حيا الله الاحبة
إخوانى الكرام هذه حوارات وقعت بيننا وبين طائفة من أصحابنا على راسهم أبى المظفر سعيد السنارى القاهرى ، والأخت أصولية حنفية .
بدات هذه الحوارات بعدة أسئلة تلقيتها من الأخت أصولية حنفية الاردنية على منتدى مجالس الطريق إلى الجنة ، ثم تتابعت الردود والمناقشات والطروحات التى أظن أنها ستروق لكم لذا قلت ابسط لكم هذه الحوارات على صفحات منتدانا لعل فيها ما يفيد ، ولعل بعض مرتادى هذا الموقع أن يجددوا الموضوع وينشطوه .
وأبدا بسؤال الأخت أصولية حنفية
السؤال الأول للدكتور عبد الباقي السيد
بسم الله الرحمن الرحيم
وبه نستعين
أولاً: حديث البخاري "ليكونن من أمتي أقوام يستحلون الحر والحرير والخمر والمعازف" وأحاديث أخرى كثيرة في معنى هذا الحديث.
ما يهمني حديث البخاري.
سيقال: الحديث منقطع السند، وسيقولون تعليقات البخاري صحيحة، واقرؤوا "تغليق التعليق" قبل ان تطعنوا في أصح كتاب بعد كتاب الله ((مع العلم أن كلمة "أصح" صيغة تفضيل وكتاب الله قطعا أصح من البخاري، فصار المعنى أن جامع البخاري هو أصح وأكمل جمع بشري للسنة على وجه الأرض، لا أنه سالم تماما من النقص، بطبيعة أنه جمعٌ بشري، ولا عصمة للبخاري ولا لغيره، بل العصمة يا أهل السنة للأنبياء - حذار وإلا صرنا كالشيعة حين أثبتوا العصمة لغير الأنبياء -، وجمع البخاري في صحيحه لا يرضى هو نفسه رحمه الله أن يجعله مطلقا عن النقص وطروء القصور عليه، ولا يرضى رحمه الله أن يجعله في رتبة القرآن العظيم، لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه)).
سيقولون - أستاذي الفاضل -: الحديث صحيح فلا تطعنوا فيه.
أنا لا أحب أن نقول: حديث البخاري ضعيف، مع كل ما سبق لي أن كتبته، فإن في ولوج هذا الباب فتنة عظيمة.
فما ردكم أستاذنا الفاضل؟
أفيدونا نفعنا الله بعلمكم.ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وهذا نص جوابنا
الأخت الفاضلة بارك الله فيكم وزادكم من الفضل والخير.
بداية لابد أن نتفق على أن البخارى كان إماما عظيما وعلما شامخا ، وصخرة عاتية تكسرت عليها كل سهام النقد التى وجهت له .
ولو سلمنا بان فى الصحيح بضعة أحاديث كما قيل فيها ضعف أو ماشابه ذلك فانا رغم قولى بإباحة الغناء والموسيقى أقول القول فى أحاديث البخارى هو قول البخارى نفسه .
فالبخارى لم يكن رجلا يبتاع سمكا ولبنا وتمر هندى على ما يقولون .
بل هو خبير بفن دانت له الأمة ، وحسبه ان الله كان حافظه ومؤيده " فالله تعالى يقول " وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم" فالذكر هنا هو السنة .
والله تعالى تعهد بحفظ الذكر فقال " إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون" إنا فالذكر هو القرآن والسنة .
هذا مدخل لابد منه حتى لا يظن ظان أو يتوهم متوهم أننا ندعو لخلع الناس من السنة كما ظن بنا من لم يفهم مقصدنا .
ولكن فى الوقت ذاته لا يمكن أن نسلم بأن البخارى فى كل كلمة قالها البخارى أنه معصوم ، قد يقول قائل لم هذا التناقض .
فأبادر وأقول ليس هذا تناقضا بل انا أوضحت أن الله تعهد بحفظ كتابه كماأنزل فتم ذلك ، وتعهد بحفظ سنة نبيه فتم ذلك أيضا ، وحفظت السنة ، ولكن هناك أقوال ذكرها البخارى لبعض الصحابة ، بل هناك أحاديث لها بعض المعارضات فى نصوص أخرى بل عند البخارى نفسه فى الصحيح كما فى حديث البخارى رأيناه أورد يستحلون فى الصحيح ، ولم يوردها فى تاريخه .
إذا لابد من وقفة حول فقه الحديث وما يستنبط من الحديث لكن ليس لنا ولا لغيرناأن يتحدث فى جمع البخارى أو رواة البخارى ، كما أنه ليس لأحد أن يطيل لسانه فى الائمة الكبار فلأهل العلم فضلهم ، ولحوم العلماء مسمومة .
لو لم أذعن لعبقرية البخارى فى جمعه لقلنا مثلا :
أولا:-أن البخارى شك فى الراوى هل هو أبو عامر أم أبومالك ، ومن ثم فالحديث معلول.
ثانيا :- أو قلنا أن الرواية من طريق هشام بن عمار وإن كان هناك جماعة من أهل الجرح والتعديل قد وثقوه فقد جرحه آخرين (1).
ثالثا : أو قلناكانت آفة هشام بن عمار أنه كان يتلقن فى آخر حياته فضلا عن روايته عن ابن لهيعه وهو ضعيف، فلعل حديث المعازف مما تلقنه هشام بن عمار ولم يكن عنده صحيحا. لكن لو قلنا هذا حتى سنجد أن قول البخارى هو المقدم بلا شك على كل قول يخص هشام بن عمار .
أقول إن شئنا طرحنا هذه الطروحات السابقة ولكن كما قلت لا قول فى الإسناد مع قول البخارى.
لكن هناك فقه الحديث وفهم الحديث ومتنه ، وهذا ما سننظره لنجد الآتى :
أولا:-أن الحديث قد يكون مضطربا فى متنه فقد ذكر البخارى فى صحيحه لفظ يستحلون وفى التاريخ لم يذكرها، وورد عند أحمد بلفظ ليشربن أناس من أمتى الخمر يسمونها بغير اسمها ([2])، ورواه أبوداود عن أبى عامر وأبى مالك الأشعرى بالشك أيضا كالبخارى ولم يذكر لفظ المعازف، حيث جاء فيه( ليكونن من أمتى أقوام يستحلون الخز والحرير)([3]).
ثانيا : ولو فرضنا أن الحديث ليس فيه اضطراب فهو خاص بفئة كان ديدنها الزنا وشرب الخمر فى مجلس الغناء والمعازف فجاء التحريم باعتباره أحد الأشكال التى ترتبط بمجلس الخمر، خاصة وأن ألفاظه جاءت متتابعة العطف على الحر وهو الفرج أى استحلال فروج النساء وهو الزنا، ومن ثم فالتحريم لا يقع على كل واحد منها منفردا، خاصة وأن النهى عن الأمور المتعددة أو ترتيب الوعيد على مجموعها لا يدل على تحريم كل واحد منها بعينه، وليس أدل على ذلك من قوله تعالى: (خذوه فغلوه ثم الجحيم صلوه ثم فى سلسلة ذرعها سبعون ذراعا فاسلكوه إنه كان لا يؤمن بالله العظيم ولا يحض على طعام المسكين)([4]) ومن ذلك قوله تعالى: (أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولى الأمر منكم)([5]) فجعل طاعة الله وطاعة الرسول مرتبطتين، وجعل طاعة أولى الأمر مرتبطة بطاعتهما فإن وافقت طاعتهما وافقناهم وإن خالفتهما خالفناهم، وذلك لأنه سبحانه وتعالى لم يقل وأطيعوا أولى الأمر، ولو كان كذلك لكانت طاعتهم فى كل شىء كطاعة الله والرسول ولكنه سبحانه فرق بذلك، فلو أن الحديث جاء بصيغة تفريق لكان كل واحد على حده منفردا ولكنه لم يأت كذلك وبالله تعالى التوفيق . بقى أمر أخير بشان دلالة الاقران فى النصوص وهو ما يخص النص الذى نحن امامه هل التحريم فيه لكل واحدة على حدة أم أن التحريم لا يخص كل واحدة بل يخص حالة واحدة إن اجتمعت فيها هذه الاربع التى اشار إليها الحديث كان المجلس محرما .
هناك حديث سنن الفطرة " خمس من سنن الفطرة ...." الحديث ومعلوم ان الفطرة قائمة على الوجوب لكن لم نحمل بعض ما ورد فى سنن الفطرة على الوجوب رغم ورودها فى النص لأان نصوصا أخرى أخرجتها لنا من الوجوب إلى الإباحة مثل السواك ، أو صارت سنة مثل الاختتان وهكذا .
فالأمر فى الغناء كذلك خاصة واننا قلنا أن الحديث ورد عند البخارى بصيغة يستحلون وفى التاريخ بدون يستحلون . يتبع إن شاء الله .
ــــــــــــــــــــ
([1]) قال عنه يحيى بن معين: ثقة، وفى رواية كيس كيس .
وقال فى رواية أخرى: حدثنا هشام بن عمار و ليس بالكذوب، فذكر عنه حديثا. وقال هشام بن عمار: أحب إلى من ابن أبى مالك .
وقال العجلى: ثقة، وقال فى موضع آخر: صدوق .
وقال النسائى: لا بأس به.
وقال الدارقطنى: صدوق، كبير المحل.
وقال عبدان بن أحمد الجواليقى، عن هشام بن عمار: ما أعدت خطبة منذ عشرين سنة، وقال فى موضع آخر: ما كان فى الدنيا مثله .
وقال عبد الرحمن بن أبى حاتم: سمعت أبى يقول: هشام ابن عمار لما كبر تغير فكل ما دفع إليه قرأه، وكلما لقن تلقن، وكان قديما أصح، كان يقرأ من كتابه . وسئل أبى عنه، فقال: صدوق .
وقال أبو عبيد الآجرى، قال أبو داود أبو أيوب ـ يعنى سليمان ابن بنت شرحبيل ـ خير منه ـ يعنى من هشام ـ، حدث هشام بأرجح من أربع مائة حديث ليس لها أصل مسنده كلها، كان فضلك يدور على أحاديث أبى مسهر و غيره، يلقنها هشام بن عمار .
وقال أبوعبيد الآجرى: كان فضلك يدور بدمشق على أحاديث أبى مسهر، و أحاديث الشيوخ يلقنها هشام بن عمار، فيحدثه بها، وكنت أخشى أن يفتق فى الإسلام فتقا .
وقال أبو بكر محمد بن أحمد بن راشد بن معدان الأصبهانى: سمعت محمد بن مسلم بن وارة الرازى يقول:عزمت زمانا أن أمسك عن حديث هشام بن عمار لأنه كان يبيع الحديث .
وقال صالح بن محمد الأسدى: كان هشام بن عمار يأخذ على الحديث، ولا يحدث ما لم يأخذ .
وقال أبوبكر الإسماعيلى عن عبد الله بن محمد بن سيار: كان هشام بن عمار يلقن، وكان يلقن كل شىء، ما كان من حديثه وكان يقول: أنا قد أخرجت هذه الأحاديث صحاحا، وقال الله تعالى
فمن بدله بعد ما سمعه فإنما إثمه على الذين يبدلونه ) ( سورة البقرة آية 181) وكان يأخذ على كل ورقتين درهما و يشارط ويقول: إن كان الخط دقيقا فليس بينى و بين الدقيق عمل . وكان يقول: وذاك أنى قلت له: إن كنت تحفظ فحدث، وإن كنت لا تحفظ فلا تلقن ما يلقن، فاختلط من ذاك، وقال: أنا أعرف هذه الأحاديث . ثم قال لى بعد ساعة: إن كنت تشتهى أن تعلم فأدخل إسنادا فى شىء، فتفقدت الأسانيد التى فيها قليل اضطراب، فجعلت أسأله عنه فكان يمر فيها يعرفها .
وقال أبو على الأوزاعى، ليس بثقة فى النقل، وقد كنت أردت أن أطرح كلامه ثم أوردته وبينت حاله.
وذكره ابن حبان فى " الثقات "
وقال مسلمة: تكلم فيه، وهو جائز الحديث صدوق .
وقال القزاز:آفته أنه ربما لقن أحاديث فتلقنها .
وقال أحمد بن أبى الحوارى: إذا حدث فى بلد فيه مثل هشام فيجب للحيتى أن تحلق .
وقال هشام: نظر يحيى بن معين فى حديثى كله إلا حديث سويد بن عبد العزيز، فإنه قال: سويد ضعيف .
وقد حدث هشام بن عمار عن ابن لهيعة بالإجازة .
وقال أبو زرعة الرازى: من فاته هشام بن عمار يحتاج أن ينزل فى عشرة آلاف حديث.
وقال المروذى: ذكر أحمد هشاما فقال: طياش خفيف، و ذكر له قصة فى اللفظ بالقرآن، أنكر عليه أحمد حتى إنه قال: إن صلوا خلفه فليعيدوا الصلاة .
([2]) انظر كتاب باقى مسند الأنصار من مسند أحمد باب حديث أبى مالك الأشعرى رقم21827 0
([3]) انظر كتاب اللباس من سنن أبى داود باب ما جاء فى الخز رقم3521
([4]) سورة الحاقة آية30-34
([5]) سورة النساء آية 59