هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.



 
الرئيسيةالرئيسية  أحدث الصورأحدث الصور  دخولدخول  التسجيلالتسجيل  

 

 وقفات مع الحافظ ابن عبدالهادى الحنبلى بشأن كلامه عن العلامة ابن حزم

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
دكتور عبدالباقى السيد
مدير المنتدى
مدير المنتدى



عدد المساهمات : 1147
تاريخ التسجيل : 01/10/2010
العمر : 48

وقفات مع الحافظ ابن عبدالهادى الحنبلى بشأن كلامه عن العلامة ابن حزم  Empty
مُساهمةموضوع: وقفات مع الحافظ ابن عبدالهادى الحنبلى بشأن كلامه عن العلامة ابن حزم    وقفات مع الحافظ ابن عبدالهادى الحنبلى بشأن كلامه عن العلامة ابن حزم  Icon_minitime1الجمعة أكتوبر 08, 2010 11:07 pm

الإخوة الكرام احسن الله إليكم جميعا .
هذا الموضوع الذى أطرحه على حضراتكم من أكثر الموضوعات خطورة لأنه يرتبط بعلمين .
احدهما العلامة ابن حزم الإمام الفذ المبجل الذى يبجله كل ظاهرى ، وكل مجتهد ومتخير .
والثانى هو الحافظ ابن عبدالهادى الحنبلى الذى يعده الحنابلة آية من الآيات ، كأن المذهب الحنبلى لم يعرف رجلا مثله .
ومن ثم راينا من اشتط فراح يجهل ابن حزم أمام علم ابن عبدالهادى ، وقال لا مقارنة اصلا بين هذا وذاك ، فابن عبدالهادى متين العلم صحيح المعتقد اما ابن حزم ففسد حاله بما ركن إليه من المنطق والفلسفة والتأويلات.
وهذا والله الجهل بعينه ، وقلة الحياء والإنصاف .
وصدق النبى صلى الله عليه وسلم إذ يقول : " الإيمان والحياء قرناء إذا رفع أحدهما رفع الآخر" .
والدافع لهذا الموضوع أننى كنت منذ يومين فى مناقشة حول مسألة ترك النبى الفعل هل يكون بذلك حجة .
وتطرق الحديث إلى ابن حزم .
فإذا بأحد الإخوة يقول لى ابن حزم جهمى جلد .
ثم دخل آخر وقال حقا والعلماء قرروا ذلك .
ثم رايت الأخ صاحب قول العلماء يقول لى " هل أنت عالم حتى تتحدث عن العلماء"
المهم لا أريد ان اخرج عن الموضوع قلت يا اخى نرجع لنرى كتب ابن حزم وما فيها هل تبنى أصول الجهمية أم لا .
قال نعم تبناها .
قلت اقرا يا أخى الفصل موجود .
وانا متخصص أكاديميا فى ابن حزم .
فإذا به يقول العلماء لديهم أكثر مما لديك ، وانت ربما تقرا فلا تفهم ما فهمه العلماء .
ومن ثم فحكم العلماء على ابن حزم مقبول .
المهم حاولت قدر الاستطاعة ان أكظم غيظى ، ونقلت نقولا من الفصل يبطل بها ابن حزم منهج الجهمية .
ثم ضربت مثالا لابن تيمية الذى قال بفناء النار ؟
وقلت له هل بعد جهميا بهذا؟
قال ابن تيمية لم يقل بهذا ونقل لى نقلا من منهاج السنة يدلل على أنه لا يقول بذلك.
فقلت ما قيل فى المنهاج هذا متقدم ، والمعروف عن شيخ الإسلام انه انتصر لقوله بفناء النار فى رسالة مستقلة صنفها وهوبسجن القلعة قبل وفاته .
فبايهما يعمل بالمتقدم من الأقوال ام بالمتأخر .
عموما تطرق الحديث أيضا إلى الشيخ الالبانى وأنه قال بأن ابن حزم جهمى .
فقلت يا أخى الالبانى ناقل ، والعجب انه لم يعقب لا بنقد ولا بإقرار .
ففاجأنى الأخ بان الشيخ الالبانى أوضح فى شرائطه أن ابن حزم جهمى جلد .
ثم راح هذا الأخ يقول وابن عبدالهادى قال قرات كتب ابن حزم ومنها تبين لى انه جهمى جلد .
ثم راح يتحدث عن قدسية العلماء وقدسية اقوالهم ، ومن ثم وجب علينا ان نترك عقولنا للعلماء الذين يتحدث عنهم ؟
عموما كانت هذه تقدمة أحببت ان أوضح فيها سبب الشروع فى كتابة هذا الموضوع .
ولقد أثار الحوار كمائنى وحميتى .
وزاد من ذلك أن أحد الظاهرية راسلنى وقال لى "لم تتسامح مع هذا الجاهل الدعى هكذا"
لابد ان ترد عليه وتبطل قوله .
فحاولت تهدئته ووعدته بالرد .
فهذا الموضوع إن شاء الله تعالى سابداه بتعقب كل ما قاله ابن عبدالهادى عن العلامة ابن حزم بمدح او بذم .
وسأرفق به الكلام الذى ردده من قلد ابن عبدالهادى ونقل كلامه .
وسأبين خطا بعض الإخوة فى النقل كقول القائل عن ابن عبدالهادى أنه تبين له بعد قراءة كتب ابن حزم كلها انه جهمى جلد .
وهذا كلام باطل ، وابن عبدالهادى حكمه هذا نابع من قراءته لكتاب الملل والنحل فقط لابن حزم كما أخبر هو بنفسه .
المهم هذا الموضوع أبداه بعون الله متمنيا من الله أن يتوسع ليكون كتابا فيما بعد يضم الشبه التى روجت ضد ابن حزم .
وبالله تعالى نعتصم ونتأيد .
يتبع إن شاء الله .
على أن ابدا المشاركة التالية بالحديث عن ابن عبدالهادى ومكانته العلمية لنقارن بينه وبين العلامة ابن حزم .
ثم أثنى فى مشاركة تالية بالحديث عن مكانة ابن حزم العلمية .
ثم سأتعقب ابن عبدالهادى فى ترجمته الطويلة التى طرحها فى كتابه طبقات علماء الحديث وأبين أنه كان ناقلا عن غيره ، وأن هناك روايات باطلة مر عليها دون تعقيب .
ثم سأقف على كلام ابن عبدالهادى ذاته عن ابن حزم والذى طرحه وختم به الترجمة.

نبدا إن شاء الله بما شرطناه على أنفسنا من الحديث حول الحافظ ابن عبدالهادى أولا فهو :
محمد بن أحمد بن عبد الهادي بن عبد الحميد بن عبد الهادي بن يوسف بن محمد بن قدامة المقدسي الحنبلي (شمس الدين)، أبو عبد الله الجماعيلي (بتشديد الميم) الأصل ثم الدمشقي الصالحي، ويقال له ابن عبد الهادي نسبة إلى جده، ولد في دمشق / سورية عام 705 هـ، توفي عام 744 هـ ، ودفن بسفح قاسيون.وكانت جنازته حافلة ورؤيت له منامات حسنة.

مشايخة:
1 ) شيخ الإسلام ابن تيمية.
2 ) الحافظ أبو الحجاج المزي.
3 ) القاضي تقي الدين سليمان.
4 ) أبو بكر بن عبد الدائم.
5 ) الحافظ الذهبي.
6 ) عيسى المطغم.
7 ) ابن مسلم. وغيرهم.

مصنفاته :
1 - تنقيح التحقيق في أحاديث التعليق لابن الجوزي مجلدان
2 - والمحرر في الأحكام مختصر مفيد
3 - والكلام على مختصر ابن الحاجب مؤلفان مطول ومختصر
4 - وجزء في الردعلى أبي حيان فيما رده على ابن مالك
5 - وجمع التفسير المسند لكنه لم يكمل و مات قبل إتمامه.
6 - الأعلام في ذكر المشائخ الأئمة الأعلام
7 - إقامة البرهان على عدم صوم يوم الاثنين من شعبان
8 - تعليقة على الأحكام لابن تيمية
9 - تعليقة على سنن البيهقي
10 - تعليقة في الثقات
11 - شرح تسهيل الفوائد لابن مالك في النحو
12 - شرح كتاب العلل على ترتيب الفقه مجلدات
13 - الصارم المبكي في الرد على ابن السبكي في مسألة شد الرحل لزيارة القبور
14 - الطرفة مختصر في النحو
15 - فصل النزاع بين الخصوم في الكلام على أحاديث أفطر الحاج والمحجوم
16 - العمدة في الحفاظ مجلدان
17 - لطيف الكلام على أحاديث مس الذكر
18 - المحرر في شرح الإلمام من أحاديث الكلام
19 - المغنى في الفقه
20 - المحمدي في الحديث
21 - ترجمة الشيخ تقي الدين ابن تيمية في مجلد باسم العقود الدرية في مناقب شيخ الإسلام ابن تيمية.
22- كتاب فى الرجال لكنه ناقص موجود بمكتبة الحرم النبوى .
23-رسالة فى المرسل .
24- مناقب الائمة الأربعة مطبوع .
25-شرح للامية ابن فرح ، ذكر محقق شرح لامية ابن فرح لابن جماعة أنها تحت الطبع بتحقيقه .
26-تراجم الحفاظ . لا أدرى هل هو طبقات علماء الحديث ام غيره .
27- التفسير المسند ، لم يكمل ، ذكره ابن حجر في "الدرر الكامنة" 3/332 .
28- رسالة في الإنتصار للحنابلة ( مخطوطة في أوقاف بغداد في(41ق).
29-رسالة في أحاديث ضعيفة ، حققها قديمًا / محمد عيد العباسي ، وسماها : "رسالة لطيفة في أحاديث متفرقة ضعيفة" .
30-اقامة البرهان على عدم وجوب صيام الثلاثين من شعبان. (دار الوطن).
31-تعليقة على العلل لابن أبي حاتم .(أضواء السلف) .
32-قواعد في أصول الفقه .
33-الأحكام في الفقه .
34-فضائل الشام .

قال الحافظ ابن رجب في ذيل طبقات الحنابلة عند ترجمة الحافظ ابن عبد الهادي :
( فمن تصانيفه " تنقيح التحقيق في أحاديث التعليق " لابن الجوزي مجلدان " الأحكام الكبرى " المرتبة على أحكام الحافظ الضياء، كمل منها سبع مجلدات " الرد على أبي بكر الخطيب الحافظ في مسألة الجهر بالبسملة " مجلد " المحرر في الأحكام " مجلد " فصل النزاع بين الخصوم في الكلام على أحاديث: " أفطر الحاجم والمحجوم " مجلد لطيف الكلام على أحاديث مس الذكر جزء كبير " الكلام على أحاديث: " البحر هو الطهور ماؤه " جزء كبير " الكلام على أحاديث القلتين " جزء " الكلام على حديث معاذ في الحكم بالرأي " جزء كبير، الكلام على حديث " أصحابي كالنجوم " جزء، الكلام على حديث أبي سفيان " ثلاث أعطينهن يا رسول الله " والرد على ابن حزم في قوله: إنه موضوع. كتاب " العمدة " في الحفاظ، كمل منه مجلدان " تعليقة في الثقات " كمل منه مجلدان، الكلام على أحاديث " مختصر ابن الحاجب " مختصر ومطول، الكلام على أحاديث كثيرة فيها ضعف من " المستدرك " للحاكم، أحاديث الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، جزء منتقى من " مختصر المختصر " لابن خزيمة، ومناقشته على أحاديث أخرجها فيه، فيها مقال، مجلد، الكلام على " أحاديث الزيارة " جزء، مصنف في الزيارة مجلد، الكلام على أحاديث " محلل السباق " جزء، جزء في " مسافة القصر " جزء في قوله تعالى: " لمسجد أسس على التقوى " الآية. " التوبة: 108 " ، جزء في أحاديث " الجمع بين الصلاتين في الحضر " ، " الإعلام في ذكر مشايخ الأئمة الأعلام " ، أصحاب الكتب الستة. عدة أجزاء، الكلام على حديث " الطواف بالبيت صلاة " ، " جزء كبير في مولد النبي صلى الله عليه وسلم " تعليقة على " سنن البيهقي الكبرى " كمل منها مجلدان، جزء كبير في " المعجزات والكرامات " جزء في " تحريم الربا " جزء في " تملك الأب من مال ولده ما شاء " جزء في " العقيقة " جزء في " الأكل من الثمار التي لا حائط عليها " ، " الرد على ألْكيا الهِرَّاسي " جزء كبير، قي ترجمة الشيخ تقي الدين ابن تيمية " مجلد " منتقى من تهذيب الكمال للمزي كمل منه خمسة أجزاء " إقامة البرهان على عدم وجوب صوم يوم الثلاثين من شعبان " جزء، جزء في " فضائل الحسن البصري " رضي الله عنه " جزء في حجب الأم بالإخوة، وأنها تحجب بدون ثلاثة " جزء " في الصبر " جزء " في فضائل الشام " " صلاة التراويح " جزء كبير، الكلام على أحاديث " لبس الخفين للحرم " جزء كبير، جزء في " صفة الجنة " جزء في " المراسيل " جزء في مسألة " الجد والأخوة " ، " منتخب من مسند الإِمام أحمد " مجلدان " منتخب من سنن البيهقي " مجلد " منتخب من سنن أبي داود " مجلد لطيف " تعليقه على التسهيل في النحو، كمل منها مجلدان، جزء في الكلام على حديث " أَفرَضَكم زيد " أحاديث " حياة الأنبياء في قبورهم " جزء تعليقة، على " العلل " ، لابن أبي حاتم، كمل منها مجلدان. تعليقة على " الأحكام " لأبي البركات ابن تيمية لم تكمل " منتقى من علل الدارقطني " ، مجلد، جزء في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر " شرح لألفية ابن مالك " جزء. ما أخذ على تصانيف أبي عبد اللّه الذهبي الحافظ شيخه عدة أجزاء. حواشي على كتاب " الإلمام " جزء في الرد على أبي حيان النحوي فيما رعه على ابن مالك وأخطأ فيه، جزء في " اجتماع الضميرين " جزء " في تحقيق الهمز والإِبدال في القراءات " وله رد على ابن طاهر، وابن دحية، وغيرهما، وتعاليق كثيرة في الفقه وأصوله، والحديث، ومنتخبات كثيرة في أنواع العلم. )

وقد ذكر محقق كتاب طبقات علماء الحديث، الأستاذ أكرم البوشي، لابن عبد الهادي خمسة وسبعين كتابا، يمكن مراجعتها فى مقدمة المحقق( 1/41- 52).

مكانته العلمية وثناء أهل العلم عليه :
1 ) الحافظ المزي:
قال: ( ما التقيت به – يعني: ابن عبد الهادي – إلا استفدت منه ).
2 ) الحافظ ابن كثير:
قال: (.. الشيخ الإمام العالم العلامة الناقد البارع في فنون العلوم حصل من العلوم ما لم يبلغه الشيوخ الكبار ... كان حافظاً جيداً لأسماء الرجال، وطرق الحديث، عارفاً بالجرح والتعديل، بصيراً بعلل الحديث" وله فوق السبعين مؤلف من أهمهم: الأحكام الكبرى، الإعلام في ذكر مشايخ الأئمة والأعلام، العقود الدرية في مناقب شيخ الإسلام ابن تيمية، العلل في الحديث، العمدة في الحفاظ، فضائل الحسن البصري ، قواعد أصول الفقه، المحرر في أحاديث الأحكام.
وقال: ( حصل من العلوم ما لا يبلغه الشيوخ الكبار وتفنن في الحديث والتعريف والفقه والتفسير والأصليين والتاريخ والقراءات وله مجامع وتعاليق مفيدة وكثيرة وكان حافظا جيدا لأسماء الرجال وطرق الحديث وعارفا بالجرح والتعديل وبصيرا بعلل الحديث، حسن الفهم له، جيد المذاكرة صحيح الذهن مستقيما على طريقة السلف وأتباع الكتاب والسنة مثابرا على فعل الخيرات ) .
3 ) الحافظ ابن رجب:
قال فيه: ( المقرئ الفقيه المحدث الحافظ الناقد النحوي المتقن.. درس الحديث وكتبه بخطه الحسن المتقن الكثير ).
4 ) الحافظ أبو المحاسن:
قال في ذيل تذكرة الحفاظ ( الإمام العلامة شمس الدين.. اعتنى بالرجال والعلل وبرع وجمع وصنف وتصدر للإفادة والاشتغال في القراءات والحديث والفقه والأصلين والنحو واللغة وولي مشيخة الحديث بالضيائية والغيائية ودرس بالمدرسة المنصورية وغيرها وسمع منه طائفة وروى شيخنا الذهبي عن المزي عن السروجي عنه )
5 ) الإمام الذهبي:
قال: ( سمعت من الإمام الحافظ ذي الفنون شمس الدين محمد بن أحمد بن عبد الهادي.. إلى أن قال: اعتنى بالرجال والعلل وبرع وجمع وتصدى للإفادة والاشتغال في القراءات والحديث والفقه والأصول والنحو وله توسع في العلوم وذهن سيال.
وقال ( والله ما اجتمعت به قط إلا واستفدت منه).
6 ) الحافظ ابن حجر:
قال فيه: ( مهر في الحديث والأصول والعربية وغيرها ).
7 ) الإمام السيوطي:
قال فيه: ( الإمام الأوحد المحدث الحافظ الحاذق الفقيه الورع المقرئ النحوي اللغوي ذو الفنون شمس الدين أحد الأذكياء مهر في الفقه والأصول والعربية ).
8 ) الصفدي:
قال: ( لو عاش كان آية، كنت إذا لقيته سألته عن مسال أدبية وفوائد عربية فيتحدر كالسيل وكنت أراه يوافق المزي في أسماء الرجال ويرد عليه فيقبل منه ).
9) قال ابن ناصر الدين الدمشقي : الشيخ الامام العلامة الحافظ الناقد ذو الفنون عمدة المحدثين متقن المحررين .
10) وقال الشيخ مرعي بن يوسف الكرمي الحنبلي: الشيخ الإمام العلامة الحافظ الناقد ذو الفنون عمدة المحدثين متقن المحررين (1).

بعد الحديث عن ابن عبدالهادى ومكانته نأتى إلى العلامة ابن حزم ومكانته واقوال اهل العلم فيه فضلا عن مصنفاته لنرى من هم صاحب الكعب العالى .
أقوال أهل العلم فيه :
قال أبو مروان بن حَيَّان (377-469هـ): كان ابنُ حزم ـ رحمه الله ـ حامل فنونٍ من حديثٍ وفِقْهٍ وجَدَلٍ ونَسَبٍ، وما يتعلَّق بأذيال الأدب، مع المشاركة في أنواع التَّعاليم القديمة من المنطق والفلسفة، وله (في بعض تلك الفنون) كتبٌ كثيرةٌ، (غير أنه) لم يَخْلُ فيها من غَلَطٍ؛ لجُراءته في التَّسَوُّر على الفنون، لا سيما المنطق، فإنهَّم زعموا أنَّه زَلَّ هنالك، وضَلَّ في سلوك المَسَالك، وخالف أرسطاطاليس واضع الفَنِّ مخالفةَ مَنْ لم يَفْهم غَرَضَهُ ولا ارْتَاضَ، ومالَ أوَّلاً إلى النَّظر على رأي الشَّافعيِّ ـ رحمه الله ـ، وناضل عن مذهبه حتَّى وُسِمَ به، فاسْتُهْدِفَ بذلك لكثيٍر من الفقهاء، وعِيب بالشُّذُوذ، ثم عَدَلَ إلى قول أصحاب الظَّاهر، فنقَّحه، وجادل عنه، (وَوَضَعَ الكتبَ في بَسْطه)، وثبت عليه إلى أن مات ـ رحمه الله ـ.
وكان يحمل علمه ـ هذا ـ ويجادل عنه من خالفه، على استرسالٍ في طباعِهِ، ومَذَلٍ بأسراره، واستنادٍ إلى العهد الذي أخذه الله على العلماء من عباده: ((ليُبَيِّنُنَّهُ للنَّاسِ وَلا يَكْتُمُونَهُ))[، فلم يكُ يُلَطِّفُ صَدْعَه بما عنده بتعريضٍ ولا (يزُفُّه) بتدريجٍ، بل يصكُّ به من عارضه صكَّ الجَندل، ويُنْشِقُهُ (متلقِّيه) إنشاقَ الخَرْدَل، فتنفر عنه القلوب، وتُوقع به النُّدوب، حتى اسْتُهْدِفَ لفقهاء وقته، فتمالؤُوا عليه، وأجمعوا على تضليله، وشنَّعوا عليه، وحذَّروا سلاطينهم من فِتْنَتِه، ونهوا عَوامَّهم عن الدُّنُوِّ منه، (والأخذ عنه)، فطَفِقَ الملوكُ يقصونه عن قُرْبِهم، ويُسَيِّرونه عن بلادهم، إلى أن انتهوا به مُنقطعَ أثرِه: (بتربة بلده) من بادية لَبْلَة، (وبها توفي ـ رحمه الله ـ؛ سنة ستٍّ وخمسين وأربع مئةٍ)، وهو في ذلك غيرُ مُرْتَدِعٍ ولا راجع (إلى ما أرادوا به)، يَبُثُّ علمه فيمن ينتابه مِن بادية بلده، من عامَّة المقتبسين من أصاغر الطَّلبة، الذين لا يخشون فيه المَلامة؛ يحدِّثهم، ويفقِّههم، ويدارسهم، (ولا يَدَعُ المثابرةَ على العلم، والمواظبةَ على التَّأليفِ، والإكثارَ من التَّصنيف)؛ حتَّى كَمَل من مصنفاته (في فنونٍ من العلم) وِقْرُ بعير، لم يَعْدُ أكثرها (عتبة) باديته؛ لزُهد الفقهاء فيها، حتى لأُحْرِقَ بعضُها بإشبيلية، ومُزِّقت علانيةً.
وأكثر معايبه ـ زعموا عند المُنْصِفِ له ـ جَهلُه بسياسة العلم التي هي أعرض من إيعابه، وتخلُّفه عن ذلك؛ على قوَّة سَبحه في غماره، وعلى ذلك فلم يكن بالسَّليم من اضطراب رأيه، ومغيب شاهد علمه عنه عند لقائه، إلى أن يُحَرَّكَ بالسُّؤال، فيتفجر منه بَحْرُ علمٍ لا تكدِّره الدِّلاء، (ولا يقصر عنه الرِّشاء، له على كل ما ذكرنا دلائل ماثلة، وأخبار مأثورة).
وقال الإمام أبو القاسم صاعد بن أحمد: كان ابنُ حزم أجمعَ أهل الأندلس قاطبةً لعلوم الإسلام، وأوسعَهم معرفةً، مع توسعه في علم اللِّسان، ووُفور حظِّه من البلاغة والشِّعر، والمعرفةِ بالسِّيَر والأخبار. ولقد أخبرني ابنه الفضل المكنى أبا رافع: أن مبلغ تواليفه في الفقه والحديث والأصول والنحل والملل وغير ذلك من التاريخ والنسب وكتب الأدب والرد على المعارض نحو أربع مئة مجلد تشتمل على قريب من ثمانين ألف ورقةٍ، وهذا شيء ما علمناه لأحد ممن كان في دولة الإسلام قبله، إلا لأبي جعفر محمد بن جرير الطبري، فإنه أكثر أهل الإسلام تصنيفاً، فذكر ما ذكرناه في ترجمة ابن جرير من أن أيام حياته حسبت وحسبت تصانيفه، وكان لكل يوم أربع عشرة ورقةً ثم قال: ولأبي محمد بن حزمٍ بعد هذا نصيب وافر من علم النحو واللغة، وقسم صالح من قرض الشعر وصناعة الخطابة.
وقال أبو عبد الله الحميديُّ: كان ابنُ حزمٍ حافظاً، عالماً بعلوم الحديث وفقهه، مُسْتنبطاً للأحكام من الكتاب والسُّنَّة، متفنِّناً في علوم جمَّةٍ، عاملاً بعلمه، زاهداً في الدُّنيا بعد الرئاسة التي كانت له ولأبيه من قبله من الوزارة وتدبير الممالك، متواضعاً، ذا فضائل جمَّة، وتواليف كثيرة في كلِّ ما تحقَّق به في العلوم، وجمع من الكتب في علم الحديث، والمصنَّفات، والمُسندات؛ شيئاً كثيراً، وسمع سماعاً جمَّاً. وما رأينا مِثْلَهُ ـ رحمه الله ـ فيما اجتمع له من الذَّكاء، وسُرْعَةِ الحفظ، وكرم النَّفْس، والتَّدَيُّن. وكان له في الأدب والشِّعر نَفَسٌ واسعٌ، وباعٌ طويلٌ، وما رأيتُ من يقول الشِّعر على البديهة أسرعَ منه، وشعره كثيرٌ؛ جَمعتُه على حروف المعجم.
وقال أبو حامد الغزَّالي (505هـ) ـ رحمه الله قَدْ وَجَدْتُ في أسماء الله تعالى كتاباً ألَّفه أبو محمَّد بنُ حزمٍ الأندلسيُّ؛ يدلُّ على عِظَمِ حِفْظِهِ، وسيلان ذِهْنِهِ.
وقال اليَسَعُ ابنُ حزمٍ الغافقيُّ (575هـ) ـ وذكر أبا محمَّدٍ ـ فقال: أمَّا محفوظه؛ فبحرٌ عجَّاج، وماءٌ ثجَّاجٌ، يخرج من بحره مَرجان الحِكَم، وينبت بثَجَّاجه ألفاف النِّعم في رياض الهِمم، لقد حفظ علوم المسلمين، وأربى على كلِّ أهلِ دِينٍ، وألَّف: ((الملل والنِّحَل)). وكان في صباه يلبس الحرير، ولا يرضى من المكانة إلا بالسَّرير، أنشدَ المعتمدَ؛ فأجاد، وقصد بَلَنْسِيَةَ وبها المظفَّر أحدُ الأطواد. وحدَّثني عنه عمرُ بنُ واجب؛ قال: بينما نحن عند أبي ببَلَنْسِيَةَ، وهو يدرِّس المذهب، إذا بأبي محمَّدٍ بن حزم يَسْمَعُنا؛ ويتعجَّبُ، ثم سألَ الحاضرينَ مسألةً مِن الفقه، جُووب فيها، فاعترضَ في ذلك، فقال له بعض الحُضَّار: هذا العلمُ ليس مِنْ مُنْتَحَلاتِكَ! فقامَ وقَعَدَ، ودخل منزله فعَكَفَ، ووَكَفَ منه وابلٌ فما كَفَّ، وما كان بعدَ أشهرٍ قريبةٍ حتى قَصَدْنا إلى ذلك الموضع، فناظر أحسنَ مناظرةٍ، وقال فيها: أنا أتَّبِعُ الحقَّ، وأجتهدُ، ولا أتقيَّدُ بمذهبٍ.
وقال ابن بسام "كان كالبحر لا تكف غواربه، ولا يروى شاربه، وكالبدر لا تجحد دلائله، ولا يمكن نائله.
وقال ابن بشكوال في حقه: كان أبو محمد أجمع أهل الأندلس قاطبة لعلوم الإسلام، وأوسعهم معرفةً مع توسعه في علم اللسان ووفور حظه من البلاغة والشعر والمعرفة بالسير والأخبار.
وقال المراكشى فى كتابه المعجب " وإنما أوردت هذه النبذة من أخبار هذا الرجل وإن كانت قاطعة للنسق مزيحة عن بعض الغرض لأنه أشهر علماء الأندلس اليوم وأكثرهم ذكراً في مجالس الرؤساء وعلى ألسنة العلماء وذلك لمخالفته مذهب مالك بالمغرب واستبداده بعلم الظاهر ولم يشتهر به قبله عندنا أحد ممن علمت وقد كثر أهل مذهبه وأتباعه عندنا بالأندلس اليوم.
وقال ابن سعيد فى المغرب : الوزير العالم الحافظ أبو محمد علي بن الوزير أبي عمر أحمد بن سعيد بن حزم الفارسي مولى بني أمية، وشهرته تغني عن وصفه.
وقال الشَّيخ عزُّ الدِّين بنُ عبد السَّلام (660هـ) ـ وكان أحدَ المجتهدين ـ: ما رأيتُ في كُتُبِ الإسلام في العلم مِثْل: ((المحلَّى)) لابن حزم، وكتاب: ((المغني)) للشَّيخ موفق الدِّين
وقال الذهبى لقد صدق الشَّيخ عز الدين، وثالثهما: ((السُّنن الكبير)) للبيهقيِّ (458هـ)، ورابعها: ((التَّمهيد)) لابن عبد البَرِّ. فمن حصَّل هذه الدَّواوين، وكان من أذكياء المُفْتين، وأدمن المطالعة فيها؛ فهو العالم حَقَّاً.
وقال الذهبى الإمامُ الأوحدُ، البحرُ، ذو الفنون والمعارف، الفقيهُ الحافظُ، المتكلِّمُ الأديبُ، الوزيرُ الظَّاهريُّ، صاحبُ التَّصانيف؛ أبو محمَّدٍ عليُّ بنُ أحمدَ بنِ سعيد بن حزم بن غالب بن صالح بن خلف بن معدان بن سفيان بن يزيد، الفارسيُّ الأصل، ثمَّ الأندلسيُّ القرطبيُّ اليزيديُّ؛ مولى الأمير يزيد بن أبي سفيان بن حرب الأموي ـ رضي الله عنه ـ المعروف بيزيد الخير..... وكان ينهض بعلومٍ جمَّةٍ، ويُجيد النَّقل، ويُحْسِنُ النَّظْمَ والنَّثْرَ. وفيه دِينٌ وخَيْر، (وتورُّعٌ، وتزهُّدٌ، وتحرٍّ للصِّدق، ومقاصدُهُ جميلةٌ، ومصنَّفاته مفيدةٌ، وقد زهد في الرِّئاسة، ولزم منزله؛ مُكِبَّاً على العلم، فلا نغلو فيه، ولا نجفو عنه، وقد أثنى عليه قَبْلَنا الكبارُ.
وقال ابن خلكان : وكان حافظاً عالماً بعلوم الحديث وفقهه، مستنبطاً للأحكام من الكتاب والسنة بعد أن كان شافعي المذهب، فانتقل إلى مذهب أهل الظاهر، وكان متفنناً في علوم جمة، عاملاً بعلمه، زاهداً في الدنيا بعد الرياسة التي كانت له ولأبيه من قبله في الوزارة وتدبير الممالك، متواضعاً ذا فضائل جمة وتواليف كثيرة، وجمع من الكتب في علوم الحديث والمصنفات والمسندات شيئاً كثيراً، وسمع سماعاً جماً، وألف في فقه الحديث كتاباً سماه " الإيصال إلى فهم كتاب الخصال الجامعة لحمل شرائع الإسلام في الواجب والحلال والحرام والسنة والإجماع " أورد فيه أقوال الصحابة والتابعين ومن بعدهم من أئمة المسلمين، رضي الله عنهم أجمعين، في مسائل الفقه، والحجة لكل طائفة وعليها، وهو كتاب كبير، وله كتاب " الإحكام لأصول الأحكام " في غاية التقصي وإيراد الحجج، وكتاب " الفصل في الملل في الأهواء والنِّحل " وكتاب في الإجماع ومسائله على أبواب الفقه، وكتاب في مراتب العلوم وكيفية طلبها وتعلق بعضها ببعض، وكتاب " إظهار تبديل اليهود والنصارى للتوراة والإنجيل وبيان تناقض ما بأيديهم من ذلك مما لا يحتمل التأويل " وهذا معنى لم يسبق إليه، كتاب " التقريب بحد المنطق والمدخل إليه بالألفاظ العامية والأمثلة الفقهية " فإنه سلك في بيانه وإزالة سوء الظن عنه وتكذيب الممخرقين به طريقة لم يسلكها أحد قبله، وكان شيخه في المنطق محمد بن الحسن المذحجي القرطبي المعروف بابن الكتاني، وكان أديباً شاعراً طبيباً له في الطب رسائل، وكتب في الأدب، ومات بعد الأربعمائة، ذكر ذلك ابن ماكولا في كتاب " الإكمال" في باب الكتامي والكتاني، نقلاً عن الحافظ أبي عبد الله الحميدي. وله كتاب صغير سماه " نقط العروس " جمع كل غريبة نادرة، وهو مفيد جداً.
وقال الفيروز آبادى " إمام في الفنون، وزر هو بعد أبيه للمظفر هم ترك الوزارة وأقبل على التصنيف ونشر العلم.
وحكي أن الحافظ أبا محمد ابن حزم قصد أبا عامر ابن شهيد في يوم غزير المطر والوحل شديد الريح، فلقيه أبو عامر، وأعظم قصده على تلك الحال، وقال له: يا سيّدي، مثلك يقصدني في مثل هذا اليوم! فأنشده أبو محمد ابن حزم بديهاً:
فلو كانت الدنيا دوينـك لـجّةً ، وفي الجوّ صعقٌ دائمٌ وحريق
لسهّل ودّي فيك نحوك مسلكاً ، ولم يتعذّر لي إلـيك طـريق

ولمزيد من التفاصيل عن ابن حزم شيوخه ومصنفاته واصحابه ومكانته العلمية أنظر هذا الرابط
http://www.aldahereyah.net/forums/sh...D5%E4%DD%C7%CA

أظن أنه من خلال مقارنة بسيطة بين أقوال أهل العلم فى كل من ابن عبدالهادى وابن حزم ، فضلا عن مصنفات كل منهما تتضح حقيقة للعيان من الأفضل ، ومن المقدم ومن صاحب المكانة .
وأحب ان اضع كلاما لكل من شيخ الإسلام ابن تيمية وتلميذه الحافظ ابن القيم حول مكانة العلامة ابن حزم الحديثية باعتبار ان اكثر من نبغ فيه ابن عبدالهادى كان فن الحديث .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية :" لكن الأئمة الأكابر العارفون بعلل الحديث والفقه فيه كالإمام أحمد بن حنبل والبخارى وغيرهما وأبى عبيد وأبى محمد بن حزم وغيره ضعفوا حديث البتة..."
وقال تلميذه ابن القيم " وإذا تعارض معنا في الإحتجاج برجلٍ : قولُ ابن حزم، وقولُ البخاري وأحمد وابن المديني والحميدي وإسحاق بن راهويه وأمثالهم ، لم يُلْتفت إلى سواهم ".
وهناك لشيخ الإسلام كلام أكثر مما قاله حول العلامة ابن حزم لكن للاسف نجد أيضا من يزعم ويقول ان ابن تيمية وابن القيم من أهل الأثر ، لكن ابن حزم لا ندرى أمن أهل الاثر هو أم لا .
نقول له ألا تقبل بشهادة ابن تيمية وابن القيم يقول نعم ، ولكن فى القلب من ابن حزم شيئا .


يتبع إن شاء الله الموضوع ، وابدا بعد ذلك فى الحديث عن المرجئة والجهمية ثم بتعقب كلام الحافظ ابن عبدالهادى فى ترجمته للعلامة ابن حزم بعامة ، وقولته الخاصة عن ابن حزم انه جهمى جلد .


ــــــــــــ
(1) لمزيد من التفاصيل عن ابن عبدالهادى أنظر:
1- ابن كثير ن البداية والنهاية .
2- ابن حجر ، الدرر الكامنة .
3- الذهبى ، تذكرة الحفاظ .
4-الشوكانى ، البدر الطالع .
5- السيوطى ، طبقات الحفاظ .
6- ابن رجب ، ذيل طبقات الحنابلة .
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://alhadyalzahry.yoo7.com/index.htm?sid=c2228a5c38d098018d4d
دكتور عبدالباقى السيد
مدير المنتدى
مدير المنتدى



عدد المساهمات : 1147
تاريخ التسجيل : 01/10/2010
العمر : 48

وقفات مع الحافظ ابن عبدالهادى الحنبلى بشأن كلامه عن العلامة ابن حزم  Empty
مُساهمةموضوع: رد: وقفات مع الحافظ ابن عبدالهادى الحنبلى بشأن كلامه عن العلامة ابن حزم    وقفات مع الحافظ ابن عبدالهادى الحنبلى بشأن كلامه عن العلامة ابن حزم  Icon_minitime1الجمعة أكتوبر 08, 2010 11:15 pm

ظهرت فرقة الجهمية في العراق . وتسميتها بهذا الاسم ترجع إلى مؤسسها الجهم بن صفوان الترمذي الذي قُتِلَ في سنة 128 هـ/745م على يد أحد قادة الأمويين وهو سلم بن أحوز المازنى بعد اشتراكه مع الحارث بن سريج (1 ) في الخروج عليهم.
وتُسمَّى أيضًا الجبرية ، وقد ظهرت في مقابل الذين أفرطوا في أمر (القدر) فأفرطت هي كل الإفراط.
ظهر الجهم بن صفوان في الكوفة مصرحاً باعتقاداته في الله وفي القرآن وفي الإيمان وفي الجنة والنار ورؤية الله في الآخرة ثم انتقل إلى خراسان ينشر عقيدته.
وتتلخّص معتقداته في الأُمور التالية:
1- نفي الصفات الإلهية كلّها، ويقول: لا يجوز أن يوصف الباري بصفة يوصف بها خلقه ، بدعوى تنزيه الله عز وجل عن مشابهة المخلوقين.
2-انّ الإنسان لا يقدر على شيء، ولا يوصف بالقدرة ولا بالاستطاعة .
3-ان الجنة والنار يفنيان وتنقطع حركات أهلهما.
4-أنّ من عرف الله ولم ينطق بالإيمان لم يكفر، لأنّ العلم لا يزول بالصمت وهو مؤمن مع ذلك.
وقد كفّره المعتزلة في نفي الاستطاعة، وكفّره أهل السنّة بنفي الصفات وخلق القرآن ونفي الرؤية.
5-وانفرد بجواز الخروج على السلطان الجائر.
6-وزعم أنّ علم الله حادث لا بصفة يوصف بها غيره. (2 )
7- نفي رؤية المؤمنين لله يوم القيامة الواردة في الكتاب والسنة .
8- إنكار أن يكون للمخلوق أي إرادة أو اختيار في أفعاله ، وأن جميع المخلوقين مجبورون على أفعالهم .
9- ان القرآن مخلوق.
10- القول بالجبر والإرجاء.
11- إنكار كثير من أمور اليوم الآخر مثل: الصراط ، الميزان ، رؤية الله ، عذاب القبر.
12- نفي أن يكون الله متكلما بكلام يليق بجلاله .
13- نفي أن يكون الله في جهة العلو.
14- القول بأن الله قريب بذاته ، وأن الله مع كل أحد بذاته ، وهذا هو المذهب الذي نبى عليه أهل الاتحاد والحلول أفكارهم (3 ).
وكان الجهم بن صفوان يقف على الجذامي ويشاهد ما هم فيهم من البلايا ويقول : أرحم الراحمين يفعل مثل هذا ، يعني أنه ليس هناك رحمة في الحقيقة ولا حكمة ، وأن الأمر راجع الجبر وإلي محض المشيئة الخالية عن الحكمة والرحمة ( 4) .
قال أبو الحسن الأشعري :" قول الجهمية الذي تفرد به جهم القول بأن الجنة والنار تبيدان وتفنيان وأن الإيمان هو المعرفة بالله فقط والكفر هو الجهل به فقط ، وأنه لا فعل لأحد في الحقيقة الا الله وحده وأنه هو الفاعل ، وأن الناس إنما تنسب إليهم أفعالهم على المجاز ، كما يقال : تحركت الشجرة ودارت السفينة وزالت الشمس ، وإنما فعل ذلك بالشجرة والسفينة والشمس ، الله سبحانه وتعالي ، وكان جهم ينتحل الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر "( 5)
والظاهر انّ قاعدة مذهب الجهم أمران :
الأوّل: الجبر ونفي الاستطاعة، فجهم بن صفوان رأس الجبر وأساسه ويطلق على أتباعه الجبرية الخالصة في مقابل غير الخالص منها.
الثاني: تعطيل ذاته سبحانه عن التوصيف بصفات الجلال والجمال، ومن هنا نجمت المعطّلة .

وقد أخذ الجهم بن صفوان عقيدته من الجعد بن درهم (6) مؤدب آخر الخلفاء الأمويين مروان بن محمد الملقب بالحمار(7 ) .
يقول شيخ الإسلام بن تيمية فى رسالته الحموية " أصل مقالة التعطيل للصفات إنما أخذ من تلامذة اليهود والمشركين وضلال الصابئين . قال : فإنه أول من حفظ عنه أنه قال هذه المقالة في الإسلام الجعد بن درهم ، وأخذها عنه الجهم بن صفوان ، وأظهرها فنسبت مقالة الجهمية إليه ، وقد قيل : إن الجعد أخذ مقالته عن أبان بن سمعان ، وأخذها أبان من طالوت ابن أخت لبيد بن الأعصم ، وأخذها طالوت من لبيد بن الأعصم اليهودي الساحر الذي سحر النبي - صلى الله عليه وسلم ، وكان الجعد هذا فيما قيل من أهل حران ، وكان فيهم خلق كثير من الصابئة والفلاسفة بقايا أهل دين النمرود الكنعانيين ، وأخذها أيضا الجهم عن السمنية بعض فلاسفة الهند ، وهم الذين يجحدون من العلوم ما سوى الحسيات ، فهذه أسانيد الجهم ترجع إلى اليهود والنصارى ، والصابئين والمشركين ، والفلاسفة الضالين ، والله أعلم( 8).
وقال أيضا " وأما الجهمية فإنما حدثوا في أواخر عصر التابعين، بعد موت عمر بن عبد العزيز، وقد روي أنه أنذر بهم، وكان ظهور جهم بخراسان في خلافة هشام بن عبد الملك، وقد قتل المسلمون شيخهم الجعد بن درهم قبل ذلك، ضحى به خالد بن عبد الله القسري، وقال‏:‏ ‏[‏يا أيها الناس ضحوا تقبل الله ضحاياكم فإني مضح بالجعد بن درهم، أنه زعم أن الله لم يتخذ إبراهيم خليلاً ولم يكلم موسى تكليماً تعالى الله عما يقول الجعد بن درهم علواً كبيراً‏]‏، ثم نزل فذبحه‏.‏
وقد روي أن ذلك بلغ الحسن البصري وأمثاله من التابعين فشكروا ذلك (9 )‏.‏

وقد تأثر الجهم بن صفوان بكتب الفلاسفة اليونانيين لذا بنى الكثير من أفكاره على المقدمات. كما تأثر الجهم بالأفكار الوثنية الهندية فقد لقي أناسا من المشركين يقال لهم السمنية ، والسمنية نسبة إلي قرية بالهند تسمي سُومَنَات ، وهي فرقة تعبد الأصنام وتقول بتناسخ الأرواح ، وتنكر الوحي والدين ، جرت بين الجهم وبينهم مناظرة عقلية ، فلما عرفوا الجهم قالوا له : نكلمك ونناظرك ، فإن ظهرت حجتنا عليك ، دخلت في ديننا ، وإن ظهرت حجتك علينا ، دخلنا في دينك ، - والجهم عامي مسكين ليس له باع أو قدم بين المتناظرين - فكان مما كلموا به الجهم أن قالوا له : ألست تزعم أن لك إلها ؟ قال الجهم : نعم ، قالوا له : فهل رأيت إلهك ؟ قال : لا ، قالوا : فهل سمعت كلامه ؟ قال : لا قالوا : فهل شممت له رائحة ؟ قال : لا ، قالوا : فوجدت له حسا ؟ قال : لا قالوا : فما يدريك أنه إله ؟ فتحير الجهم فلم يدر من يعبد أربعين يوما (10 ).
قال ابن شوذب : ( ترك الصلاة أربعين يوما على وجه الشك خالفه بعض السمنية ، فشك فقام أربعين يوما لا يصلي ) ثم استدرك حجة ، فقال الجهم لمن ناظره من السمنية : ألست تزعم أن فيك روحا ؟ قال السمني : نعم فقال له : هل رأيت روحك ؟ قال : لا ، قال : فسمعت كلامها ؟ قال : لا قال : فوجدت لها حسا ؟ قال : لا ، قال : فكذلك الله لا يري له وجه ولا يسمع له صوت ولا يشم له رائحه وهو غائب عن الأبصار وهو في كل مكان ، فالمخلوقات بمثابة الجسد والله في داخلها بمثابة الروح (11).
قال أبو معاذ البلخي : ( كان جهم على معبر ترمذ ، بلد من نواحي إيران ، وكان رجلا كوفي الأصل فصيح اللسان ، لم يكن له علم ولا مجالسه لأهل العلم ، وكان قد تناقل كلام المتكلمين وكلمه السمنية ، فقالوا له : صف لنا ربك الذي تعبده ، فدخل البيت لا يخرج كذا وكذا ، قال : ثم خرج عليهم بعد أيام ، فقال : هو هذا الهواء مع كل شيء وفي كل شيء ولا يخلو منه شيء ) (12 ).
وقد تفرعت من فرقة الجهمية ، فرق عديدة انقسمت إلي أكثر من عشر فرق ، كل فرقة اتخذت لنفسها مسلكا فكريا خاصا ، وعقيدة مستقلة .
وانتشرت فرقة الجهمية في العراق وخراسان ولكنها ما لبثت أن انقرضت لعدم وجود منظرين لها ولعدم نشوء مدارس فكرية تتبناها ، ولكنها أثرت على الكثير من المذاهب الإسلامية كالمعتزلة والأشاعرة والماتريدية والشيعة الإمامية الإثني عشرية.



ـــــــــــــــــــــــــــــــ
(1 ) هو الحارث بن سريج بن ورد بن سفيان بن مجاشع التميمي أخذ على عاتقه إتمام الحركة الإصلاحية التي قام بها ثابت قُطنة وأبو العيداء، من موالي خراسان، وقد قضى على ثورتهما يزيد بن المهلب. واشتهر الحارث في حروب المسلمين ضد الأتراك فيما وراء النهر. كان من سكان خراسان، وخرج على أميرها الأموي سنة 116هـ/ 734م، فلبس السواد، خالعًا طاعة الخليفة الأموي هشام بن عبد الملك، داعيًا إلى الإصلاح في ضوء الكتاب والسنة والبيعة لآل البيت، وسرعان ما استولى على المدن الواقعة على شواطئ نهر سيحون، واضطره أسد ابن عبد الله القَسْري ـ الوالي الأموي ـ إلى التخلي عما فتحه من البلاد والانسحاب إلى طخارستان ومنها إلى بلاد ما وراء النهر، سنة 118هـ/ 736م، وانضم منذ ذلك الحين إلى الأتراك ضد العرب، وأقام ببلاد ما وراء النهر اثنتي عشرة سنة. وأقنعه نصر بن سيَّار بقبول أمان الخليفة الأموي يزيد بن الوليد، فعاد إلى مرو، عاصمة خراسان سنة 127هـ/ 744م، ورفض قبول أي عطاء، زهدًا في الدنيا، واشترط تحكيم الشريعة في كل الأمور، والاستعانة بأهل الصلاح. وعندما ظهرت الفتنة بين القبائل العربية إثر موت الوليد الثاني، امتد أثرها إلى خراسان، حيث خرجت اليمانية على نَصْر، وخرج عليه الحارث وأخرجه من مرو بمعاونة اليمانية، ثم انقلبت اليمانية على الحارث، ودارت حرب بين الفريقين، لم تضع أوزارها إلا بعد مقتل الحارث أمام أسوار مرو. أنظر تفاصيل ذلك عند ابن جرير الطبرى ، تاريخ الرسل والملوك ، أحداث عام 127 هـ .
(2 ) المقريزى ، المواعظ والاعتبار بذكر الخطط والآثار، 3 / 349 .
(3 ) أنظر عن ذلك ابن حزم ، الفصل ، 3/142 وما بعدها ؛ ابن حجر ، فتح البارى ، 13/358،359.
(4 ) نقلا عن ابن القيم ، شفاء العليل فى مسائل القضاء والقدر والحكمة والتعليل ، الباب الحادي والعشرون: في تنزيه القضاء الإلهي عن الشر ودخوله في المقضي ، فصل: النوع التاسع عشر اتصافه بالرحمة وأنه أرحم الراحمين وأن رحمته وسعت كل شيء.
(5 ) أنظر : مقالات الإسلاميين واختلاف المصلين .
( 6) والجعد بن درهم هو أول من ابتدع بأن الله ما اتخذ إبراهيم خليلا ولا كلم موسى وأن ذلك لا يجوز على الله ، وهوالذي أخذ أفكاره وآراءه من أبان ابن سمعان الذي تعلم من طالوت بن أخت لبيد بن الأعصم وتلميذه ، ولبيد هو الساحر اليهودي الذي سحر النبي. قال المدائني كان زنديقا وقد قال له وهب إني لأظنك من الهالكين لو لم يخبرنا الله أن له يدا وأن له عينا ما قلنا ذلك ثم لم يلبث الجعد أن صلب ، قتله خالد بن عبد الله القسري أمير بلاده في عيد الأضحى ، حيث خطب الناس وقال : ضحوا تقبل الله ضحاياكم ، فإني مضح بالجعد بن درهم ، فإنه يزعم أن الله لم يتخذ إبراهيم خليلا ولم يكلم موسي تكليما ، ثم نزل فذبحه ، وكان ذلك بعد أن استفتي علماء زمانه.
قال ابن حجر: (وللجعد أخبار كثيرة في الزندقة منها أنه جعل في قارورة تراباً وماءً فاستحال دوداً وهواماً فقال: أنا خلقت هذا لأني كنت سبب كونه. فبلغ ذلك جعفر بن محمد فقال: فليقل كم هو، وكم الذكران منه والإناث إن كان، وليأمر الذي يسعى إلى هذا أن يرجع إلى غيره. فبلغه ذلك فرجع)
وقال ابن نباتة: (دخل على الجعد يوماً بُهْلول، فقال أحسن الله عزاءك في {قل هو الله أحد} فإنها ماتت!
قال: وكيف تموت؟ قال: لأنك تقول: إنها مخلوقة، وكل مخلوق يموت).
( 7 ) مروان بن محمد مروان بن محمد ابن عبد الملك بن مروان بن الحكم بن أبي العاص، بن أمية، أبو عبد الملك، الخليفة الأموي، يعرف بمروان الحمار . وبمروان الجعدي نسبة إلى مؤدبه جعد بن درهم.
ويقال: أصبر في الحرب من حمار ويقال: بل العرب تسمي كل مائة عام حمارا، فلما قارب ملك آل أمية مائة سنة، لقبوا مروان بالحمار. وذلك مأخوذ من موت حمار العزير -عليه السلام- وهو مائة عام، ثم بعثهما الله -تعالى . وكان مروان بطلا شجاعا داهية، رزينا، جبارا، يصل السير بالسرى، ولا يجف له لبد، دوخ الخوارج بالجزيرة . وكان أبيض ضخم الهامة، شديد الشهلة، كث اللحية أبيضها، ربعة، مهيبا، شديد الوطأة، أديبا، بليغا، له رسائل تؤثر.
ولد مروان بالجزيرة، في سنة اثنتين وسبعين إذ أبوه متوليها، وأمه أم ولد ، وقيل: إن أم مروان الحمار كردية، يقال لها: لبابة جارية إبراهيم بن الأشتر. أخذها محمد من عسكر إبراهيم، فولدت له مروان، ومنصورا وعبد الله .
افتتح مروان في سنة خمس ومائة قونية. وولي إمرة الجزيرة وأذربيجان لهشام في سنة أربع عشرة ومائة. وقد غزا مرة حتى جاوز نهر الروم، فأغار وسبى في الصقالبة .
بويع بالخلافة في نصف صفر، سنة سبع وعشرين ومائة، ولما سمع بمقتل الوليد في العام الماضي، دعا إلى بيعة من رضيه المسلمون، فبايعوه. فلما بلغه موت يزيد الناقص، أنفق الأموال، وأقبل في ثلاثين ألف فارس، فلما وصل إلى حلب، بايعوه، ثم قدم حمص، فدعاهم إلى بيعة وليي العهد: الحكم وعثمان ابني الوليد بن يزيد، وكانا في حبس الخليفة إبراهيم، فأقبل معه جيش حمص، ثم التقى الجمعان بمرج عذراء .
وانتصر مروان، فبرز إبراهيم وعسكر بميدان الحصا فتفلل جمعه، فتوثب أعوانه فقتلوا وليَّي العهد، ويوسف بن عمر في السجن وثار شباب دمشق بعبد العزيز بن الحجاج بن عبد الملك فقتلوه، لكونه أمر بقتل الثلاثة، ثم أخرجوا من الحبس أبا محمد بن عبد الله بن يزيد بن معاوية السفياني ووضعوه على المنبر في قيوده، ليبايعوه، وبين يديه رأس عبد العزيز، فخطب وحض على الجماعة، وأذعن بالبيعة لمروان، فسمع إبراهيم الخليفة فهرب، وأمن مروان الناس . فأول من سلم عليه بالخلافة أبو محمد السفياني، وأمر بنبش يزيد الناقمى، وصلبه، وأما إبراهيم، فخلع نفسه، وكتب بالبيعة إلى مروان الحمار، فآمنه، فسكن بالرقة خاملا . قال خليفة سار مروان لحرب المسودة في مائة وخمسين ألفا، حتى نزل بقرب الموصل، فالتقى هو وعبد الله بن علي عم المنصور، في جمادى الآخرة، سنة اثنتين وثلاثين ومائة، فانكسر جمع مروان وفر، فاستولى عبد الله على الجزيرة. ثم طلب الشام، ففر مروان إلى فلسطين، فلما سمع بأخذ دمشق، سار إلى مصر وطلب الصعيد، ثم أدركوه وبيتوه ببوصير. فقاتل حتى قتل . ولما قتل مروان، هرب ابناه: عبد الله وعبيد الله إلى الحبشة، فقتلت الحبشة عبيد الله، وهرب عبد الله، ثم بعد مدة، ظفر به المنصور، فاعتقله. أنظر : ابن كثير ، البداية والنهاية ، 13/263-266.
( 8 ) نقلا عن السفارينى ، لوامع الأنوار البهية وسواطع الأسرار الأثرية لشرح الدرة المضية في عقد الفرقة المرضية ، ص92.
( 9 ) أنظر : مجموع الفتاوى ، 20/303.
( 10 ) نقلا عن ابن تيمية ، مجموع الفتاوى ، المجلد الرابع/سئل عن الروح هل هي قديمة أو مخلوقة.
(11 ) نقلا عن ابن حجر ، فتح البارى ، 13/359.
(12) نقلا عن ابن حجر ، فتح البارى ، 13/359.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://alhadyalzahry.yoo7.com/index.htm?sid=c2228a5c38d098018d4d
دكتور عبدالباقى السيد
مدير المنتدى
مدير المنتدى



عدد المساهمات : 1147
تاريخ التسجيل : 01/10/2010
العمر : 48

وقفات مع الحافظ ابن عبدالهادى الحنبلى بشأن كلامه عن العلامة ابن حزم  Empty
مُساهمةموضوع: رد: وقفات مع الحافظ ابن عبدالهادى الحنبلى بشأن كلامه عن العلامة ابن حزم    وقفات مع الحافظ ابن عبدالهادى الحنبلى بشأن كلامه عن العلامة ابن حزم  Icon_minitime1الجمعة أكتوبر 08, 2010 11:23 pm

ومن عقائد الجهمية:
أن الجنة والنار تفنيان ، وأن الإيمان هو المعرفة فقط دون سائر الطاعات، وأنه لا فعل لأحد على الحقيقة إلا الله ، و أن الإنسان مجبر على أعماله، أي أنه مسيَّر لا مخير؛ لأن الله قدّر عليه هذه الأعمال تقديرًا، كذلك فالإنسان لا يوصف بالاستطاعة وإنما هو مجبر في أفعاله لا قدرة له ولا إرادة ولا اختيار وإنما يخلق الله تعالى الأفعال فيه على حسب ما يخلق سائر الجمادات، وينسب إليه الأفعال مجازًا؛ كما تنسب إلى الجمادات.
ويرى الجهمية أنه إذا كانت الأفعال جبرًا، فكذلك الثواب والعقاب يكون جبرًا أيضًا. فالله هو الذي يقدر لشخص من الأشخاص أن يفعل الخير، ويقدر له أن يُثاب، والله هو الذي يقدر لشخص آخر أن يفعل الشر، ويقدر عليه أن يعاقب .
وقد غالى بعضهم، فقال إن حركات العبد بمنزلة حركات الأشجار إذا هبت عليها الريح. وقال الذهبي: "لقد كان جهم بن صفوان ضالاً مبدعاً، هلك في زمانه صغار التابعين، وقد زرع شرًا عظيمًا
ويعتقد الجهمية بأن الإيمان هو معرفة الله والكفر هو الجهل بالله .
ولمّا كان نفي الصفات عن الله والقول بخلق القرآن ونفي الرؤية ممّا نسب إلى منهج الجهم، صار لفظ الجهمي رمزاً لكلِّ من قال بأحد هذه الأُمور، وإن كان غير قائل بالجبر ونفي القدر، ولأجل ذلك ربّما تطلق الجهمية ويراد بها المعتزلة أو القدرية، يقول أحمد بن حنبل : والقرآن كلام الله ليس بمخلوق، فمن زعم انّ القرآن مخلوق فهو جهمي كافر، ومن زعم ان القرآن كلام الله ووقف ولم يقل مخلوق ولا غير مخلوق، فهو أخبث من الأوّل، ومن زعم أنّ الفاظنا بالقرآن وتلاوتنا له مخلوقة، والقرآن كلام الله، فهو جهمي، ومن لم يكفّر هؤلاء القوم كلّهم فهو مثلهم. (1 ).
وقال عبد الله بن المبارك : ولا أقل بقول الجهم إن له قولا يضارع قول الشرك أحيانا ( 2)
وقد نقل اللالكائي في كتابه (شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة) عن خمسمائة من علماء أهل السنة تكفير الجهمية ، وقال بعد ما نقل ذلك :
"وفيهم نحو من مائة إمام ممن أخذ الناس بقولهم وتدينوا بمذاهبهم ، ولو اشتغلت بنقل قول المحدَثين لبلغت أسماؤهم ألوفا كثيرة ، لكني اختصرت وحذفت الأسانيد للاختصار ، ونقلت عن هؤلاء عصرا بعد عصر لا ينكر عليهم منكر ، ومن أنكر قولهم استتابوه و أمروا بقتله أو نفيه أو صلبه "اهـ.
وقال ابن القيم - رحمه الله تعالى - في " الكافية الشافية " :
ولقد تقلد كفرهم خمسون في** عشر من العلماء في البلدان
واللالكائي الإمام حكاه عنـ ** ـهم بل حكاه قبله الطبراني( 3).

ومن رؤساء الجهمية
ثمامة بن أشرس أبو معن النميري البصري من كبار المعتزلة بل من غلاتهم ، تروى عنه بعض الأقوال الجسيمة، مثل قوله: المقلدون من أهل الكتاب وعبدة الأوثان لا يدخلون النار بل يصيرون ترابا، أما من مات مسلما وهو مُصرّ على كبيرته خلد في النار، وأن أطفال المؤمنين يصيرون ترابا... إلى ذلك من الأقوال الشنيعة.
قال عنه ابن قتيبة ثم نصير إلى ثمامة فنجده من رقة الدين ونقص الإسلام والاستهزاء به، وإرساله لسانه على ما لا يكون على مثله رجل يعرف الله ويؤمن به.
وقال عنه ابن حجر ثمامة بن أشرس من كبار المعتزلة ومن رءوس الضلالة، توفي سنة ثلاث عشرة ومائتين.

أما عن المرجئة
فقد قال البغدادى " المرجئة ثلاثة اصناف : صنف منهم قالو بالارجاء في الايمان وبالقدر على مذاهب القدريه المعتزله،كغيلان، وابي شمر، ومحمد بن شبيب المصري،وهؤلاء داخلون في مضمون الخبر الوارد في لعن القدريه،والمرجئة يستحقون اللعنه من وجهين .
وصنف منهم قالو بالارجاء بالايمان وبالجبر في الاعمال على مذهب جهم بن صفوان ،فهم اذا من جملة الجهميه .
والصنف الثالث منهم خارجون عن الجبريه والقدرريه
وهم فيما بينهم خمس فرق :اليونسيه،الغسانيه،الثوبانيه،التومنيه،والمريسيه .
وامنا سموا المرجئة لانهم اخروا العمل عن الايمان ،والارجاء بمعني التاخير ،يقال:ارجيته،وارجائه ،اذا اخرته ....
قال البغدادى : والفرق الجمس التي ذكرناها من المرجئة تضلل كل فرقة اختها ويضللها سائر الفرق .." (4)
وقال ابن حزم"‏ غلاة المرجئية طائفتان إحداهما الطائفة القائلة بأن الإيمان قول باللسان وإن اعتقد الكفر بقلبه فهو مؤمن عند الله عز وجل ولي له عز وجل من أهل الجنة وهذا قول محمد ابن كرام السجستاني وأصحابه وهو بخراسان وبيت المقدس والثانية الطائفة القائلة أن الإيمان عقد بالقلب وإن أعلن الكفر بلسانه بلا تقية وعبد الأوثان أو لزم اليهودية أو النصرانية في دار الإسلام وعبد الصليب وأعلن التثليث في دار الإسلام ومات على ذلك فهو مؤمن كامل الإيمان عند الله عز وجل ولي لله عز وجل من أهل الجنة وهذا قول أبي محرز جهم بن صفوان السمرقندي مولى بني راسب كاتب الحارث بن سريج التميمي أيام قيامه على نصر بن سيار بخراسان وقول أبي الحسن علي بن إسماعيل بن أبي اليسر الأشعري البصري وأصحابهما فأما الجهمية فبخراسان وأما الأشعرية فكانوا ببغداد والبصرة ثم قامت له سوق بصقلية والقيروان والأندلس ثم رق أمرهم والحمد لله رب العالمين فمن فضايح الجهمية وشنعهم قولهم بأن علم الله تعالى محدث مخلوق وأنه تعالى لم يكن يعلم شيئاً حتى أحدث لنفسه علماً علم به وكذلك قولهم في القدرة و قال أيضاً أن الجنة والنار يفنيان ويفنى كل من فيهما وهذا خلاف القرآن والثابت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وخلاف إجماع أهل الإسلام والمتيقن و قال بعض الكرامية المنافقون مؤمنون من أهل الجنة وقد أطلق ذلك بالمرية محمد بن عيسى الصوفي الألبيري وكانت الفاظه تدل على أنه يذهب مذهبهم في التجسيم وغيره وكان ناسكاً متقللاً من الدنيا واعظاً مفوهاً مهذاراً قليل الصواب كثير الخطأ رأيته مرة وسمعته يقول إن النبي صلى الله عليه وسلم كان لا يلزمه زكاة مال لأنه اختار أن يكون نبياً عبداً والعبد لا زكاة عليه ولذلك لم يروث ولا ورث فأمسكت عن معارضته لأن العامة كانت تحضره فخشيت لغطهم وتشنيعهم بالباطل ولم يكن معي أحد إلا يحيى بن عبد الكثير بن وافد كنت أتيت أنا وهو معي متنكرين لنسمع كلامه وبلغتني عنه شنع منها القول بحلول الله فميا شاء من خلقه أخبرني عنه بهذا أبو أحمد الفقيه المعافري عن أبي علي المقري وكان على بنت محمد بن عيسى المذكور وغير هذا أيضاً ونعوذ بالله من الضلال و قال ت طائفة من الكرامية المنافقون مؤمنون مشركون من أهل النار و قال ت طائفة منهم أيضاً من آمن بالله وكفر بالنبي صلى الله عليه وسلم فهو مؤمن كافر معاً ليس مؤمناً على الإطلاق ولا كافراً إلى الإطلاق و قال مقاتل ابن سليمان وكان من كبار المرجئة لا يضر مع الإيمان سيئة جلت أو قلت أصلاً ولا ينفع مع الشرك حسنة أصلاً وكان مقاتل هذا مع جهم بخراسان في وقت واحد وكان يخالفه في التجسيم كان جهم يقول ليس الله تعالى شيئاً ولا هو أيضاً لا شيء لأنه تعالى خالق كل شيء فلا شيء إلا مخلوق وكان مقاتل يقول إن الله جسم ولحم ودم على صورة الإنسان و قال ت الكرامية الأنبياء يجوز منهم كبائر المعاصي كلها حاشا الكذب في البلاغ فقط فإنهم معصومون منه وذكر لي سليمان بن خلف الباجي وهو من رؤوس الأشعرية أن فيهم من يقول أيضاً أن الكذب في البلاغ أيضاً جائز من الأنبياء والرسول عليهم السلام‏.‏
قال أبو محمد‏:‏ وكل هذا كفر محض ..." (5)
وقال الشهرستاني " الإرجاء على معنيين‏:‏ أحدهما بمعنى‏:‏ التأخير كما في قوله تعالى‏:‏ ‏"‏ قالوا‏:‏ أرجه وأخاه ‏"‏ أي‏:‏ أما إطلاق اسم المرجئة على الجماعة بالمعنى الأول فصحيح لأنهم كانوا يؤخرون العمل عن النية والعقد‏.‏
وأما بالمعنى الثاني فظاهر فإنهم كانوا يقولون‏:‏ لا تضر مع الإيمان معصية كما لا تنفع مع الكفر طاعة‏.‏
وقيل‏:‏ الإرجاء‏:‏ تأخير حكم صاحب الكبيرة إلى يوم القيامة فلا يقضي عليه بحكم ما في الدنيا‏:‏ من كونه من أهل الجنة أو من أهل النار‏:‏ فعلى هذا‏:‏ المرجئة والوعيدية فرقتان متقابلتان‏.‏
وقيل‏:‏ الإرجاء‏:‏ تأخير علي رضي الله عنه عن الدرجة الأولى إلى الرابعة فعلى هذا‏:‏ المرجئة والشيعة فرقتان متقابلتان‏.‏
والمرجئة‏:‏ أصناف أربعة‏:‏
مرجئة الخوارج ومرجئة القدرية
ومرجئة الجبرية وكذلك الغيلانية أصحاب غيلان الدمشقي أول من أحدث القول بالقدر والإرجاء‏.(6)‏

ومن المصنفات المهمة حول الجهمية والمرجئة:
1- خلق أفعال العباد والرد على أصحاب الجهمية وأصحاب التعطيل للإمام البخارى صاحب الصحيح .
2- بيان تلبيس الجهمية في تأسيس بدعهم الكلامية لشيخ الإسلام ابن تيمية.
3-مختصر الصواعق المرسلة على الجهمية والمعطلة لابن القيم .
4-الجهمية والمعتزلة نشأتهما وأصولهما ومناهجهما وموقف السلف منهما لنـاصـر العقـل .
5- ظاهرة الإرجاء للدكتور سفر الحوالى مع بعض تحفظات فى نقاط لم يسلم فيها من الخطا ، لكن فى الجملة الكتاب ماتع.
وإلى جانب ما سبق هناك طروحات بثها العلامة ابن حزم فى كتابه النفيس الفصل فى الملل والأهواء والنحل ، وكذا ما كتبه البغدادى فى كتابه الفرق بين الفرق ، وما سطره الشهرستانى من معلومات مهمة فى كتابه الملل والنحل .
يتبع على أن نبدأ فى المشاركة القادمة بعون الله فى تقصى كلام الحافظ ابن عبدالهادى فى العلامة ابن حزم.


ــــــــــــــــــ
(1 ) السنّة، ص 49 .
(2 ) نقلا عن ابن حجر ، فتح البارى ، 13/358.
(3 ) وقد ألف فيهم وفي تكفيرهم أعنى الجهمية الشيخ إبراهيم بن عبد اللطيف آل الشيخ(1280-1329هـ ، والشيخ عبد الله بن عبد اللطيف آل الشيخ (1265-1339هـ ، والشيخ سليمان بن سحمان الفزعي الخثعمي1266-1349 هـ ، وقد جمع هذه الرسائل في مجموع الشيخ عبد العزيز بن عبد الله الزير آل حمد سماه إجماع أهل السنة النبوية على تكفير المعطلة الجهمية.
(4) أنظر : الفرق بين الفرق ، ص190 وما بعدها .
(5) أنظر الفصل فى الملل والأهواء والنحل ، 3/142.
(6) أنظر : الملل والنحل ، 1/
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://alhadyalzahry.yoo7.com/index.htm?sid=c2228a5c38d098018d4d
دكتور عبدالباقى السيد
مدير المنتدى
مدير المنتدى



عدد المساهمات : 1147
تاريخ التسجيل : 01/10/2010
العمر : 48

وقفات مع الحافظ ابن عبدالهادى الحنبلى بشأن كلامه عن العلامة ابن حزم  Empty
مُساهمةموضوع: رد: وقفات مع الحافظ ابن عبدالهادى الحنبلى بشأن كلامه عن العلامة ابن حزم    وقفات مع الحافظ ابن عبدالهادى الحنبلى بشأن كلامه عن العلامة ابن حزم  Icon_minitime1الجمعة أكتوبر 08, 2010 11:24 pm

نبدا مع الحافظ ابن عبدالهادى وترجمته للعلامة ابن حزم وأول ما نناقشه ونتعقبه قوله رحمه الله عن ابن حزم " وكان إليه المنتهى فى الذكاء والحفظ والاطلاع على العلوم ، وكان أولا شافعيا ثم صار ظاهريا مجتهدا ..." (1)
قلت هذه الفقرة تحتوى على خطأ وصوابين :
أما الخطأ فقوله رحمه الله عن ابن حزم أنه كان أولا شافعيا ، ولعله هنا نقل هذا الأمر عن ابن حيان مؤرخ الأندلس وإلا
فابن حزم رضى الله عنه بدا مالكيا شانه شان أهل زمانه ، ودرس المذهب على مشايخ المالكية الكبار من أمثال ابن دحون الفقيه الذى كان عليه مدار الفتيا بقرطبة ، وابن الجسور ، وابن بنوش ، وابن جحاف المعافرى ، والطلمنكى وغيرهم كثير .
كما طالع ابن حزم جل دواوين ومصنفات المالكية ومن ثم هو القائل " فلعمرى ما لشيوخهم ديوان مشهور مؤلف فى نص مذهبهم إلا وقد رأيناه ولله الحمد كثيرا" (2)
وبعد هذه الدراسة والمطالعات الكثيرة لكتب المذهب المالكى لم يجد ابن حزم ما يصبو إليه فتحول إلى المذهب الشافعى خاصة بعد أن قرا كتاب الشافعى فى إبطال الاستحسان ، وقد وجد ابن حزم صعوبة فى تحصيل المذهب الشافعى عن الشيوخ اللهم إلا من شيخ واحد وهو سلمة بن سعيد الأنصارى الإستجى المتوفى عام 406هـ/1015م .
إذ بعد وفاة هذا الشيخ بقليل تحول ابن حزم إلى المذهب الشافعى مما يؤكد تأثيره عليه فى التحول من المذهب المالكى إلى الشافعى .
ولكن نظرا لقلة الشافعية بالأندلس بسبب السيطرة المالكية . فقد اتجه ابن حزم إلى مطالعة المذهب الشافعى من كتب من اشتهر بالاختيار فى الفقه مثل (بقى بن مخلد) الذى وصفه بالاختيار وعدم التقليد ، وأن تآليفه كانت قواعد للإسلام ( 3) ، ولا نعرف من كتبه سوى تفسير القرآن ، ومصنفه فى الحديث ، ومصنفه فى فضائل الصحابة والتابعين ، وهى فى حكم المفقود . كما طالع كتب المتقدمين عنه من الشافعية مثل (قاسم بن محمد) الذى وصف تآليفه بالحسن ، ولا نعرف منها سوى كتاب (الإيضاح فى الرد على المقلدين) ، وهو مفقود ، وكان لهذا الكتاب أثره الكبير على ابن حزم فى نبذ التقليد وشن حملة شعواء على المقلدين ، كما يتضح من كتاباته . خاصة (المحلى ، والإحكام) ، كما طالع كتب (ابن آمنة الحجارى) الشافعى ، ولا نعرف منها سوى كتابه (أحكام القرآن) وهو مفقود ( 4) ، وإلى جانب كتب الشافعية فقد زودته كتب داود بن على الأصفهانى بمعلومات هامة عن المذهب الشافعى . فقد كان يعرض الكثر من آراء الشافعى فيها ، لشدة إعجابه به وتعصبه له . حتى إنه صنف فى فضائله والثناء عليه كتابين ( 5) . الأمر الذى دفع فقهاء الشافعية إلى اعتباره واحد منهم وترجموا له فى طبقاتهم (6 )
وبعد ما يقرب من اثنتى عشرة سنة قضاها ابن حزم فى مطالعة لكتب المذهب الشافعى ، ومدافعة عنه ضد خصومه ، نراه ينتقل إلى المنهجية الظاهرية ، والذى كان المذهب الشافعى مقدمة لها باعتباره مذهبا يعتمد على النصوص فى معظمه ويعززها ، باستثناء أوجه خلاف بسيطة بينه وبين المذهب الظاهرى ، والتى ياتى فى مقدمتها تعويله على القياس الجلى كأحد الأصول ، وهو ما رفضه أهل الظاهر (7).
أما بخصوص الصوابين فى كلام الحافظ ابن عبدالهادى .فقوله عن ابن حزم أنه كان إليه المنتهى فى الذكاء والحفظ والاطلاع على العلوم . فهنا تقريظ حق من ابن عبدالهادى لابن حزم سبقه إليه أئمة عظام وحفاظ كبار .
وقوله ثم صار ظاهريا مجتهدا. فهنا جعل ابن حزم إماما من أئمة الاجتهاد وهذه ايضا حقيقة لا ينكرها غلى جاهل أو مكابر .
وليت من يهيلون التراب على أئمة الإسلام لمجرد غمز غامز من العلماء أو نقد ناقد قد يصيب وقد يخطىء ليتهم يتريثوا ويقفوا على جل ما يقوله اهل العلم ، ولا ينشغلوا بقول فيه نقد عن أقوال فيها من التمجيد والتقريظ ما لو وقفوا عليها لأنزلوا كل عالم منزلته ، ولكن واحر اسفاه على زماننا هذا نجد الصغار يتطاولون على الكبار ، ونجد أناسا لا يوقرون عالما ولا يحملون علما ، وحسبهم من العلم ان يقولوا قال الإمام فلان إن هذا مرجىء.
وهذا جهمى .
وذاك زنديق .
والقائمة طويلة وكلها تضم أعلاما .
ولو انفق هذا الناقل للنقد عمره على ان يصل إلى ما وصل إليه واحد ممن نقل فيهم النقد ما وصل إلى عشر معشار ما حصله ، بل ما ساوى شعرة فى راسه ولا حتى قلامة ظفره .
والله المستعان وعليه التكلان .
يتبع إن شاء الله
ـــــــــــــــــــــــــ
(1) أنظر : ابن عبدالهادى ، طبقات علماء الحديث ، 3/342 . ترجمة رقم 993.
(2) أنظر : ابن حزم ، رسالتان له أجاب فيهما عن رسالتين ، رسائل ابن حزم تحقيق إحسان عباس ، 3/91.
(3 ) أنظر : رسالة فى فضل الأندلس ، 2/179 ؛ محمد أبوزهرة ، تاريخ المذاهب الإسلامية ، ص541 .
(4 ) ابن حزم ، مصدر سابق ، 2/178،179،181 ؛ وانظر الضبى ، بغية الملتمس ، ص153 . وعن ابن آمنة أنظر الضبى ، نفس المصدر ، ص536 ترجمة 1516 ، ولم يزد عن قوله فقيه شافعى له كتاب فى أحكام القرآن .
(5 ) ابن خلكان ، وفيات الأعيان ، 2/255 .
(6 ) تاج الدين السبكى ، طبقات الشافعية الكبرى ، تحقيق محمود الطناحى وعبدالفتاح محمد الحلو ، مطبعة عيسى البابى الحلبى ، القاهرة ، ط1 ، 1383هـ/1964م ، 2/284-293
(7) عبدالباقى السيد ، ابن حزم وأثره فى المجتمع الأندلسى ، ص72.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://alhadyalzahry.yoo7.com/index.htm?sid=c2228a5c38d098018d4d
دكتور عبدالباقى السيد
مدير المنتدى
مدير المنتدى



عدد المساهمات : 1147
تاريخ التسجيل : 01/10/2010
العمر : 48

وقفات مع الحافظ ابن عبدالهادى الحنبلى بشأن كلامه عن العلامة ابن حزم  Empty
مُساهمةموضوع: رد: وقفات مع الحافظ ابن عبدالهادى الحنبلى بشأن كلامه عن العلامة ابن حزم    وقفات مع الحافظ ابن عبدالهادى الحنبلى بشأن كلامه عن العلامة ابن حزم  Icon_minitime1الجمعة أكتوبر 08, 2010 11:27 pm

قال الحافظ ابن عبدالهادى نقلا عن العلامة الذهبى فى كتابه الماتع سير أعلام النبلاء " وقال أليسع بن حزم الغافقي: أما محفوظ أبي محمد فبحر عجاج وماء ثجاج يخرج من بحره مرجان الحكم وينبت بثجاجه ألفاف النعم في رياض الهمم، لقد حفظ علوم المسلمين وأربى على أهل كل دين، وألف الملل والنحل، كان أولا يلبس الحرير، ولا يرضى من المكانة إلا بالسرير، مدح المعتمد فأجاد وقصد بلنسية وبها المظفر أحد الأطواد, حدثني عنه عمر بن واجب قال: بينما نحن عند أبي ببلنسية وهو يدرس المذهب إذا بأبي محمد بن حزم يسمعنا ويتعجب ثم سأل الحاضرين عن شيء من الفقه جووب عليه فاعترض فيه فقال له بعض الحضار: هذا العلم ليس من منتحلاتك, فقام وقعد ودخل منزله فعكف، ووكف منه وابل فما كف، وما كان بعد أشهر قريبة حتى قصدنا إلى ذلك الموضع فناظر أحسن مناظرة قال فيها: أنا أتبع الحق وأجتهد ولا أتقيد بمذهب (1)

قلت : كان على الحافظ ابن عبدالهادى أن يقف مع هذا الكلام وقفات أقفها فى التالى :
أولا : المعتمد الذى مدحه ابن حزم هو الخليفة المعتمد بالله آخر خليفة أموى بالأندلس وكان صاحبا لابن حزم ، ووزر له ابن حزم ، وتولى القضاء فى خلافته أيضا ، وليس معتمد بنى عباد لأن معتمد بنى عباد تولى بعد أبيه المعتضد الذى أحرق كتب ابن حزم ، وكانت تولية المعتمد سنة 462هـ إلى سنة 484 هـ ن فى حين مات ابن حزم عام 456هـ .

ثانيا : القول بأن علم الفقه ليس من منتحلات ابن حزم قول باطل ، ومن ثم فهذه الرواية أقف منها موقف المتشكك وكان على الحافظ ابن عبدالهادى أن يتعرض لنقدها ولا ينقلها عن الحافظ الذهبى دون تعقيب ، خاصة وأنه قدم فى بداية ترجمته لابن حزم " أن اول سماعه سنة أربعمائة" (2) معنى ذلك أن ابن حزم بدا تحصيل الفقه والحديث سنة 400هـ وقيل قبل الأربعمائة المهم أن عمره وقتها كان ستة عشر عاما أو خمسة عشر عاما .
ورحلته إلى بلنسية كانت فى عام 408هـ/1017م حيث كان سن ابن حزم أربع وعشرين عاما ، وكان ابن حزم ما صنف اصلا كتاب طوق الحمامة الذى اشتهر به كأديب وشاعر ، وإنما كان ابن حزم فى هذا التوقيت منشغلا بالفقه والحديث حتى أنه حصل الحديث عن كل من اشتهر به بقرطبة .
ثم إن ابن حزم جادل إسماعيل بن النغريلة اليهودى سنة 404هـ/1013م أعلم اليهود وأجدلهم فى عصره حول بعض مسائل التوراة وخطأه بالحجة والبرهان(3 ) ، وكان سن ابن حزم- آنذاك- دون العشرين .
فكيف تكون علوم الشريعة ليس من منتحلات ابن حزم إذا ، وكيف نمر على مثل هذه الروايات بلا تعقيب .

ثالثا : أننا لو سلمنا بصحة هذه الرواية لكانت ضابطا لنا فى تحديد توجه ابن حزم إلى ترك التقليد واتجاهه إلى الاجتهاد والتجديد بتحوله عن المذهب المالكى إلى الشافعى الذى كان يعزز النصوص أكثر من المذهب المالكى ، ومكث عليه عشر سنين ثم تحول إلى المذهب الظاهرى .
ومن ثم فهذه الرواية لا تصلح لأن تكون دليلا على ان ابن حزم لم يهتم بالفقه ولا بالحديث إلا بعد ان تعدى العشرين ، وذلك أنه طلب الفقه والحديث على يد كل من ابن دحون وابن الجسور وابن الفرضى وغيرهم وكان فى الخامسة عشر من عمره أو السادسة عشرة وربما قبل ذلك بقليل على ما سنفصل لاحقا

رابعا : ان هذه الرواية يتخذها البعض مدخلا لتأكيد رواية أخرى سنتعقبها لاحقا تذكر ان ابن حزم ما طلب العلم إلا وهى فى السادسة والعشرين من عمره ، ومن ثم كان لابد من تعقب هذه الروايات بدلا من طرحها هكذا دون تعقيب.
الغريب اننا ونحن بصدد مناقشة هذه الأقوال نجد جل من يقلد ويتعصب لشخص بعينه لا يلتفت إلى مثل هذه الأخطاء إنما هدفه ما ذكره الحافظ ابن عبدالهادى من أن ابن حزم جهمى جلد وسنأتى على هذا القول من القواعد لاحقا إن شاء الله.
فليت من يقلد هذا وذاك أن يتريث ويتحقق بدلا من ترويج الكلام دون تحقق .
ورحم الله الشيخ الألبانى الذى نقل كلام الحافظ ابن عبدالهادى بشان اتهام ابن حزم بأنه جهمى جلد فوكل الله بالشيخ الألبانى من وصفه بما وصف به ابن حزم ، وتعب الشيخ وقتها تعبا شديدا لسماعه هذه الكلمات من شاب وهو يوجهها إليه

يتبع إن شاء الله

ــــــــــــــــــ
(1) أنظر : طبقات علماء الحديث ، 3/344،345 ترجمة 993
(2) نفسه ، 3/342.
(3 ) ابن حزم ، الفصل ، 1/178 .
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://alhadyalzahry.yoo7.com/index.htm?sid=c2228a5c38d098018d4d
 
وقفات مع الحافظ ابن عبدالهادى الحنبلى بشأن كلامه عن العلامة ابن حزم
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» نقد العلامة الحافظ عبدالله بن الصديق الغمارى للأشاعرة
» وقفات مع بعض من طعن فى الظاهرية
» لماذا سمى الإمام الحافظ القصاب الظاهرى بالكرجى
» وقفات مع أمير المرمنين يزيد بن معاوية بن أبى سفيان
» وقفات مع حديث القردة التى زنت فى الجاهلية فرجمت

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
 :: المنتدى الرسمى للدكتور عبدالباقى السيد عبدالهادى :: أخبار الدكتور عبدالباقى وإنتاجه العلمى :: المقالات والردود-
انتقل الى: