن لم يقل حتى عنه المؤرخون شيئا ، فكيف إذا كانت هناك أقوال من أهل العلم ، وهناك نهج ومنهج فى فهم الأقوال .

يا عزيزى أنا قلت أن المذهب الظاهرى كان محجورا عليه فى ذلك الوقت ومن ثم كان من يتمذهب بالظاهرية يحجر على فكره ويتهم ويبدع ، وبالطبع ما دام تمذهب فإنه يظهر منه ميل لها.

أقول من يتمذهب بالظاهرية كان يتهم بذلك ، وكفى باتهام أهل عصره - أى المقريزى- له بالظاهرية ونقل المؤرخون لذلك دليلا على ظاهريته .
هل تريد من قوم ينقمون على الظاهرية أن يقولوا عن ظاهرى - خاصة وأنه رجل كبير مر على الحنفية وعلى الشافعية ثم مال إلى الظاهرية أى تحول ظاهريا كما سياتى وأوضح لك يا أخى بمصطلحات المؤرخين- أنه اصبح ظاهريا بلا اتهام وبلا وبلا ؟
كلا
ماذا فعل فى تاريخ الدولة الأموية فى عهد العباسيين ومن قبل العلويين ؟
هل كتبوا تاريخ الدولة بإنصاف ؟
والعيب ليس عيب المؤرخين إنما من يحدثهم ووظيفة المؤرخ أن ينتقى من الأقوال ويختار ويرد ويطرح ، وفى النهاية المؤخ ابن بيئته التى تربى فيها وهذا أمر يعرفه كل واحد.
ولذا نجد عند المؤرخين العظام أخطاء كبيرة حسب ظروف العصر الذى درجوا فيه .
ألم يخرج علينا أعلام كبار ويقولون بحياة الخضر فى حين يرفض اناس آخرون ؟!
من أين جىء بهذا من تأثير الفكر الصوفى وتأثير بعض أهل العلم الذين تأثروا بظروف مجتمعهم .
أنا لا أريد أن أسرف فى الموضوع ما أردت أن أقوله أظن أنه اتضح ، فالأمر ليس اتهام مؤرخين بعدم الأمانة ، ولكنه رضوخ لظروف مجتمع ، وقديما قال ابوهريرة رضى الله عنه " حملت وعاءين عن الرسول فبثثت أحدهما ولو بثثت الآخر لقطع هذا البلعوم" يعنى لو حدثت بأمور عن بنى أمية أو خاصة بالحكم لقتلونى .

أما قولك اننى أخطأت خطا بينا فى قولى " والميل إلى الظاهر مع الاستقرار على الشافعية لا يسفر إلا عن ظاهرية " !!!!

فما أرى إلا أن الخطأ صاحبك انت فى كلامك ، ويبدو أنك لم تقف علي حقيقة كلامى جيدا ما قصدته من كلامى أن كل ظاهرى مال إلى الظاهر مؤخرا كان مستقرا على الشافعية بداية .
يا اخى الكريم ، داوود طلب الشافعية ودرسها وصنف فى مدح الشافعى كتابان وترجم له فى طبقات الشافعية وعد شافعيا عندهم ، فما قولك هل نقول بقول من عده من الشافعية خلال فترة وقالوا استقر على كذا وكذا أم أنه صار ظاهريا ؟
وكذا ابن حزم درس الشافعى واستقر عليه عشر سنوات ثم مال للظاهر.
ولو دققت فى كلام المؤرخين جيدا لعلمت انهم ما قصدوا من قولهم مال إلى كذا إلا إقباله على المذهب ذاته أى الذى مال إليه ، وليس الأمر كما ظننت أن الميل مجرد إعجاب .
يا أخى للمؤرخين مصطلحات ليست كمصطلحات غيرهم ، ولكل فن أربابه ، وتراجم الاندلسيين كلها مليئة بقولهم مال إلى الدليل ويكون من أهل الحديث أصلا ، مال إلى داود ويكون ظاهريا أصلا ، مال إلى كذا وهكذا هذا شأنهم.
واعلم يا أخى أنه ما من ظاهرى - وأنا أدرى الناس بمنهجى - يستقر على الشافعية فترة من الزمن ويميل إلى الظاهرية إلا ويتقن الحديث ويحسنه لأن أصل المذهب قائما على النصوص
ولكن يا أخى قل لى أنت بم تعلل وتفسر اتهام الناس له بالظاهرية ألا يستوقفك هذا أم أن الأمر جدل فحسب ؟!
ثم ماذا عن تعظيمه لابن حزم ؟ يحبه هكذا حبا كحب أى شخص آخر وهذا الحب الذى دعاه إلى التعصب لكتب ابن حزم وقراءتها أيضا لا شأن له ولا أهمية له على إثبات ظاهريته .
وهل علمت أن محبى ابن حزم عرفوا بالحزمية وهم أيضا ظاهرية ، ومدرستهم مدرسة ظاهرية صرفة ؟
ولكن كل ما فيها أنهم شديدى الإعجاب بعقل وفكر ابن حزم.
وهل تعلم يا أخى أن أهل العلم حديثا من المشتغلين بابن حزم وغيرهم قالوا أن عالم ابن حزم من دخله فمن الصعب أن يخرج منه إلا وهو متبع ابن حزم ؟
وأنا قبل ان ابدا أطروحتى للماجستير وكانت عن ابن حزم ، وكذا أطروحتى للدكتوراة عن الظاهرية والمالكية قيل لى قولهم هذا الكلام الآنف الذكر .
فهل حب المقريزى لابن حزم كان لمجرد الحب ؟
أم أنه قرأ كتبه وتعصب لها وعظمها وعظم صاحبه ؟ ، ومن ثم صار ظاهريا وإن لم يظهر كتاب التراجم ذلك جليا رغم انه واضح لأن الأمر منهجا وليس قولا.
وابن نباتة الظاهرى قالوا عنه أى كتاب التراجم كان مالكيا درس المذهب المالكى على يد ابن زرقون ثم مال للظاهرية ، هل هذا عندك يعنى أنه لم يصبح ظاهريا ؟
وأهل العلم جميعا يعلمون أنه ظاهرى الظاهرى منهم وغيرهم .

ثم يا أخى ما قولك على ردالمقريزى بتعصب على الحنفية بعد ان كان واحدا منهم ألا تعلم لم يا اخى ؟ لأنهم أصحاب راى وقياس وأكثر مدارس الفقه استخداما لذلك وهو كواحد متعصب لابن حزم ومائل للظاهرية كما تريد ان تقول لابد ان يوضح أن ميله اصبح ظاهريا فنقد معارضيه .
هل رأيت شافعيا انتقد الأحناف بتعصب؟ ، ومن الذى ينتقد الأحناف بتعصب !
وللحديث بقية لأننى فى عجلة من أمرى

يا دكتور هل يصح أن البرهان أحمد الظاهري كان من شيوخ المقريزي؟