دكتور عبدالباقى السيد مدير المنتدى
عدد المساهمات : 1147 تاريخ التسجيل : 01/10/2010 العمر : 48
| موضوع: المرأة الحرة التى دافعت عن الأندلس وسلمها ابنها للنصارى الخميس أكتوبر 28, 2010 9:05 pm | |
| إنها عائشة الحرة والدة أخر ملوك الأاندلس أبو عبد الله الذي اشتهر بكونه أخر ملم مسلم ببلاد الأندلس.
لقد لعبت هذه المرأة دورا مهما في إنقاد عرش غرناطة من مؤامرات الثريا الرومية وثبات الغرناطيين أمام النصارى و خاصة في بعث روح المقاومة لدى ابنها الملك أبو عبد الله الصغير.
ولقد احتفظ الإسبان إلى يومنا هذا باحترام و تقدير لهذه المرأة و ألفوا حولها القصص و الأساطير و حافظوا على منزلها في حي البيازين الشهير بغرناطة المعروف اليوم ب"دار الحرة" .
يقول مؤرخ الأندلس المعاصرالأستاذ عبد الله عنان رحمه الله في كتابه "نهاية الأندلس" ص184و186 عن عائشة الحرة :
"و تحتل شخصية عائشة الحرة في حوادث سقوط غرناطة مكانة بارزة. و ليس ثمة في تاريخ تلك الفترة الأخيرة من المأساة الأندلسية شخصية تثير من الإعجاب و الإحترام, و من الأسى و الشجن, قدر ما يثير ذكر هذه الأميرة النبيلة الساحرة, التي تذكرنا خلالها البديعة, و مواقفها الباهرة, وشجاعتها المثلى إبان الخطوب المدلهمة, بما تقرأه في أساطير البطولة القديمة من روائع السير و المواقف.
و الواقع أن حياة السلطانة "الحرة" , تبدو لنا خلال الحوادث و الخطوب, كأنها صفحة من القصص المشجى, أكثر مما تبدو كصفحة من التاريخ الحق, وهذا اللون القصصي لا يرجع فقط إلى كونها أميرة أو امرأة, تشترك في تدبير الملك, وتدبير الشؤون و الحوادث, و لكن يرجع بالأخص إلى شخصيتها القوية, وإلى سمو روحها و رفيع مثلها, وإلى جنانها الجرئ يواجه كل خطر, و يسمو فوق كل خطب و مصاب. و الواية القشتالية ذاتها – و هي تسميها عائشة حسبما قدمنا- لا تضن عليها بالتنويه و التقدير, و هي التي تسبغ على شخصيتها و حياتها كثيرا من هذا اللون القصصي المشجي.
كانت عائشة "الحرة" ملكة غرناطة في ظل ملك يحتضر, و مجد يشع بضوئه الأخير ليخبو و يغيض. و قد رزقت من زوجها الأمير أبي الحسن بولدين هما: أبو عبد الله محمد و أبو الحجاج يوسف. وكانت روح العزم و التفاؤل, التي سرت في بداية هذا العهد إلى غرناطة, تذكي بقية من الأمل في إنقاذ هذا الملك التالد. و كانت عائشة ترى من الطبيعي أن يؤول الملك إلى ولدها, و لكن حدث بعد ذلك ما يهدد هذا الأمل المشروع . ذلك أن الأمير أبا الحسن ركن في أواخر أيامه إلى حياة الدعة, و استرسل في أهوائه و ملاذه, و اقترن للمرة الثانية بفتاة نصرانية رائعة الحسن, تعرفها الرواية الإسلامية باسم "الثريا" الرومية. و تقول الرواية الإسبانية إن ثريا هذه و اسمها النصراني إيسابيلا, وتعرفها الرواية أيضا باسم "زريدة", كانت ابنة عظيم من عظماء إسبانيا و هو القائد "سانشو خمنيس دي سوليس" و أنهاأخذت أسيرة في بعض المعارك, وهي صبية فتية, وألحقت وصيفة بقصر الحمراء, فاعتنقت الإسلام, وتسمت باسم ثريا أو كوكب الصباح, فهام بها الأمير أبو الحسن, ولم يلبث أن تزوجها, و اصطفاها على زوجه الأميرة عائشة, التي عرفت عندئذ "بالحرة" تمييزا لها من الجارية الرومية, أو إشادة بطهرها و رفيع خلالها . و يقول لنا المؤرخ المعاصر هرناندو دي بياثا, إن السلطان أبا الحسن كان يقيم يومئذ مع زوجه الفتية الحسناء في جناح الحمراء الكبير أو قصر قمارش, وذلك بينما كانت تقيم الحرة و أولادها في جناح بهو السباع.
"و كان الأميرأبو الحسن قد شاخ يومئذ و أثقلته السنون, و غدا أداة سهلة في يد زوجه الفتية الحسناء. وكانت ثريا فضلا عن حسنها الرائع فتاة كثيرة الدهاء و الأطماع, و كان وجود هذه الأميرة الأجنبية في قصر غرناطة, واستئثارها بالسلطان و النفوذ في هذه الظروف العصيبة, التي تجوزها المملكة الإسلامية, عاملا جديدا في إذكاءعوامل الخصومة والتنافس الخطرة. و كانت ثريا في الواقع تتطلع إلى أبعد من السيطرة على الملك الشيخ. ذلك أنها أنجبت من الأمير أبي الحسن كخصيمتها عائشة ولدين, هما سعد و نصر, ومانت ترجو أن يكون الملك لأحدهما. و قد بذلت كل ما استطاعت من صنوف الدس و الإغراء لإبعاد خصيمتها الأميرة عائشة عن كل نفوذ و حظوة, وحرمان ولديها محمد و يوسف من كل حق في الملك, وكان أكبرهما محمد أبو عبد الله ولي العهد المرشح للعرش, و كان أشراف غرناطة يؤثرون ترشيح سليل بيت الملك, على عقب الجارية النصرانية. و لكن ثريا لم تيأس و لم تفتر همتها, فما زالت بأبي الحسن حتى نزل عند تحريضها و رغبتها. و أقصى عائشة وولديها عن كل عطف و رعاية, ثم ضاعفت ثريا سعيها و دسها حتى أمر السلطان باعتقالها, وزجت عائشة مع ولديها إلى برج قمارش, أمنع أبراج الحمراء, وشدد في الحجر عليهم, وعوملوا بمنتهى الشدة و القسوة....و ذهبت ثريا في طغيانها إلى أبعد حد فحرضت الملك الشيخ على إزهاق ولده أبي عبد الله عثرة أمالها.
"و كانت الأميرة عائشةامرأة وافرة العزم و الشجاعة, فلم تستسلم إلى قدرها الجائر, بل عمدت إلى الإتصال بعصبتها و أنصارها, وفي مقدمتهم بنو سراج أقوى أسر غرناطة, وأخذت تدبر معهم و سائل الفرارو المقاومة. و لما وقفت الأميرة عائشة من أصدقائها على نية أبي الحسن قررت أن تبادر بالعمل, وأن تغادر قصر الحمراء مع ولديها بأية وسيلة. و في ليلة من ليالي جمادى الثانية سنة 887 هجرية (1482م) استطاعت الأميرة أن تفر مع ولديها محمد و يوسف بمعاونة بعض الأصدقاء المخلصين. و الرواية الإسلامية تشير إلى فرار الأميرين فقط دون أمهما"
و هكذا ظهر ابن عائشة أبو عبد الله الصغيرفي وادي أش و ثار على أبيه و خلعه عن الحكم. و قامت حرب أهلية بين الإبن و الأب الذي التجأ إلى أخيه الزغل حاكم مالقة.
و بعد و فاة أبي الحسن اشتدت الحرب بين أبي عبد الله الصغير و عمه الزغل و قسموا المملكة المسلمة إلى شطرين. و قد استغل العدو النصراني الفرصة وانقض أولا على ما بيد الزغل من أراضي فاستسلم هذا الأخير ودخل تحت لواء فرديناند و أيسابيلا. وبقي ما بيد ابي عبد الله الصغير و قد اعتقد النصارى أنه سيسلم لهم مفاتيح البلاد دون مقاومة. لكن هنا ظهر الدور الكبير لعائشة الحرة التي حرّضت ابنها على المقاومة و ساعدها على إذكاء روح المقاومة رجل قلّما ذكره التاريخ و هو موسى بن أبي الغسان الذي أسكت كل الأصوات الداعية إلى الإستسلام. و فعلا استجاب أبو عبد الله الصغيرللتحريض و ظهرت منه بطولات محترمة في جهاد الصليبيين لكن هذا لم يمنع من الإستسلام أخيرا للقوة الصليبية
بعد هذا الإستسلام وخروج أبي عبد الله متحسرا باكيا من غرناطة و حمرائها قالت عائشة الحرة جملتها الشهيرة:
" أجل فلتبك كالنساء, ملكا لم تستطع أن تدافع عنه كالرجال".
| |
|