الظاهرية الحرفية والظاهرية الحقيقية

إخوانى الكرام هذا موضوع دار بخلدى منذ ايام ، وحقيقة الأمر أنه كان بعقلى منذ سنين عدة ، لكنه ألح على منذ أشهر ، وازداد إلحاحه على منذ ايام ، فقلت أطرحه للتشاور والمدارسة مع الأخوة.
والداعى إليه أننى وجدت بعض السلفيين المزعومين - لا أعنى إطلاقا المدرسة السلفية صاحبة المنهج والمشرب الصحيح إنما أعنى من زعم أنه سلفى وهو ليس كذلك لا فى نهجه ولا فى عمله وفعله- أقول وجدت هؤلاء القوم يزعمون أنهم أصحاب حديث وينضمون لمدرسة الحديث ثم وجدناهم إذا كان فى الموضوع عدة أحاديث أخذوا أحدها وعملوا به ووقفوا عنده بحرفية زعموا أنها هى الظاهرية ، ثم يتركون باقى الأحاديث ، وهى أصلا مفسرة لحديث ربما تعلقوا به والتعلق به باطل إذ فى نصوص القرآن وفى السنة ما يحل الإشكال ، ومن ثم صار أمامنا فتاوى وأقوال وآراء متعددة بسبب هذا العمل الأحمق ، وصار الناس أو قل أهل العلم من أهل الرأى وغيرهم يقولون هذه هى الظاهرية الحرفية ، وينسبونها إلى أهل الظاهر ، فصرنا بسبب هذه الأفعال معرضون للنقد ، وإذا سمع واحد من الناس كلمة الظاهرية يقول أصحاب الحرفية ، أصحاب النصوص ، الذين لا يفهمون ما وراء النص الذين لا يجمعون بين النصوص وهذا كلام يعلم الله سمعنه باذنى .
وزاد الأمر حسرة وندامة أن البعض صار يدخل هذا المنتدى ويطنطن بكلمات مفادها أنه ظاهرى ويعلم الله ما فى قلبه ونراه بعيدا كل البعد عن المنهج الظاهرى ، صحيح أنهم قلة جدا لكن هذاأمر موجود ولابد أن نفطن له.
الظاهرية إخوانى الكرام ليست بالحرفية بل هى أصل أصيل فى التعامل مع النصوص وهى التى جعلت ابن حزم يخرج بأحكام عجز عنها من سبقه من الأئمة ، وهى الوسطية فى فهم النص وهى المرونة ، وهى وهى لم
لأن أصل النصوص تتمتع بهذه الخصال ومن يطبق النهج الذى يعتمد على النصوص فمحال أن يكون حرفيا نزاعا لنص دون غيره.
صحيح أن ابن حزم رحمه الله له أخطاء أوقعته فيها حرفيته فى بعض الأحيان ، وهذا أمر طبعى فالرجل مؤسس لمنهج ومجدد له ومحيى له من رقدته فإن أخطأ فى بضعة مسائل فلا لوم عليه ، والمؤسس دوما لا يطالب بالصواب وبالخطىء قدر ما يطالب هل نجح فى مشروعه الذى قدمه أم لا .
إخوانى الكرام منهجنا الظاهرى قائم على تفسير النصوص بالنصوص وبإجماع الصحابة المتيقن وباللغة التى بها خاطبنا الله فى كتابه وعلى لسان نبيه ومن ثم قال القائل " لا يحل للمفتى أن يفتى إلا إذا كان نحويا لغويا"
فمن لم يستوعب النصوص ويقف عليها وكذا من لم يقف على الإجماع الصحيح المنقول نقلا صحيحا صريحا ، وكذا من لم يعرف اللغة فلا يزعم لنفسه أنه ظاهرى وأنه يتبع النهج الظاهرى أو أنه على منهج أهل الحديث أو أنه سلفى نصى لأنه بذلك إن لم يستوعب ما سبق سيكون ظاهرى حرفى إفساده كثير وإصلاحه قليل.
الظاهرية منهج فى التعامل مع النصوص وليست تجميد للنصوص وليست وقوف عند النص بلا تأويل بنص ولا تفسير بنص
فالنصوص كلها مثانى تتعانق مع بعضها البعض لتخرج لنا الحكم الصحيح الواضح الذى ارتضاه الله لنا .

لقد حرص العلامة ابن حزم دوما أن تكون ظاهريته هى الظاهرية الحقيقية ، ومن ثم عرف الظاهر فى إحكامه بأنه هو النص ، وما دامت النصوص لها خصائص ومميزات ، فلابد ان تكون للظاهرية هذه الخصائص والميزات ، لأن الظاهر هو نص
ومن ثم كان ابن حزم بمنطقه العظيم هذا يخرج علينا بتخريجات عظيمة من واقع قراءته للنصوص قراءة واع وفاهم وبصير
ومن ثم رايناه يجيز للمراة التى تريد الحج _ حج الفريضة_ ان تخرج وتؤدى الفريضة حتى ولومنعها زوجها ، ولها أن تخرج وأتى لنا بنص عظيم
إذ احتج بقول النبى " لا تمنعوا إماء الله مساجد الله"
قال والكعبة التى تقصد للحج ما هى إلا مسجد
ومن ثم فليس للرجل أن يمنع زوجته وهى قاصدة لبيت الله تعالى لأنه مسجد من جملة المساجد ،وقد نهى النبى أن يمنع الرجال نساءهم من أن يقصدن المساجد .

وقد تعقب احد الإخوة ما كتبته أعلاه بقوله " بارك الله فيك اخي الحبيب 0000ولكن لو مثلت لنا بامثلة على الذين وصفتهم لكان خيرا 0000 فالكلام كان عاما يفتقر الى المثال حتى يكون واقعا مشهودا 0000 ثم لا ارى من الصواب ان تقسم الظاهرية الى هذا التقسيم وكانه واقع حال ( الظاهرية الحرفية والظاهرية الحقيقية ) لاوجود لمثل هذا التقسيم بارك الله فيك فالمنهج اما ظاهري واما غير ذلك "

فرددت عليه بما يلى :

" أخى .... بارك الله فيك وجزاك خيرا على التنبيه
لكن أخى أمثال ما ذكرتهم كثير ن وفى كل وقت وحين ، وكل ظاهرى مبتلى بهؤلاء الناس الذين تحدثت عنهم ، والذين يزعمون أنهم أهل الحديث وأهل النص وأنهم ابعد ما يكونون عما تحدثوا عنه .
ما من مكان تحل فيه ركائبى إلا وأسمع ما يسىء إلى وإلى منهجى تجد الرجل ذو هيبة وصاحب حديث عظيم ويقول لك ليس لنا إلا أن نعمل بما عمل به النبى ، وأن نطبق النصوص وأن نركن للنصوص ، فنحن مع النصوص اينما راحت وتوجهت ، فيطمئن الإنسان إلى حسن هذا الكلام وحسن فهم مردده ، ثم سرعان ما نسمع من نفس الشخص فى نفس المجلس ما يعكر صفو كل ما سبق وان قاله بشأن النصوص.

فمثلا أبسط الأمور فى معرض القاهرى الدولى السابق للكتاب وقع هذا الأمر امامى من قبل اخ صفاته كما ذكرتها سلفا ، ثم رايته يقول لمن يتحدث إليه لا تنسى أخى ان هناك الراى والقياس والاجتهاد .
أنظروا رحمكم الله يضع الاجتهاد مع الرأى والقياس
هل هذا فهم ؟
وهل هذا حديث مستقيم يستقيم مع حديث عن النصوص وتعظيمها؟
صعقت والله لما سمعت هذا الكلام
وتكرر هذا كثيرا لكن هذا نموذج إن أردت النماذج أخى الكريم

أما بخصوص التقسيم أخى الكريم للظاهرية
فليس هذا بتقسيم إنما هو تنبيه وتوضيح الظاهرى هو الظاهرى حقا هو النصى هو الموقر للنصوص هو الذى لا يحتكم إلا للنصوص هو الذى يرفض ما دون النصوص .
هذا هو الظاهرى الحقيقى .
وما دونه فلا يمكن أن نقول عنهانه ظاهرى وإن زعم أنه كذلك.
فالفهم أخى الكريم هو الذى يدفعنا لقول ما قلناه بشأن الظاهرية الحرفية والظاهرية الحقيقية
والاصل انه لا ظاهرية إلا ظاهرية حقيقية بمعنى الظاهرية الواعية للنص الفاهمة لمراميه المحيطة بمن دونه ، هذا اصل الظاهر وحقيقته اخى الكريم.
وفقنى الله وإياك لكل خير .