هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.



 
الرئيسيةالرئيسية  أحدث الصورأحدث الصور  دخولدخول  التسجيلالتسجيل  

 

 إنما نبغي المرقِّصا في رحاب تَنُمُّصا

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
عبدالعزيز الحنوط
مشرف منتدى منهج أهل الظاهر
مشرف منتدى منهج أهل الظاهر



عدد المساهمات : 160
تاريخ التسجيل : 25/11/2010

إنما نبغي المرقِّصا في رحاب تَنُمُّصا  Empty
مُساهمةموضوع: إنما نبغي المرقِّصا في رحاب تَنُمُّصا    إنما نبغي المرقِّصا في رحاب تَنُمُّصا  Icon_minitime1الثلاثاء فبراير 15, 2011 11:20 am

قال أبو عبدالرحمن: تَنُمُّصَ موضع من المواضع، بالصيت ذائع، وقد جرت فيه لذي فأش الوقائع.. وقال البلدانيون والجغرافيون: لم نجد له أثراً، ولم يُعْطنا أحد عنه خبراً.. ولا عليهم إن جهلوا الرسوم، فقد يبقى المسمى باسم جديد ويضيع اسمه القديم، وقد يبلع البحر بعض الجُزر فيبقى الاسم ويضيع المسمَّى!!.. ولا عليهم إن كذَّب البرهان الشعر المشهَّرا فكان على الأعشى مزوَّراً؛ وإنما يعيش حقيقة أدبية حفظتها الطروس؛ فقد استرحل الأعشى العقلَ يُفتِّش عن المواعظ والعِبَرِ كما استرحل المطيَّ يبغي من عيشه الوفْر والوطَر؛ فعجب من راحل لا يرجع، ومن مخلوق للوفاء والعدل ضَيَّع فاستحق الملامة.. ورأى هذه الأرض حمَّالة ضاحكةً بالخصب كأردية الخِمْس (ثوب فاخر من صنع اليمن)، ومرة عابسةً بالجدب قد اخلولق لباسها (نَغَل خِمْسها.. أي فسد).. وقد ذرأ الله على هذه الأرض حيوانات ذات براثن، وذات خف، وذات حوافر، وعُصْمٌ من الوعول والظباء، لبياض في الذراعين، وسواد أو حُمْرة في سائر الجسد.. والعابرون من الناس على طبائعهم (سجائحهم) منهم الحافي والمنتعل.. قيل على لسان الأعشى:

إنَّ مَحَلاً وَإنَّ مُرْتَحلا
وإنَّ في السَّفْر ما مَضَى مَهَلا
اسْتَأثَرَ الله بالوفاءِ وبالعدل
(م م م) وولَّى الملامة الرَّجُلا
والأرضُ حَمَّالَةُ لمَا حَمَّلَ الله
(م م م) وما إنْ تَرُدُّ ما فَعَلا
يَوْماً تَرَاهَا كَشِبْهِ أرْدِيةِ (م م م)
الخِمْسِ ويوماً أدِيمُهَا نَغلا
أَنْشَى لها اَلْخُفَّ والْبَرَاثِنَ(م م م)
والحَافِرَ شَتَّى والأَعْصَمَ الوَعِلا
والنَّاسُ شَتَّى عَلَى سَجَائِحِهمْ
مُسْتَوْقِحاً حَافِياً وَمُنْتَعِلا

ثم ارتحل المطيَّ مُنتخَلاً (مختاراً) ما بين سريعة خفيفة الحِمْل (قُلْقُل) وما بين مثقلة صعَّادة (وَقلٍ).. كما يقود أفراساً ضامرة طويلة (سراعيف) كأنها الشوحط (شجر يُتَّخذ منه القِسِيُّ)، وهذه الأفراس سريعة العدو.. في سرعة الحجل إذا طاردها الصقر أو البازي المسفَّع؛ لأن في وجهة سفعة (وهي سواد مشرب بحمرة).

قال أبو عبدالرحمن: لا أدري كيف هذا والخيل جَنَبُ الإبل تسير بسيرها، وكم من حاذق في التزوير تُخْطئ هناته الحُفرة؛ فأما العَود المسنُّ من الإبل (الهوزَب) فيمتطيه، ويمتطي الناقة الصلبة الضخمة (العنتريس الوجناء)، ويمتطي الجمل.. وهذا الخيال على سبيل التعاقب بلا ريب، وذلك العَوْد المسكين يُثَرْثِرُ بولُه على فخذيه، ويُطيِّنهما الغبار كالإبل العبديَّة المنسوبة إلى بني عبدالقيس، وهذا التخصيص لا مكان له من المعنى إلا تتمة الشطر.. هذا العود سريع يطوي الأرض (وسّاجَ سابَ) إذا هبط في السهل، فإن أصعد في حزن كان كالفَتِيِّ من الإبل يفرقع الحصى بخفه الصلب (مِرْجم حَجِل).. وهذه الأنعام والأفراس مع الأعشى تقطع المفاوز إلى الملك الحميري ذي فائش الذي يُثيب قاصدَه الإبلَ، والفرسَ الضخم الممشوق القوام (الهيكل النهد)، والإبل الحسان الأجسام مع نِتاجها (العُطْل المطافيل)، والمماليك من الجواري والعبيد؛ فذو فائش بهذا جزى إبل الأعشى لقاء ما حُمِّلتْ أخفافُها من التعب بطيب الإقامة، وبتلك العطايا لمسترحلها، ولا أدري كيف يسوق الشحَّاذ كل هذا الموكب لطلب عطاء أقلَّ منه؟! :

أُزجِّي سَرَاعِيفَ كالْقِسيِّ منَ (م)
الشَّوْحَطِ صَكَّ الْمُسَفَّعِ الْحَجلا
والْهَوْزَبَ الْعَوْدَ أَمْتَطيهِ بِهَا
والعَنْتَرِيسَ الْوَجْنَاءَ والْجَملا
يَنْضَحُ بالبَوْلِ والْغُبَارِ على
فَخْذَيْهِ نَضْحَ الْعَبْدِيَّة الْجُلَلا
وسَّاجَ سَابَ إذا هَبَطْتَ به (م)
السَّهْلَ وفي الحزْنِ مِرْجَماً حَجَلا
بِسَيْرِ مَنْ يَقْطَعُ المَفَاوِزَ (م)
والبُعْدَ إلى مَنْ يُثِيبُهُ الإبِلا
والْهَيْكَلَ النَّهْدَ والوَلِيدَة (م)
والعَبْدَ وَيُعْطِي مَطَافِلاً عُطُلا
يُكْرِمُهَا ما ثَوَتْ لَدَيْهِ (م م م)
ويجزيهَا بما كان خُفُّهَا عَملا

وأثنى على ممدوحه بالبشاشة وبياض الوجه؛ إذْ لم يُكدِّره خوف الفقر؛ لفرط كرمه، وبِرِّه بالأرحام، ووفائه بالعهد (الإلِّ).. وهو إنما يشرب بكفِّه؛ وإذن فهو لا يشرب بكف بخيل، وذلك مدح متكلَّف متعمِّق لا يليق بفطرية الشاعر الجاهلي، وامتن على ممدوحه بأنه قلَّده شِعره؛ فهذا إنعام من الأعشى عظيم؛ فياله من مديح لو فطن المزوِّر !!؟.. ثم أخذ يفلسف إنعامه على الممدوح بشعره بِكَوْن الشعر عند العرب باعثاً للكرم كرعد السحابة يستنزل مطرها.. والواقع أن الكريم حقيقة لا يَستَخفُّه الثناء؛ وإنما هو طَبْعٌ ورحمة.. وكلامه عن العِدِّ في منتهى البلادة، فصفة العِدِّ أنه لا يحتاج إلى أن يَجِمَّ فيكثر، وإذا كان عداً فلن يكون وَشلاً (قليلاً).. هذا تحصيل حاصل؛ وإنما هو رَصُّ القوافي!!.. ومثله في السطحية البيت الذي بعده عن نجابته.. والدشت الصحراء معربة من الفارسية، والبيت الذي فيه الكلمة لغو، وقد حاول الشارح أن يجعل (نزلا) بمعنى أكثر ثباتاً، ولا تطاوعه اللغة على ذلك:

أصْبَحَ ذُو فائِشٍ سَلامَةُ ذُو (م)
التَّفْضَالِ هَشَّا فُؤادُهُ جَذِلا
أبيضُ لا يَرْهَبُ الهُزَالَ ولا
يَقْطَعُ رِحْماً ولا يَخُونُ إلا
يا خَيْرَ مَنْ يَرْكَبُ الْمَطِيَّ ولا
يَشْرَبُ كَأْساً بِكَفِّ مَنْ بَخلا
قَلَّدْتُكَ الشِّعْرَ يا سَلامة ذا (م)
التَّفْضَال والشِّيء حَيْثُما جُعِلا
والشِّعْرُ يَسْتَنْزِلُ الكرِيم كَمَا (م)
استَنزَلَ رَعْدُ السَّحَابَةِ السَّبَلا
لَوْ كُنْتَ مَاءً عِدّاً جَمَمْتَ إذا
مَا وَرَدَ القَوْمُ لَمْ تَكُنْ وَشَلا
أَنْجَبَ أَيَّامُ وَالدَيْه بِهِ
إذْ نَجَلاهُ فَنِعْمَ مَا نَجَلا
قَدْ عَلِمَتْ فَارِسٌ وَحِمْيَرُ (م م)
والأعْرَابُ بِالدَّشْتِ أَيُّهُمْ نَزَلا
هَلْ تَذْكُرُ الْعَهْدَ في تَنَمُّصَ إذ
تَضْرِبُ لِي قَاعِداً بَهَا مَثَلا
لَيْثٌ لَدَى الْحَرْبِ أوْ تَدُوخَ لَهُ
قَسْراً وَبَذَّ الْمُلُوكَ مَا فَعَلا

وَتَنمُّص ضاع تاريخها، ولم تُسجَّل وقائع الملك الحميري بها، ومهما برئ الأعشى من القصيدة فلها وجود لغوي مكين، وهي مدخل للأزهري رحمه الله تعالى في تمحيص ما ينسب من كتاب العين للخليل بن أحمد رحمهما الله تعالى.. قال الأزهري: «قال الليث: قلت للخليل: أليس تزعم أن العرب العاربة (هم على الصواب واليقين العرب السامية البائدة) لا تقول: إن رجلاً في الدار.. لا تبدأ بنكرة، ولكنها تقول: إن في الدار رجلاً ؟.. قال: ليس هذا على قياس ما تقول.. هذا حكاية سمعها رجل من رجل: (إنَّ محلا وإنَّ مرتحلاً)، ويصف بعدُ حيث يقول:

هل تذكر العهد في تَنَمَّصَ إذْ
تضرب لي قاصداً بها مثلاً

المحل الآخرة، والمرتحل الدنيا، وأراد بالسفْر الذين ماتوا فصاروا في البرزخ، والمهل البقاء والانتظار.

قلت: وهذا صحيح من قول الخليل وهو كما حكاه عن (بل: عنه) الليث.. وكلما قال: (قلت للخليل فقال)، أو قال: (سمعت الخليل) فهو للخليل بن أحمد لا تدليس فيه، وإذا قال: (قال الخليل) ففيه نظر».

قال أبو عبدالرحمن: هذه طريقة الليث في كتابه العين: يعزو إلى الخليل سماعاً، ويعزو إليه بإطلاق، ولا يعزو إليه اكتفاء بنسبته الكتاب كله إلى الخليل.. وهذه الطريقة برهان قاطع على أن الكتاب من تأليف الليث لا من تأليف الخليل.. وفسَّر الأزهري المحل بالموضع الذي يُحَلُّ فيه، وبأنه مصدر، وقال: كلاهما بفتح الحاء؛ لأنهما من حَلَّ يُحِلُّ (بضم ياء المضارعة، وكسر الحاء)؛ فأما المَحِل بكسر الحاء فهو من حلَّ يَحِلَّ (بفتح ياء المضارعة، وكسر الحاء)، والمصدر من هذا بالفتح، والمكان بالكسر.. والقصيدة للأعشى، ومطلعها:

إنَّ مَحَلاً وإنَّ مُرْتحلا
وإنَّ في السَّفْر ما مضى مهلا

وبعده مباشرة:

استأثر الله بالوفاء (م م م)
وبالعدل وولَّى الملامة الرجلا

وأما البيت الذي ذكره الليث عن الخليل فلم يأت مباشرة، بل هو من بيتين آخر القصيدة التي مرَّت، وعددها أربعة وعشرون بيتاً هذا نصهما:

هل تَذْكُرُ العهدَ في تَنَمُّصَ إذْ
تَضْربُ لي قاعداً بها مثلا
ليثٌ لدى الحرب أو تدوخَ له
قسراً وبذَّ الملوكَ ما فعلا

استهل القصيدة كما مر في سرد العِبَر من دنياه، وأنها حِلٌّ وارتحال، وأن هناك حلاً لا رحيل بعده؛ وقد جاء هذا المعنى من السَّفْر من الأموات الذين لم يعودوا لمحلِّهم؛ ففي الاعتبار بهم مَهَلٌ وهو الأناة في التفكير لا عمومُ الانتظار كما قال الأزهري؛ فمهما تأنَّى العقل فلن يجد غير العبرة، واستمر في نثر الحِكَم حتى وصل إلى مدح سلامة ذي فائش الحميري، وختم القصيدة بمدحة، وكلمة (تدوخ) منصوبة بإضمار (أن)؛ لأن مآل الكلام أن ممدوحَه ليثُ حربٍ مقيمٌ لها إلا أن يدوخ له محاربه.. والحاء في (محَلاً) مفتوحة لأمر سأذكره عن خصِّيصة الكسر، والقصيدة مكذوبة على الأعشى، وقد أوجز وأفاد عن ذلك الدكتور حَنَّا نصر الحِتِّي، والقصيدة على بحر المنسرح ( / 5/ 5 / / 5 - / 5 / 5 / 5 - / 5 / 5 / / 5)، وجاءت الأبيات مرة على ( / 5 / / / 5)، ومرة على ( / 5 / 5 / / 5)، وبعيدٌ أن يختار الأعشى هذا النمط النثرى وهو صنَّاجة العرب، و (إنَّ مَحلاً) بتشديد النون، وهذا كلام يصحُّ نحواً بتقدير (الدنيا) وفِعْلِها.. أي (إن مَحلاً كائنٌ في دنيانا)؛ فزالت نكارة المحل بالوصف، وليس صحيحاً قول الأزهري رحمه الله تعالى: (إن مَحَلاً الآخرة) على أن الحاء المهملة مفتوحة، وإنما يصح بكسر الحاء، وهذا المعنى الصحيح لغةً لا يصح في هذه القصيدة من جهة مراد المتكلِّم؛ لأنه يعتبر بحال الدنيا في الحل والترحال، ويجعل السَّفْر (أي الراحلين) للآخرة موعظة.. وتنمَّصَ اسم موضع عند الشارح في قوله:

هل تذكر العهد في تنمص إذ
تضرب لي قاعداً بها مثلاً

وعلى هذا يكون المعنى التذكير بشجاعته مَضْرِبِ المثلِ في تنمص، ولو صحت القصيدة للأعشى لكان الشعراء سَدنة الكذب إلا من رحم ربك.. ولا يليق بسياق القصيدة غير هذا المعنى، ويكون عدم صرف (تَنَمُّصَ) ضرورة؛ لأنه لا يوجد مانع من الصرف، ولعله لهذا السبب قال ياقوت رحمه الله تعالى: «تنمص بفتحتين، وتشديد الميم وضمِّها، والصاد مهملة: بلد معروف.. كذا وجدتُه فُسِّر في قول الأعشى، والذي يغلب على ظني أن (تنمص) اسم امرأة».

قال أبو عبدالرحمن: العَلَمية والتأنيث مانعان من الصرف؛ ولهذا أورد البيت هكذا (من تنمص)؛ لأن (في تنمص) لا يدل على ذلك؛ لكون المرأة ليست اسم مكان.. إلا أن سياق القصيدة لا يقبل تفسير ياقوت.. والمحَل بفتح الحاء على وزن مَفْعَل؛ لأن أصلها (مَحْللٌ) فهي لعموم اسم المكان، ويُحمل عليه ما اكتسب صفة المكان مثل (فلان مَربُّ الناس) أي يجتمعون عنده، والمكان يجتمع فيه الناس.. وأما مَحِل بكسر الحاء على وزن مفعِل بكسر العين فقد تبيَّن لي بالاستقراء أنها اسم مكان لا يُرحل عنه؛ ولهذا قال تعالى عن الهدي: (حتى يبلغ الهدي محله) (البقرة:196)، وقال تعالى: (ثم محلها إلى البيت العتيق) (الحج:33)؛ فهذا مكان حلول لا رحيل بعده.. قال الفارابي رحمه الله تعالى عن مَفْعِل بكسر العين من المضعَّف: «لم نجد على هذا المثال شيئاً إلا بالهاء؛ وإنما قلنا ذلك -مع مجيء مَدِبِّ السيل، وَمَحِلِّ الدين، والمفِرِّ، وأشباه ذلك- لأنه القياس (يعني مفعِلة).. يقال: أرض مزِلَّة من الزَّلق، وأرض مَضِلَّة يُضَلّ فيها الطريق، والمذِمَّة لغة في المذمَّة، ومَضِنَّة ما أضنُّ به (أي لا أُفرِّط فيه لنفاسته أو ضرورته)، والمظِنة المعلم».. والفارابي رحمه الله لا يذكر المواد على هاتين الصيغتين إذا كان المراد المصدر أو اسم المكان أو اسم الزمان، واستثنى ما ذكره بقوله عن مفعِل بكسر العين: «فإذا كان اسماً مُصَرَّحاً, أي ليس مصدراً، ولا اسم مكان أو زمان، وغير مشتق من الفعل (الاشتقاق الصحيح اشتقاق المعاني من أقل الصِّيغ حروفاً سواء أكانت اسماً أم فعلاً مثل مَهْبِل لأقصى الرحم) أو شيئاً يقاربه ذُكِر».

قال أبو عبدالرحمن: بلوغ الغاية في الحلول بمكان لا رحيل بعده مُلاحَظٌ في أسماء المكان، وفيما حُمل عليه؛ فأما في المضاعف الذي ذكره الفارابي مثل المزِلَّة فمحمولة على مكان زلقٍ لا مَفرَّ منه على التشبيه بموضع لا رحيل عنه، وهكذا المِدَبُّ مكان اندكاك السيل فهو ملازم الوادي، والمَفِرُّ صفة من صفات الفرس الملازمة في الطِّراد.. وأما بالهاء فقد روعي فيها معنى التأنيث مع بقاء معنى المبالغة في الصيغة بلا هاء؛ فالمزِلَّة روعي فيها تأنيث الأرض، وهكذا المضلة كأنه مُحتَّم فيها إضلال الطريق، والمَذِمَّة بكسر الذال المعجمة ليست بمعنى فتح الذال كما قال الفارابي؛ بل تتميَّز بملازمة الذم.. ومن غير المضعَّف مضرِب السيف فهو اسم لمكان الضرب المقصود، وهو شبر من طرفه، فهو مكان لضربٍ مقصود؛ لأنه الأمضى، وهكذا المغرِب اسم الجهة للزوم الأفلاك الغروب فيها.. والفارابي رحمه الله يسهو أحياناً فيورد ما ليس من شرطه، فعلى سبيل المثال أورد المَكْبِر على أنه مصدر كُبُر؛ فهذا إخلال بمنهجه ما دام يعدُّه مصدراً، والمحقق عندي أنه يعمل عمل المصدر، وهو لبلوغ الغاية في الكِبَر، والمصدر حقيقة الكبَر.. وجعل الأزهري رحمه الله تعالى المَحَل بفتح الحاء -مصدراً، واسم مكان- من حلَّ يُحِلُّ بضم ياء المضارعة وفتح الحاء، وجعل المحِلَّ بكسر الحاء من حَلَّ يَحِلَّ بفتح ياء المضارعة وكسر الحاء، وجعل المصدر بفتح الحاء، وجعل اسم المكان بكسرها.

قال أبو عبدالرحمن: هاهنا وقفات:

الوقفة الأولى: المصدر حقيقة لحَلَّ بفتح الحاء (حَلاً) إذا أريد مثل حل العُقدة؛ فإذا أريد النزول بالمكان جعلوا للتفريق الاسم مصدراً؛ فقالوا: حل حلولاً.

والوقفة الثانية: أن مصدر يُحِل بضم ياء المضارعة وكسر الحاء (إحلال) للمتعدي واللازم؛ فاللازم كأنه أحل نفسه إحلالاً، والمتعدي مثل أحلَّ السلطانُ القومَ في ذلك المكان إحلالاً.. وبمعنى آخر (أَحَلَّ المفتي ذلك الطعام يُحِلِّه إحلالاً) بمعنى أزال حُرْمته فجعله حلالاً.

والوقفة الثالثة: أن اسم المكان العام باق بحسَبِه، وهو المحَل بفتح الحاء.

والوقفة الرابعة: أن اسم المكان الحتمي باق بحسبه، وهو المَحِلُّ بكسر الحاء، والله المستعان.
كتبها لكم : أبو عبدالرحمن ابن عقيل الظاهري ـ عفا الله عنه ـ
المجلة العربية : مجلة شهرية - العدد( 410 ) ربيع الأول 1432هـ - مارس 2011م
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
إنما نبغي المرقِّصا في رحاب تَنُمُّصا
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت
» رسالة شكر ودعوة إلى ما يعادي الشيطان وحده وينفع الناس والجن أجمعين ضده

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
 :: منهج أهل الظاهر :: مقالات أهل الظاهر من المعاصرين :: قسم العلامة ابن عقيل الظاهرى-
انتقل الى: