السلام عليكم ورحمة الله,
موضوع الدعوة إلى الله من المواضيع التي كثر حولها الجدل لسبب بديهي لا يخفى, ألا وهو حاجة المسلمين أنفسهم إلى من يتصدى لبيان الحق وكشف الباطل والدعوة إلى الكتاب والسنة بعدما حصل الافتراق الذي حذر
منه النبي صلى الله عليه وسلم وتداعت علينا الأمم كما أخبر.
فلو تأملنا مناهج التيارات الإسلامية المعاصرة لرأينا كثيرا من التضارب بخصوص:
- تعريف الدعوة إلى الله.
- تحديد المجالات التي تشمل الدعوة إلى الله.
- تحديد شروط وواجبات الداعي إلى الله.
وكما أشرتم فإن الناس في ذلك طرفان ووسط, فأما الطرفان فأحدهما يرى أن الدعوة تقتصر على دعوة
العامة إلى الالتزام بأداء الشعائر الظاهرة وحثهم على مكارم الأخلاق, دون الاهتمام بأمر العامة, بل تجد
البعض يرى أن الاهتمام بدعوة الولاة والأمراء والنصح لهم مما لا يعني الداعية فكان تركه من حسن
اسلام المرء زعموا, وأما الآخر فإنه جعل الدعوة إلى الله كلاما فكريا جامدا لا روح فيه, فكل همه "تعبئة"
الناس كما يقولون, كأن الإسلام مجرد أفكار سياسية أو اجتماعية أو اقتصادية.
أما الوسط فهو منهج المحققين من أهل العلم الذين فقهوا حقيقة ما بعثت به الأنبياء, فهم كما قال الإمام أحمد
في خطبة كتاب الرد على الجهمية والزنادقة:
" الحمد لله الذي جعل في كل زمان فترة من الرسل بقايا من أهل العلم يدعون من ضل إلى الهدى، ويصبرون
منهم على الأذى، يحيون بكتاب الله الموتى ويبصرون بنور الله أهل العمى، فكم من قتيل لإبليس قد أحيوه، وكم
من ضال تائه هدوه، فما أحسن أثرهم على الناس، وما أقبح أثر الناس عليهم، ينفون عن كتاب الله تحريف
الغالين، وانتحال المبطلين، وتأويل الجاهلين الذين عقدوا ألوية البدعة وأطلقوا عنان الفتنة فهم مختلفون في
الكتاب مخالفون للكتاب مجمعون على مخالفة الكتاب، يقولون على الله وفي الله وفي كتاب الله بغير علم،
يتكلمون بالمتشابه من الكلام، ويخدعون الجهال بما يشبهون عليهم فنعوذ بالله من فتن المضلين."
فالعلماء هم الدعاة إلى الله على الحقيقة, ومن لم يكن سائرا على نهجهم , مسترشدا بما معهم من نور الفقه في الوحي
المنزل, فلا حظ له في الدعوة على الحقيقة, بل إن ما يفسد أكثر مما يصلح.
فالدعوة كما بين الإمام أحمد دعوة إلى الهدى وصبر على الأذى وذب عن الشريعة ما يفتريه عليها أهل
الأهواء.
فبما أن الدعوة إلى الله رسالة الأنبياء, وبما أن العلماء ورثتهم, فإنهم ورثوهم الدعوة كما ورثوهم العلم, وكما
أن الناس عيال على الأنبياء في تحصيل العلم النافع المنجي, فإنهم كذلك عيال عليهم في معرفة منهج الدعوة
وأصولها وشروطها وضوابطها, فأقول والله أعلم, من لم يكن من أهل العلم, بل كان من أهل التقليد, فلا مناص
له من سؤال أهل العلم واتباع منهجهم في الدعوة إلى الله.
ولعل الخلل الذي جره ابتداع مناهج متعددة في الدعوة إلى الله يرجع إلى أصل واحد, هو ظن كثير من أتباع
التيارات الإسلامية المختلفة أنه يسعهم الاستغناء عن أهل العلم والله أعلم.