الإخوة الكرام احسن الله إليكم جميعا .
هذا الموضوع الذى أطرحه على حضراتكم من أكثر الموضوعات خطورة لأنه يرتبط بعلمين .
احدهما العلامة ابن حزم الإمام الفذ المبجل الذى يبجله كل ظاهرى ، وكل مجتهد ومتخير .
والثانى هو الحافظ ابن عبدالهادى الحنبلى الذى يعده الحنابلة آية من الآيات ، كأن المذهب الحنبلى لم يعرف رجلا مثله .
ومن ثم راينا من اشتط فراح يجهل ابن حزم أمام علم ابن عبدالهادى ، وقال لا مقارنة اصلا بين هذا وذاك ، فابن عبدالهادى متين العلم صحيح المعتقد اما ابن حزم ففسد حاله بما ركن إليه من المنطق والفلسفة والتأويلات.
وهذا والله الجهل بعينه ، وقلة الحياء والإنصاف .
وصدق النبى صلى الله عليه وسلم إذ يقول : " الإيمان والحياء قرناء إذا رفع أحدهما رفع الآخر" .
والدافع لهذا الموضوع أننى كنت منذ يومين فى مناقشة حول مسألة ترك النبى الفعل هل يكون بذلك حجة .
وتطرق الحديث إلى ابن حزم .
فإذا بأحد الإخوة يقول لى ابن حزم جهمى جلد .
ثم دخل آخر وقال حقا والعلماء قرروا ذلك .
ثم رايت الأخ صاحب قول العلماء يقول لى " هل أنت عالم حتى تتحدث عن العلماء"
المهم لا أريد ان اخرج عن الموضوع قلت يا اخى نرجع لنرى كتب ابن حزم وما فيها هل تبنى أصول الجهمية أم لا .
قال نعم تبناها .
قلت اقرا يا أخى الفصل موجود .
وانا متخصص أكاديميا فى ابن حزم .
فإذا به يقول العلماء لديهم أكثر مما لديك ، وانت ربما تقرا فلا تفهم ما فهمه العلماء .
ومن ثم فحكم العلماء على ابن حزم مقبول .
المهم حاولت قدر الاستطاعة ان أكظم غيظى ، ونقلت نقولا من الفصل يبطل بها ابن حزم منهج الجهمية .
ثم ضربت مثالا لابن تيمية الذى قال بفناء النار ؟
وقلت له هل بعد جهميا بهذا؟
قال ابن تيمية لم يقل بهذا ونقل لى نقلا من منهاج السنة يدلل على أنه لا يقول بذلك.
فقلت ما قيل فى المنهاج هذا متقدم ، والمعروف عن شيخ الإسلام انه انتصر لقوله بفناء النار فى رسالة مستقلة صنفها وهوبسجن القلعة قبل وفاته .
فبايهما يعمل بالمتقدم من الأقوال ام بالمتأخر .
عموما تطرق الحديث أيضا إلى الشيخ الالبانى وأنه قال بأن ابن حزم جهمى .
فقلت يا أخى الالبانى ناقل ، والعجب انه لم يعقب لا بنقد ولا بإقرار .
ففاجأنى الأخ بان الشيخ الالبانى أوضح فى شرائطه أن ابن حزم جهمى جلد .
ثم راح هذا الأخ يقول وابن عبدالهادى قال قرات كتب ابن حزم ومنها تبين لى انه جهمى جلد .
ثم راح يتحدث عن قدسية العلماء وقدسية اقوالهم ، ومن ثم وجب علينا ان نترك عقولنا للعلماء الذين يتحدث عنهم ؟
عموما كانت هذه تقدمة أحببت ان أوضح فيها سبب الشروع فى كتابة هذا الموضوع .
ولقد أثار الحوار كمائنى وحميتى .
وزاد من ذلك أن أحد الظاهرية راسلنى وقال لى "لم تتسامح مع هذا الجاهل الدعى هكذا"
لابد ان ترد عليه وتبطل قوله .
فحاولت تهدئته ووعدته بالرد .
فهذا الموضوع إن شاء الله تعالى سابداه بتعقب كل ما قاله ابن عبدالهادى عن العلامة ابن حزم بمدح او بذم .
وسأرفق به الكلام الذى ردده من قلد ابن عبدالهادى ونقل كلامه .
وسأبين خطا بعض الإخوة فى النقل كقول القائل عن ابن عبدالهادى أنه تبين له بعد قراءة كتب ابن حزم كلها انه جهمى جلد .
وهذا كلام باطل ، وابن عبدالهادى حكمه هذا نابع من قراءته لكتاب الملل والنحل فقط لابن حزم كما أخبر هو بنفسه .
المهم هذا الموضوع أبداه بعون الله متمنيا من الله أن يتوسع ليكون كتابا فيما بعد يضم الشبه التى روجت ضد ابن حزم .
وبالله تعالى نعتصم ونتأيد .
يتبع إن شاء الله .
على أن ابدا المشاركة التالية بالحديث عن ابن عبدالهادى ومكانته العلمية لنقارن بينه وبين العلامة ابن حزم .
ثم أثنى فى مشاركة تالية بالحديث عن مكانة ابن حزم العلمية .
ثم سأتعقب ابن عبدالهادى فى ترجمته الطويلة التى طرحها فى كتابه طبقات علماء الحديث وأبين أنه كان ناقلا عن غيره ، وأن هناك روايات باطلة مر عليها دون تعقيب .
ثم سأقف على كلام ابن عبدالهادى ذاته عن ابن حزم والذى طرحه وختم به الترجمة.
نبدا إن شاء الله بما شرطناه على أنفسنا من الحديث حول الحافظ ابن عبدالهادى أولا فهو :
محمد بن أحمد بن عبد الهادي بن عبد الحميد بن عبد الهادي بن يوسف بن محمد بن قدامة المقدسي الحنبلي (شمس الدين)، أبو عبد الله الجماعيلي (بتشديد الميم) الأصل ثم الدمشقي الصالحي، ويقال له ابن عبد الهادي نسبة إلى جده، ولد في دمشق / سورية عام 705 هـ، توفي عام 744 هـ ، ودفن بسفح قاسيون.وكانت جنازته حافلة ورؤيت له منامات حسنة.
مشايخة:
1 ) شيخ الإسلام ابن تيمية.
2 ) الحافظ أبو الحجاج المزي.
3 ) القاضي تقي الدين سليمان.
4 ) أبو بكر بن عبد الدائم.
5 ) الحافظ الذهبي.
6 ) عيسى المطغم.
7 ) ابن مسلم. وغيرهم.
مصنفاته :
1 - تنقيح التحقيق في أحاديث التعليق لابن الجوزي مجلدان
2 - والمحرر في الأحكام مختصر مفيد
3 - والكلام على مختصر ابن الحاجب مؤلفان مطول ومختصر
4 - وجزء في الردعلى أبي حيان فيما رده على ابن مالك
5 - وجمع التفسير المسند لكنه لم يكمل و مات قبل إتمامه.
6 - الأعلام في ذكر المشائخ الأئمة الأعلام
7 - إقامة البرهان على عدم صوم يوم الاثنين من شعبان
8 - تعليقة على الأحكام لابن تيمية
9 - تعليقة على سنن البيهقي
10 - تعليقة في الثقات
11 - شرح تسهيل الفوائد لابن مالك في النحو
12 - شرح كتاب العلل على ترتيب الفقه مجلدات
13 - الصارم المبكي في الرد على ابن السبكي في مسألة شد الرحل لزيارة القبور
14 - الطرفة مختصر في النحو
15 - فصل النزاع بين الخصوم في الكلام على أحاديث أفطر الحاج والمحجوم
16 - العمدة في الحفاظ مجلدان
17 - لطيف الكلام على أحاديث مس الذكر
18 - المحرر في شرح الإلمام من أحاديث الكلام
19 - المغنى في الفقه
20 - المحمدي في الحديث
21 - ترجمة الشيخ تقي الدين ابن تيمية في مجلد باسم العقود الدرية في مناقب شيخ الإسلام ابن تيمية.
22- كتاب فى الرجال لكنه ناقص موجود بمكتبة الحرم النبوى .
23-رسالة فى المرسل .
24- مناقب الائمة الأربعة مطبوع .
25-شرح للامية ابن فرح ، ذكر محقق شرح لامية ابن فرح لابن جماعة أنها تحت الطبع بتحقيقه .
26-تراجم الحفاظ . لا أدرى هل هو طبقات علماء الحديث ام غيره .
27- التفسير المسند ، لم يكمل ، ذكره ابن حجر في "الدرر الكامنة" 3/332 .
28- رسالة في الإنتصار للحنابلة ( مخطوطة في أوقاف بغداد في(41ق).
29-رسالة في أحاديث ضعيفة ، حققها قديمًا / محمد عيد العباسي ، وسماها : "رسالة لطيفة في أحاديث متفرقة ضعيفة" .
30-اقامة البرهان على عدم وجوب صيام الثلاثين من شعبان. (دار الوطن).
31-تعليقة على العلل لابن أبي حاتم .(أضواء السلف) .
32-قواعد في أصول الفقه .
33-الأحكام في الفقه .
34-فضائل الشام .
قال الحافظ ابن رجب في ذيل طبقات الحنابلة عند ترجمة الحافظ ابن عبد الهادي :
( فمن تصانيفه " تنقيح التحقيق في أحاديث التعليق " لابن الجوزي مجلدان " الأحكام الكبرى " المرتبة على أحكام الحافظ الضياء، كمل منها سبع مجلدات " الرد على أبي بكر الخطيب الحافظ في مسألة الجهر بالبسملة " مجلد " المحرر في الأحكام " مجلد " فصل النزاع بين الخصوم في الكلام على أحاديث: " أفطر الحاجم والمحجوم " مجلد لطيف الكلام على أحاديث مس الذكر جزء كبير " الكلام على أحاديث: " البحر هو الطهور ماؤه " جزء كبير " الكلام على أحاديث القلتين " جزء " الكلام على حديث معاذ في الحكم بالرأي " جزء كبير، الكلام على حديث " أصحابي كالنجوم " جزء، الكلام على حديث أبي سفيان " ثلاث أعطينهن يا رسول الله " والرد على ابن حزم في قوله: إنه موضوع. كتاب " العمدة " في الحفاظ، كمل منه مجلدان " تعليقة في الثقات " كمل منه مجلدان، الكلام على أحاديث " مختصر ابن الحاجب " مختصر ومطول، الكلام على أحاديث كثيرة فيها ضعف من " المستدرك " للحاكم، أحاديث الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، جزء منتقى من " مختصر المختصر " لابن خزيمة، ومناقشته على أحاديث أخرجها فيه، فيها مقال، مجلد، الكلام على " أحاديث الزيارة " جزء، مصنف في الزيارة مجلد، الكلام على أحاديث " محلل السباق " جزء، جزء في " مسافة القصر " جزء في قوله تعالى: " لمسجد أسس على التقوى " الآية. " التوبة: 108 " ، جزء في أحاديث " الجمع بين الصلاتين في الحضر " ، " الإعلام في ذكر مشايخ الأئمة الأعلام " ، أصحاب الكتب الستة. عدة أجزاء، الكلام على حديث " الطواف بالبيت صلاة " ، " جزء كبير في مولد النبي صلى الله عليه وسلم " تعليقة على " سنن البيهقي الكبرى " كمل منها مجلدان، جزء كبير في " المعجزات والكرامات " جزء في " تحريم الربا " جزء في " تملك الأب من مال ولده ما شاء " جزء في " العقيقة " جزء في " الأكل من الثمار التي لا حائط عليها " ، " الرد على ألْكيا الهِرَّاسي " جزء كبير، قي ترجمة الشيخ تقي الدين ابن تيمية " مجلد " منتقى من تهذيب الكمال للمزي كمل منه خمسة أجزاء " إقامة البرهان على عدم وجوب صوم يوم الثلاثين من شعبان " جزء، جزء في " فضائل الحسن البصري " رضي الله عنه " جزء في حجب الأم بالإخوة، وأنها تحجب بدون ثلاثة " جزء " في الصبر " جزء " في فضائل الشام " " صلاة التراويح " جزء كبير، الكلام على أحاديث " لبس الخفين للحرم " جزء كبير، جزء في " صفة الجنة " جزء في " المراسيل " جزء في مسألة " الجد والأخوة " ، " منتخب من مسند الإِمام أحمد " مجلدان " منتخب من سنن البيهقي " مجلد " منتخب من سنن أبي داود " مجلد لطيف " تعليقه على التسهيل في النحو، كمل منها مجلدان، جزء في الكلام على حديث " أَفرَضَكم زيد " أحاديث " حياة الأنبياء في قبورهم " جزء تعليقة، على " العلل " ، لابن أبي حاتم، كمل منها مجلدان. تعليقة على " الأحكام " لأبي البركات ابن تيمية لم تكمل " منتقى من علل الدارقطني " ، مجلد، جزء في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر " شرح لألفية ابن مالك " جزء. ما أخذ على تصانيف أبي عبد اللّه الذهبي الحافظ شيخه عدة أجزاء. حواشي على كتاب " الإلمام " جزء في الرد على أبي حيان النحوي فيما رعه على ابن مالك وأخطأ فيه، جزء في " اجتماع الضميرين " جزء " في تحقيق الهمز والإِبدال في القراءات " وله رد على ابن طاهر، وابن دحية، وغيرهما، وتعاليق كثيرة في الفقه وأصوله، والحديث، ومنتخبات كثيرة في أنواع العلم. )
وقد ذكر محقق كتاب طبقات علماء الحديث، الأستاذ أكرم البوشي، لابن عبد الهادي خمسة وسبعين كتابا، يمكن مراجعتها فى مقدمة المحقق( 1/41- 52).
مكانته العلمية وثناء أهل العلم عليه :
1 ) الحافظ المزي:
قال: ( ما التقيت به – يعني: ابن عبد الهادي – إلا استفدت منه ).
2 ) الحافظ ابن كثير:
قال: (.. الشيخ الإمام العالم العلامة الناقد البارع في فنون العلوم حصل من العلوم ما لم يبلغه الشيوخ الكبار ... كان حافظاً جيداً لأسماء الرجال، وطرق الحديث، عارفاً بالجرح والتعديل، بصيراً بعلل الحديث" وله فوق السبعين مؤلف من أهمهم: الأحكام الكبرى، الإعلام في ذكر مشايخ الأئمة والأعلام، العقود الدرية في مناقب شيخ الإسلام ابن تيمية، العلل في الحديث، العمدة في الحفاظ، فضائل الحسن البصري ، قواعد أصول الفقه، المحرر في أحاديث الأحكام.
وقال: ( حصل من العلوم ما لا يبلغه الشيوخ الكبار وتفنن في الحديث والتعريف والفقه والتفسير والأصليين والتاريخ والقراءات وله مجامع وتعاليق مفيدة وكثيرة وكان حافظا جيدا لأسماء الرجال وطرق الحديث وعارفا بالجرح والتعديل وبصيرا بعلل الحديث، حسن الفهم له، جيد المذاكرة صحيح الذهن مستقيما على طريقة السلف وأتباع الكتاب والسنة مثابرا على فعل الخيرات ) .
3 ) الحافظ ابن رجب:
قال فيه: ( المقرئ الفقيه المحدث الحافظ الناقد النحوي المتقن.. درس الحديث وكتبه بخطه الحسن المتقن الكثير ).
4 ) الحافظ أبو المحاسن:
قال في ذيل تذكرة الحفاظ ( الإمام العلامة شمس الدين.. اعتنى بالرجال والعلل وبرع وجمع وصنف وتصدر للإفادة والاشتغال في القراءات والحديث والفقه والأصلين والنحو واللغة وولي مشيخة الحديث بالضيائية والغيائية ودرس بالمدرسة المنصورية وغيرها وسمع منه طائفة وروى شيخنا الذهبي عن المزي عن السروجي عنه )
5 ) الإمام الذهبي:
قال: ( سمعت من الإمام الحافظ ذي الفنون شمس الدين محمد بن أحمد بن عبد الهادي.. إلى أن قال: اعتنى بالرجال والعلل وبرع وجمع وتصدى للإفادة والاشتغال في القراءات والحديث والفقه والأصول والنحو وله توسع في العلوم وذهن سيال.
وقال ( والله ما اجتمعت به قط إلا واستفدت منه).
6 ) الحافظ ابن حجر:
قال فيه: ( مهر في الحديث والأصول والعربية وغيرها ).
7 ) الإمام السيوطي:
قال فيه: ( الإمام الأوحد المحدث الحافظ الحاذق الفقيه الورع المقرئ النحوي اللغوي ذو الفنون شمس الدين أحد الأذكياء مهر في الفقه والأصول والعربية ).
8 ) الصفدي:
قال: ( لو عاش كان آية، كنت إذا لقيته سألته عن مسال أدبية وفوائد عربية فيتحدر كالسيل وكنت أراه يوافق المزي في أسماء الرجال ويرد عليه فيقبل منه ).
9) قال ابن ناصر الدين الدمشقي : الشيخ الامام العلامة الحافظ الناقد ذو الفنون عمدة المحدثين متقن المحررين .
10) وقال الشيخ مرعي بن يوسف الكرمي الحنبلي: الشيخ الإمام العلامة الحافظ الناقد ذو الفنون عمدة المحدثين متقن المحررين (1).
بعد الحديث عن ابن عبدالهادى ومكانته نأتى إلى العلامة ابن حزم ومكانته واقوال اهل العلم فيه فضلا عن مصنفاته لنرى من هم صاحب الكعب العالى .
أقوال أهل العلم فيه :
قال أبو مروان بن حَيَّان (377-469هـ): كان ابنُ حزم ـ رحمه الله ـ حامل فنونٍ من حديثٍ وفِقْهٍ وجَدَلٍ ونَسَبٍ، وما يتعلَّق بأذيال الأدب، مع المشاركة في أنواع التَّعاليم القديمة من المنطق والفلسفة، وله (في بعض تلك الفنون) كتبٌ كثيرةٌ، (غير أنه) لم يَخْلُ فيها من غَلَطٍ؛ لجُراءته في التَّسَوُّر على الفنون، لا سيما المنطق، فإنهَّم زعموا أنَّه زَلَّ هنالك، وضَلَّ في سلوك المَسَالك، وخالف أرسطاطاليس واضع الفَنِّ مخالفةَ مَنْ لم يَفْهم غَرَضَهُ ولا ارْتَاضَ، ومالَ أوَّلاً إلى النَّظر على رأي الشَّافعيِّ ـ رحمه الله ـ، وناضل عن مذهبه حتَّى وُسِمَ به، فاسْتُهْدِفَ بذلك لكثيٍر من الفقهاء، وعِيب بالشُّذُوذ، ثم عَدَلَ إلى قول أصحاب الظَّاهر، فنقَّحه، وجادل عنه، (وَوَضَعَ الكتبَ في بَسْطه)، وثبت عليه إلى أن مات ـ رحمه الله ـ.
وكان يحمل علمه ـ هذا ـ ويجادل عنه من خالفه، على استرسالٍ في طباعِهِ، ومَذَلٍ بأسراره، واستنادٍ إلى العهد الذي أخذه الله على العلماء من عباده: ((ليُبَيِّنُنَّهُ للنَّاسِ وَلا يَكْتُمُونَهُ))[، فلم يكُ يُلَطِّفُ صَدْعَه بما عنده بتعريضٍ ولا (يزُفُّه) بتدريجٍ، بل يصكُّ به من عارضه صكَّ الجَندل، ويُنْشِقُهُ (متلقِّيه) إنشاقَ الخَرْدَل، فتنفر عنه القلوب، وتُوقع به النُّدوب، حتى اسْتُهْدِفَ لفقهاء وقته، فتمالؤُوا عليه، وأجمعوا على تضليله، وشنَّعوا عليه، وحذَّروا سلاطينهم من فِتْنَتِه، ونهوا عَوامَّهم عن الدُّنُوِّ منه، (والأخذ عنه)، فطَفِقَ الملوكُ يقصونه عن قُرْبِهم، ويُسَيِّرونه عن بلادهم، إلى أن انتهوا به مُنقطعَ أثرِه: (بتربة بلده) من بادية لَبْلَة، (وبها توفي ـ رحمه الله ـ؛ سنة ستٍّ وخمسين وأربع مئةٍ)، وهو في ذلك غيرُ مُرْتَدِعٍ ولا راجع (إلى ما أرادوا به)، يَبُثُّ علمه فيمن ينتابه مِن بادية بلده، من عامَّة المقتبسين من أصاغر الطَّلبة، الذين لا يخشون فيه المَلامة؛ يحدِّثهم، ويفقِّههم، ويدارسهم، (ولا يَدَعُ المثابرةَ على العلم، والمواظبةَ على التَّأليفِ، والإكثارَ من التَّصنيف)؛ حتَّى كَمَل من مصنفاته (في فنونٍ من العلم) وِقْرُ بعير، لم يَعْدُ أكثرها (عتبة) باديته؛ لزُهد الفقهاء فيها، حتى لأُحْرِقَ بعضُها بإشبيلية، ومُزِّقت علانيةً.
وأكثر معايبه ـ زعموا عند المُنْصِفِ له ـ جَهلُه بسياسة العلم التي هي أعرض من إيعابه، وتخلُّفه عن ذلك؛ على قوَّة سَبحه في غماره، وعلى ذلك فلم يكن بالسَّليم من اضطراب رأيه، ومغيب شاهد علمه عنه عند لقائه، إلى أن يُحَرَّكَ بالسُّؤال، فيتفجر منه بَحْرُ علمٍ لا تكدِّره الدِّلاء، (ولا يقصر عنه الرِّشاء، له على كل ما ذكرنا دلائل ماثلة، وأخبار مأثورة).
وقال الإمام أبو القاسم صاعد بن أحمد: كان ابنُ حزم أجمعَ أهل الأندلس قاطبةً لعلوم الإسلام، وأوسعَهم معرفةً، مع توسعه في علم اللِّسان، ووُفور حظِّه من البلاغة والشِّعر، والمعرفةِ بالسِّيَر والأخبار. ولقد أخبرني ابنه الفضل المكنى أبا رافع: أن مبلغ تواليفه في الفقه والحديث والأصول والنحل والملل وغير ذلك من التاريخ والنسب وكتب الأدب والرد على المعارض نحو أربع مئة مجلد تشتمل على قريب من ثمانين ألف ورقةٍ، وهذا شيء ما علمناه لأحد ممن كان في دولة الإسلام قبله، إلا لأبي جعفر محمد بن جرير الطبري، فإنه أكثر أهل الإسلام تصنيفاً، فذكر ما ذكرناه في ترجمة ابن جرير من أن أيام حياته حسبت وحسبت تصانيفه، وكان لكل يوم أربع عشرة ورقةً ثم قال: ولأبي محمد بن حزمٍ بعد هذا نصيب وافر من علم النحو واللغة، وقسم صالح من قرض الشعر وصناعة الخطابة.
وقال أبو عبد الله الحميديُّ: كان ابنُ حزمٍ حافظاً، عالماً بعلوم الحديث وفقهه، مُسْتنبطاً للأحكام من الكتاب والسُّنَّة، متفنِّناً في علوم جمَّةٍ، عاملاً بعلمه، زاهداً في الدُّنيا بعد الرئاسة التي كانت له ولأبيه من قبله من الوزارة وتدبير الممالك، متواضعاً، ذا فضائل جمَّة، وتواليف كثيرة في كلِّ ما تحقَّق به في العلوم، وجمع من الكتب في علم الحديث، والمصنَّفات، والمُسندات؛ شيئاً كثيراً، وسمع سماعاً جمَّاً. وما رأينا مِثْلَهُ ـ رحمه الله ـ فيما اجتمع له من الذَّكاء، وسُرْعَةِ الحفظ، وكرم النَّفْس، والتَّدَيُّن. وكان له في الأدب والشِّعر نَفَسٌ واسعٌ، وباعٌ طويلٌ، وما رأيتُ من يقول الشِّعر على البديهة أسرعَ منه، وشعره كثيرٌ؛ جَمعتُه على حروف المعجم.
وقال أبو حامد الغزَّالي (505هـ) ـ رحمه الله قَدْ وَجَدْتُ في أسماء الله تعالى كتاباً ألَّفه أبو محمَّد بنُ حزمٍ الأندلسيُّ؛ يدلُّ على عِظَمِ حِفْظِهِ، وسيلان ذِهْنِهِ.
وقال اليَسَعُ ابنُ حزمٍ الغافقيُّ (575هـ) ـ وذكر أبا محمَّدٍ ـ فقال: أمَّا محفوظه؛ فبحرٌ عجَّاج، وماءٌ ثجَّاجٌ، يخرج من بحره مَرجان الحِكَم، وينبت بثَجَّاجه ألفاف النِّعم في رياض الهِمم، لقد حفظ علوم المسلمين، وأربى على كلِّ أهلِ دِينٍ، وألَّف: ((الملل والنِّحَل)). وكان في صباه يلبس الحرير، ولا يرضى من المكانة إلا بالسَّرير، أنشدَ المعتمدَ؛ فأجاد، وقصد بَلَنْسِيَةَ وبها المظفَّر أحدُ الأطواد. وحدَّثني عنه عمرُ بنُ واجب؛ قال: بينما نحن عند أبي ببَلَنْسِيَةَ، وهو يدرِّس المذهب، إذا بأبي محمَّدٍ بن حزم يَسْمَعُنا؛ ويتعجَّبُ، ثم سألَ الحاضرينَ مسألةً مِن الفقه، جُووب فيها، فاعترضَ في ذلك، فقال له بعض الحُضَّار: هذا العلمُ ليس مِنْ مُنْتَحَلاتِكَ! فقامَ وقَعَدَ، ودخل منزله فعَكَفَ، ووَكَفَ منه وابلٌ فما كَفَّ، وما كان بعدَ أشهرٍ قريبةٍ حتى قَصَدْنا إلى ذلك الموضع، فناظر أحسنَ مناظرةٍ، وقال فيها: أنا أتَّبِعُ الحقَّ، وأجتهدُ، ولا أتقيَّدُ بمذهبٍ.
وقال ابن بسام "كان كالبحر لا تكف غواربه، ولا يروى شاربه، وكالبدر لا تجحد دلائله، ولا يمكن نائله.
وقال ابن بشكوال في حقه: كان أبو محمد أجمع أهل الأندلس قاطبة لعلوم الإسلام، وأوسعهم معرفةً مع توسعه في علم اللسان ووفور حظه من البلاغة والشعر والمعرفة بالسير والأخبار.
وقال المراكشى فى كتابه المعجب " وإنما أوردت هذه النبذة من أخبار هذا الرجل وإن كانت قاطعة للنسق مزيحة عن بعض الغرض لأنه أشهر علماء الأندلس اليوم وأكثرهم ذكراً في مجالس الرؤساء وعلى ألسنة العلماء وذلك لمخالفته مذهب مالك بالمغرب واستبداده بعلم الظاهر ولم يشتهر به قبله عندنا أحد ممن علمت وقد كثر أهل مذهبه وأتباعه عندنا بالأندلس اليوم.
وقال ابن سعيد فى المغرب : الوزير العالم الحافظ أبو محمد علي بن الوزير أبي عمر أحمد بن سعيد بن حزم الفارسي مولى بني أمية، وشهرته تغني عن وصفه.
وقال الشَّيخ عزُّ الدِّين بنُ عبد السَّلام (660هـ) ـ وكان أحدَ المجتهدين ـ: ما رأيتُ في كُتُبِ الإسلام في العلم مِثْل: ((المحلَّى)) لابن حزم، وكتاب: ((المغني)) للشَّيخ موفق الدِّين
وقال الذهبى لقد صدق الشَّيخ عز الدين، وثالثهما: ((السُّنن الكبير)) للبيهقيِّ (458هـ)، ورابعها: ((التَّمهيد)) لابن عبد البَرِّ. فمن حصَّل هذه الدَّواوين، وكان من أذكياء المُفْتين، وأدمن المطالعة فيها؛ فهو العالم حَقَّاً.
وقال الذهبى الإمامُ الأوحدُ، البحرُ، ذو الفنون والمعارف، الفقيهُ الحافظُ، المتكلِّمُ الأديبُ، الوزيرُ الظَّاهريُّ، صاحبُ التَّصانيف؛ أبو محمَّدٍ عليُّ بنُ أحمدَ بنِ سعيد بن حزم بن غالب بن صالح بن خلف بن معدان بن سفيان بن يزيد، الفارسيُّ الأصل، ثمَّ الأندلسيُّ القرطبيُّ اليزيديُّ؛ مولى الأمير يزيد بن أبي سفيان بن حرب الأموي ـ رضي الله عنه ـ المعروف بيزيد الخير..... وكان ينهض بعلومٍ جمَّةٍ، ويُجيد النَّقل، ويُحْسِنُ النَّظْمَ والنَّثْرَ. وفيه دِينٌ وخَيْر، (وتورُّعٌ، وتزهُّدٌ، وتحرٍّ للصِّدق، ومقاصدُهُ جميلةٌ، ومصنَّفاته مفيدةٌ، وقد زهد في الرِّئاسة، ولزم منزله؛ مُكِبَّاً على العلم، فلا نغلو فيه، ولا نجفو عنه، وقد أثنى عليه قَبْلَنا الكبارُ.
وقال ابن خلكان : وكان حافظاً عالماً بعلوم الحديث وفقهه، مستنبطاً للأحكام من الكتاب والسنة بعد أن كان شافعي المذهب، فانتقل إلى مذهب أهل الظاهر، وكان متفنناً في علوم جمة، عاملاً بعلمه، زاهداً في الدنيا بعد الرياسة التي كانت له ولأبيه من قبله في الوزارة وتدبير الممالك، متواضعاً ذا فضائل جمة وتواليف كثيرة، وجمع من الكتب في علوم الحديث والمصنفات والمسندات شيئاً كثيراً، وسمع سماعاً جماً، وألف في فقه الحديث كتاباً سماه " الإيصال إلى فهم كتاب الخصال الجامعة لحمل شرائع الإسلام في الواجب والحلال والحرام والسنة والإجماع " أورد فيه أقوال الصحابة والتابعين ومن بعدهم من أئمة المسلمين، رضي الله عنهم أجمعين، في مسائل الفقه، والحجة لكل طائفة وعليها، وهو كتاب كبير، وله كتاب " الإحكام لأصول الأحكام " في غاية التقصي وإيراد الحجج، وكتاب " الفصل في الملل في الأهواء والنِّحل " وكتاب في الإجماع ومسائله على أبواب الفقه، وكتاب في مراتب العلوم وكيفية طلبها وتعلق بعضها ببعض، وكتاب " إظهار تبديل اليهود والنصارى للتوراة والإنجيل وبيان تناقض ما بأيديهم من ذلك مما لا يحتمل التأويل " وهذا معنى لم يسبق إليه، كتاب " التقريب بحد المنطق والمدخل إليه بالألفاظ العامية والأمثلة الفقهية " فإنه سلك في بيانه وإزالة سوء الظن عنه وتكذيب الممخرقين به طريقة لم يسلكها أحد قبله، وكان شيخه في المنطق محمد بن الحسن المذحجي القرطبي المعروف بابن الكتاني، وكان أديباً شاعراً طبيباً له في الطب رسائل، وكتب في الأدب، ومات بعد الأربعمائة، ذكر ذلك ابن ماكولا في كتاب " الإكمال" في باب الكتامي والكتاني، نقلاً عن الحافظ أبي عبد الله الحميدي. وله كتاب صغير سماه " نقط العروس " جمع كل غريبة نادرة، وهو مفيد جداً.
وقال الفيروز آبادى " إمام في الفنون، وزر هو بعد أبيه للمظفر هم ترك الوزارة وأقبل على التصنيف ونشر العلم.
وحكي أن الحافظ أبا محمد ابن حزم قصد أبا عامر ابن شهيد في يوم غزير المطر والوحل شديد الريح، فلقيه أبو عامر، وأعظم قصده على تلك الحال، وقال له: يا سيّدي، مثلك يقصدني في مثل هذا اليوم! فأنشده أبو محمد ابن حزم بديهاً:
فلو كانت الدنيا دوينـك لـجّةً ، وفي الجوّ صعقٌ دائمٌ وحريق
لسهّل ودّي فيك نحوك مسلكاً ، ولم يتعذّر لي إلـيك طـريق
ولمزيد من التفاصيل عن ابن حزم شيوخه ومصنفاته واصحابه ومكانته العلمية أنظر هذا الرابط
http://www.aldahereyah.net/forums/sh...D5%E4%DD%C7%CAأظن أنه من خلال مقارنة بسيطة بين أقوال أهل العلم فى كل من ابن عبدالهادى وابن حزم ، فضلا عن مصنفات كل منهما تتضح حقيقة للعيان من الأفضل ، ومن المقدم ومن صاحب المكانة .
وأحب ان اضع كلاما لكل من شيخ الإسلام ابن تيمية وتلميذه الحافظ ابن القيم حول مكانة العلامة ابن حزم الحديثية باعتبار ان اكثر من نبغ فيه ابن عبدالهادى كان فن الحديث .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية :" لكن الأئمة الأكابر العارفون بعلل الحديث والفقه فيه كالإمام أحمد بن حنبل والبخارى وغيرهما وأبى عبيد وأبى محمد بن حزم وغيره ضعفوا حديث البتة..."
وقال تلميذه ابن القيم " وإذا تعارض معنا في الإحتجاج برجلٍ : قولُ ابن حزم، وقولُ البخاري وأحمد وابن المديني والحميدي وإسحاق بن راهويه وأمثالهم ، لم يُلْتفت إلى سواهم ".
وهناك لشيخ الإسلام كلام أكثر مما قاله حول العلامة ابن حزم لكن للاسف نجد أيضا من يزعم ويقول ان ابن تيمية وابن القيم من أهل الأثر ، لكن ابن حزم لا ندرى أمن أهل الاثر هو أم لا .
نقول له ألا تقبل بشهادة ابن تيمية وابن القيم يقول نعم ، ولكن فى القلب من ابن حزم شيئا .
يتبع إن شاء الله الموضوع ، وابدا بعد ذلك فى الحديث عن المرجئة والجهمية ثم بتعقب كلام الحافظ ابن عبدالهادى فى ترجمته للعلامة ابن حزم بعامة ، وقولته الخاصة عن ابن حزم انه جهمى جلد .
ــــــــــــ
(1) لمزيد من التفاصيل عن ابن عبدالهادى أنظر:
1- ابن كثير ن البداية والنهاية .
2- ابن حجر ، الدرر الكامنة .
3- الذهبى ، تذكرة الحفاظ .
4-الشوكانى ، البدر الطالع .
5- السيوطى ، طبقات الحفاظ .
6- ابن رجب ، ذيل طبقات الحنابلة .