الإخوة الكرام حياكم الله وبياكم وجعل الجنة مثوانا ومثواكم .
فى هذه المرة نلتقى حول موضوع لطالما كرره كل من يزعم انه سلفى او ينتسب للمدرسة السلفية ، والسلفية من امثالهم براء .
هذا الموضوع هو ما كرره جماعة من المتسلفين تقليدا لمن زعموا عنهم انهم مشايخ كبار وانهم رؤساء فى العلم سادوا وبزوا .
وخلاصة الموضوع فى مقولة مفادها " ان أهل الظاهر من اهل البدع والزيغ والضلال "
ولقد كرر هذا القول أناس كثيرون على ما سنطرحه فى موضعه إن شاء الله .
وللأسف من ردد هذا الإفك ما رأينا له مستند اصلا إلا قولا استحبه واستهواه، إذ إن جل القدامى إن لم يكونوا كلهم - من المؤرخين ومنظرى الفرق- اتفقوا على ان اهل الظاهر من أهل السنة .
ومن ثم فهذه المشاركة سنجمع فيها كلام المنظرين والمؤرخين فى أهل الظاهر ، لعل المتسلفين الذين يزعمون انهم يلف يتبعون السلف لعلهم يفيقون من غفلتهم ، ويقفوا على أقوال القدامى فيتركوا ما هم عليه من الإفك والكذب بشان أهل الظاهر.
وسبب هذا الموضوع أن بعض من طمس على قلبه عقله سالنى قائلا " هل أنت ظاهرى" .
قلت له نعم .
قال الظاهرية من اهل الضلال والبدع .
وانت بذلك تدعو للضلالة وللبدعة .
وراح ياتى بكلام لفلان وعلان رحم الله من مات منهم ، وغفر الله للحى .
قلت له هل تعرف معنى الظاهر او تعرف شيئا عن الظاهرية .
قال هم أهل ضلال وبدع ، وليسوا من أهل السلف كابن تيمية
ولما شرعت لتوضيح معنى الظاهر وان اصل الظاهر هو النص ، واصل المدرسة الظاهرية مدرسة تحتكم للنصوص ن ولا تتقول على الله فى الأحكام إلا بالأدلة .
هنا صاح شخص آخر قائلا " كل يدعى وصلا بليلى".
وقتها آثرت ان اتوقف لئلا يسبقنى لسانى بما لا تحمد عقباه ، وقلت أوضح بطلان هذا المعتقد واعرى قائليه الذين استجازوا الوقيعة فى اناس هم من أعلى الناس كعبا وفهما للدين ، ومن أكثر الناس تمسكا بسنة سيد المرسلين ، وبذلك شهد لهم من سبق ولحق من اهل الفضل والدين .
وهذه اقوال أهل العلم القدامى عن سنية الظاهرية فلينظرها هؤلاء القوم وليقفوا عليها لعلهم يفهمون او يتريثون فى أحكامهم التى يتلقفونها من هنا وهناك بلا تحقيق ولا تدقيق .
1- قول البغدادى منظر الفرق الكبير وصاحب كتاب الفرق بين الفرق قال فى كتابه السابق" فأما الفرقة الثالثة والسبعون فهى اهل السنة والجماعة من فريق الراى والحديث ....... ثم قال ودخل فى هذه الجملة جمهور الامة وسوادها الأعظم من أصحاب مالك والشافعى وأبى حنيفة والأوزاعى والثورى وأهل الظاهر " .
2-قول ابن جرير الطبرى وابن سريج نقلا عن طبقات الشافعية للسبكى:
قال قاسم بن أصبغ الحافظ : ذاكرت ابن جرير الطبري , وابن سريج في كتاب ابن قتيبة في الفقه , فقالا : ليس بشيء , فإذا أردت الفقه , فكُتب أصحاب الفقه , كالشافعي , وداود , ونظرائهما . ثم قالا : ولا كتب أبي عبيد في الفقه , أما ترى كتابه في "الأموال" , مع أنه أحسن كتبه ؟
3- أن داود بن على كان يُقرئ مذهبه , ويناظر عليه , ويفتي به في بغداد , والأئمة كانوا بها كثرة وبغيرها , فلم نرهم قاموا عليه , ولا أنكروا فتاويه ولا تدريسه , ولا سعوا في منعه من بثه , وبالحضرة مثل إسماعيل القاضي , شيخ المالكية , وعثمان بن بشار الأنماطي , شيخ الشافعية , والمروذي , شيخ الحنبلية , وابني الإمام أحمد , وأبي العباس أحمد بن محمد البرتي شيخ الحنفية , وأحمد بن أبي عمران القاضي , ومثل عالم بغداد إبراهيم الحربي . بل سكتوا له
ولعل هذه حجة قوية على من احتج بقول الجوينى الذى جاء فيه "أن منكرى القياس كالظاهرية ليسوا من علماء الأمة ".
فهل لهؤلاء الذين يحتجون بالإجماع وبالكثرة ان ياخذوا بما فعله هؤلاء الائمة الاعلام من سكوتهم عن داود وتركه يبث علمه وينشره دون تبديع او ماشابه ذلك ن هل لهم ان يتركوا ما هم عليه من التناقض بأخذهم بقول واحد وترك قول جماعة من أهل العلم الراسخين .
هل لهم ان يعترفوا اعترافا للحق بان داود إمام من أهل السنة ومن العلماء الكبار هو واتباعه ، بتطبيق منهجهم هم فى الإجماع.
4- قول ابن الصلاح فى فتاواه " الذي اختاره الأستاذ أبو منصور , وذكر أنه الصحيح من المذهب , أنه يعتبر خلاف داود . ثم قال ابن الصلاح : وهذا الذي استقر عليه الأمر آخرا , كما هو الأغلب الأعرف من صفو الأئمة المتأخرين , الذين أوردوا مذهب داود في مصنفاتهم المشهورة , كالشيخ أبي حامد الإسفراييني , والماوردي , والقاضي أبي الطيب , فلولا اعتدادهم به لما ذكروا مذهبه في مصنفاتهم المشهورة .
5- قال ابوإسحاق الشيرازى عن داود " انتهت إليه رياسة العلم ببغداد" وبمنطق من يزعم انه ينتسب للسف فكيف يقر العلماء واحدا من أهل البدع والضلالة مثل داود على قولهم ان يظهر ويبز حتى صار راس العلم ببغداد ؟
6- أن جل من ترجم لداود وصفه بالإمام والفقيه والحافظ وانه ثقة ومن هؤلاء ابن عبدالهادى الحافظ الحنبلى الذى يطير به السلفيين والحنابلة كل مطار ، والشيخ الالبانى ، والذهبى ن وابن خلكان ، والصفدى ووووو .
7- قول الشهرستانى فى كتابه الملل والنحل " وأما السلف الذين لم يتعرضوا للتأويل، ولا تهدفوا للتشبيه، فمنهم: مالك بن أنس رضي الله عنهما، إذ قال: الأستواء معلوم، والكيف مجهولة، والإيمان به واجب، والسؤال عنه بدعة. ومثل أحمد بن حنبل، وسفيان الثوري، وداود بن علي الأصفهاني، ومن تابعهم "
وقال أيضا : " أصحاب الحديث: وهم أهل الحجاز؛ هم أصحاب مالك بن أنس، وأصحاب محمد بن إدريس الشافعي، وأصحاب سفيان الثوري، وأصحاب أحمد بن حنبل، وأصحاب داود بن علي الأصفهاني" .
8- وقال شيخ الإسلام ابن تيمية " والشافعي وأحمد بن حنبل وإسحاق وأبو عبيد وأبو ثور ومحمد بن نصر المروزي وداود بن علي ونحو هؤلاء كلهم فقهاء الحديث رضي الله عنهم أجمعين "
9- وقال التاج السبكى فى جمع الجوامع " ونعتقدُ أنَّ أبا حنيفة ، ومالكاً ، والشافعيَّ ، وأحمدَ ، والسُّفْيَانّين ، والأوزاعيَّ ، وإسحاق بنَ راهوية ، وداود الظاهريَّ ، وابن جرير ، وسائرَ أئمة المسلمين : على هُدىً من الله تعالى في العقائد وغيرها ، ولا التفاتَ إلى من تَكلَّم فيهم بما هم بريئون منه ، فقد كانُوا من العلوم اللَّدُنِّيَّةِ ، والمواهب الإلهية ، والاستنباطات الدقيقة ، والمعارفِ الغزيرة ، والِّينِ والوَرَعِ والعبادةِ والزهادةِ والجلالة : بالمحلِّ الذي لا يُسامى ".
10- وقال ابن الزبير فى كتابه صلة الصلة عن ابن دحية الظاهرى " كان سنيا مجانبا لاهل البدع"
نحن بفضل الله نتبع النصوص ، ولا نتبع ابن حزم ، ومن بلغ رتبة الاجتهاد فى مسالة فمن حقه ان يجتهد ويخالف حتى ولو صحابيا . ما دام القول بالدليل والبرهان .
وابن حزم رضى الله عنه وسائر رجال اهل الظاهر هم مشايخ لنا ، وليسوا بمعصومين ولا انبياء .
إنما نتبعهم إن وافق قولهم الحق ، ونترك اقوالهم إن جانبت الحق.
ومن ثم نردد مع ابن حزم قوله " وما نسر بمن ينصر اقوالنا إنما نسر بمن ينصر الحق"
ولقداحصيت فى رسالة صغيرة مخالفات ابن حزم لداود رضى الله عنهما فبلغت قرابة الستين ، ولا أزعم اننى استوعبت فيها كل الكتب ، فلعل من الإخوة من لديه زيادات وإضافات على ما سطرته أيدينا بخصوص هذا الشان .
اضف إلى ذلك انه ما من ظاهرى إلا وله محخالفات معاهل الظاهر مع الائمة الكبار ومع غيرهم .
مع المتقدمين من اهل الظاهر ومع المتأخرين.
وهذه المخالفات هى التى تميز المنهج الظاهرى عن غيره .
لكن بشرط ان يكون الخلاف قائما على دليل وبرهان ، ويكون من أصحاب البصر بالشريعة والعلوم المساعدة لها.
ولذا سمحت لنفسى أن أختلف مع ابن حزم فيما يقارب العشر مسائل فى الفقه ، رايت ان رايه فيها هناك ما هو أرجح منه.
وبخصوص طرحى بنقل اقوال للعلماء بخصوص الظاهرية ليس هذا منهجا كما ظن البعض.
إنما هو منهج الخصوم ، ومن ثم استخدمنا منهجهم فى إسقاط شبهتمهم ، فهم الذين يقولون قال الرجال وبدع الرجال وضلل الرجال.
وهم الذين قالوا لو كان بعد النبى نبيا لكان ابن تيمية .
وقالوا أقوال العلماء والسلف مقدمة ، ولا نرفع اصواتنا على قول العلماء وطلبة العلم المشهود لهم بالفهم والصلاح .
فاستخدمنا منهجهم فى الطرح ليس إلا .
فأنت غن خاطبت المخالف عليك ان تلزمه بما هو مقتنع به وبمنهجه هو لتبطل حججه من خلال منهجه . لا من خلال منهجك انت .