هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.



 
الرئيسيةالرئيسية  أحدث الصورأحدث الصور  دخولدخول  التسجيلالتسجيل  

 

 آن للقلم أن لا ينتشر إلى حين

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
عبدالعزيز الحنوط
مشرف منتدى منهج أهل الظاهر
مشرف منتدى منهج أهل الظاهر



عدد المساهمات : 160
تاريخ التسجيل : 25/11/2010

آن للقلم أن لا ينتشر إلى حين Empty
مُساهمةموضوع: آن للقلم أن لا ينتشر إلى حين   آن للقلم أن لا ينتشر إلى حين Icon_minitime1السبت أبريل 16, 2011 9:33 pm

هذه استراحة مؤقتة إلى حين لقلمٍ نشأ صاحبه على عقيدة: (من لم يهتم بشأن المسلمين فليس منهم)، وكنت مع مطلع هذا العام الميلادي المشؤوم حاولت أن أُقلِّص نشاطي القلمي في أمورٍ شرعية وفكرية وثقافية، ولما تتابعت الفتن في عالمنا العربي والإسلامي اتجهتُ إلى نفض مكتبتي وما صورتُه من دوريات أو عُرِّب لي من مقالات حول الاستعداد للقرن الحادي والعشرين؛ فوجدتُ بحراً لا ساحل له من التاريخ المعاصر والأفكار المتضاربة؛ فبدأتُ نشاطي بكتابة فصول مطولة عن هذه الأحداث تحت مظلة (الديمقراطية الغربية) بالغين المعجمة قدَّرت لها عشر حلقات، وأرسلت إلى جريدة الجزيرة ثلاث حلقات، وبيَّضتُ ثلاث حلقات وسوَّدتُ الباقي فوجدتُ أنني أحتاج إلى عشرات الحلقات؛ لهذا آثرتُ التوقف عن النشر إلى حين، وأن اليقين لزوم بيتي ومسجدي ومؤانسة من يهفو إليَّ من طلبة العلم اتباعاً للحديثين الصحيحين عن ابن مسعود وحذيفة بن اليمان رضي الله عنهما في التعامل مع الفتن.. على أنني مستمر في القراءة لما أسلفتُ من مصادر الفتن المخطط لها ليحين حينها في مطلع هذا القرن، وآثرت أن لا أنتهي إلى كل الآراء التي أراها قطعية إلا بعد الفراغ من التسويد، وأن أتحرى مخاض هذه الفتن التي ستستقر على ما لا يعلمه إلا الله من قدرٍ كوني مستعيناً بالله ثم بالاستغفار والدعاء؛ لأن الأمور لا تزال غامضة في هذه الفتن المتموِّجة التي جاءت تهيئةً للفكر لقبول الديمقراطية بمجملها.. ووراء ذلك ما لا يعلمه إلا الله من شرور تراد بأمتنا، واقتسام منافع، وزيادة فرقة وتشتيت، وعداء صادر عن الأصولية الغربية بالغين المعجمة، وهي أصولية اليمين الغربي، ولا بأس من المفاتحة بالمحاور الرئيسية التي انفض عنها عشرات الكتب المُعَرَّبة وغير المُعَرَّبة:

1- مفهوم الشرق الأوسط منذ الحرب العالمية الأولى، واتِّساعه وتضييقه بأقلام الكتاب بعد ذلك.

2 - أن الشرق الأوسط تقزيم لديار العرب والمسلمين، كما أنه ليس صفواً للمسلمين لكثرة الطارئ من الأيديولوجيات والطائفيات مع الموروث من الأغيار الذين أبقاهم التاريخ الإسلامي بمرحمته.

3 - مفهوم السلام للشرق الأوسط منذ الحرب العالمية الأولى إلى كتاب (ما بعد السلام) في الشرق الأوسط للرئيس الأمريكي ريتشارد نيكسون إلى (ما بعد الجهاد) لنوح فلدمان الذي صدر بلغته الإنكليزية قبل تعريبه عام 2003م، وهو زبدة التخطيط للسلام في الشرق الأوسط بعد حادث 11 سبتمبر عام 2001م.

4 - تحديد مفهوم السلام، وأنه يعني سلاماً مطلقاً للدول المتنفِّذة وبالأخص اليمين الغربي الذي من أصوليته تحقيق السلام من طرف واحد لإسرائيل في أرض العرب، وربما حصل لأهل الشرق الأوسط سلام هزيل يلغي هويتهم؛ بالحدِّ من بأس الفقر، والتخلُّص من تسلط بعض الحكام الثوريين المجرمين، وثمن ذلك موارد الشرق الأوسط النفعية، مع عزل الشرقي عن هويته.

5 - ربط ذلك ببحث جاد لأخبار الدين الصحيح، والدين الآتي من عند الله إلا أنه دخله تحريف الكلم عن مواضعه، والدين الوضعي الذي أفرز أصولية اليمين الغربي.

6 - المتابعة الجادة لما هو في خبايا الزوايا في التاريخ المعاصر على المنهج الرصين جداً الذي انتهجته مجلة حوار العرب.

7 - التحليل للمفردات التي قبلناها بإطلاقٍ من الخارج مثل الاعتراف بالآخر، والإرهاب، والأصولية، والديمقراطية بإطلاق، والضرورة للتغيير في الشرق الأوسط؛ فأما الاعتراف بالآخر فذلك الآخر ليس بحاجة إلى أن نعترف به؛ بل نحن محتاجون إلى أن يعترف بنا على أننا بشر لنا تاريخنا المشرق، وأن واقعنا أننا سُرَّة الأرض إستراتيجياً، وأن لدينا الموارد الخام لقيام العلم المادي والحضارة العالمية.. وأن يعترفوا بمقتضى الأديان والأخلاق والعقول بحرمة الظلم، وإقامة العدل، والحوار الذي هو صمَّام التعايش السلمي لكل الأطراف بتكافؤوإصغاء وتفاعل عادل بلا حجر إعلامي أو تضليل ما دام إعلامنا مخنوقاً محجوباً إلا عن ذوي الحل والعقد المتنفِّذين.. ونحن معترفون على الرغم من أنوفنا بالآخر على أنه قوة مهيمنة جبارة، وأن مواردنا تؤخذ اغتصاباً تارة، وبثمن بخس تارة، وبثمن كريم في الأزمات تَسترِدُّ أضعافَ أضعافه بجعل بلادنا سوقاً إجبارياً لإنتاجهم مما هو آلة دفاعية محدودة القدرات والأهداف، ومما هو ضرورات حياة، ومما هو كماليات نحتاج إلى بعضها، ومما هو ميوعة لانحتاج إليها ونتخوَّف منها، وأننا مكرهون على ما يهدم هويتنا، بل بكسرِ حرية جمهورنا - وذلك ظلم مستثنى مما يرونه خيراً من مجمل الديموقراطية -، وأننا لا نملك قرارنا السياسي والاقتصادي والديني والفكري والثقافي، وأننا مُسيَّسون على الرغم منا بزرع العملاء وتلميعهم، وتشجيع وحماية وتنفُّذِ أرباب ما أدخل علينا من مذاهب وطائفية وأيديولوجيات، وترقيص من هم كذلك من أقلية أبقتهم مرحمة تاريخنا الإسلامي، والتدخل في مستقبل طموحنا سراً وعلناً، والاستحواذ على مشاعر جمهورنا بوسائل اتصال حديثة قاهرة جعلت العالم أسرة واحدة بما أمضاه قدر الله الكوني الذي لا غالب له؛ امتحاناً لإيماننا وسلوكنا؛ فالاعتراف بالآخر حاصل إرغاماً من طرف واحد فقط؛ فنحن وحدنا المعترفون بالآخر، ونحن وحدنا غير المعترف بحق وجودهم العادل.

وأما الأصولية فهي مفردة لغوية أُفرغت من معناها، وأُفعمت بمعنى آخر يرتبط بالإرهاب والعدوان والهمجية، وخُصَّ بكل ذلك عالمنا العربي والإسلامي.. والأصولية بمعناها العربي الاصطلاحي الصحيح تعني إضمار المُعْتقَد والقول والعمل بما جاء به الدين الصحيح عن نزاهة بحث واستقراء وحضور عقل مؤهَّل يحسن الفهم والتمييز؛ فيكون السلوك مُؤصَّلاً بنور الشرع وأهلية الفكر.. والأصولية بمعناها المقبوح ليست تاريخية في بلادنا، بل كل أيديولوجية عرفناها في الحكم والأحزاب ذات ظلم وعدوان كانت وافدة إلينا، وهكذا كل أصولية دينية خارج أرضنا هي ظلم وعدوان كالأصولية اليهودية ثم الصهيونية، وأصولية اليمين الغربي المهيمن على العالم.. وهذه الأصولية الطارئة في شريحة من أمتنا مستوردة بتضليل فكري وباختراق صادر عن تسييس خارجي فالمسؤولون ضحية الاختراق، والمنتمون ضحية التضليل، وهكذا الإرهاب كان تاريخياً في غير بلادنا في العالم المتحضِّر وفي العالم الهمجي.. وكان يعني الإبادة الجماعية واستباحة دم الآمن والمستأمن، واستباحة دم الرضيع والطفل وكبير السن والنساء والمدني الذي لا يحمل سلاحاً من أجل نهب مورد أو فرض دين أو أيديولوجية أو القضاء على دين قائم.. وما شمله مصطلح الإرهاب التضليلي في بلادنا فهو على قسمين: إرهابٌ بالمعنى الاصطلاحي التضليلي عند شريحة من أمتنا وعند الطائفية ورد حديثاً بالصبغة التي وفد بها معنى الأصولية العدوانية، وكان التنفيذ بتسييس واحتواء خارجي هادم للسلام في بلادنا محقق لسلام من يريد نهب خيراتنا وإلغاء هُوِيَّتنا، وبأدوات وإجراءات لم تقع في بلادنا قط.. وأما الإرهاب بمعناه اللغوي الاصطلاحي الصحيح الوارد في القرآن الكريم فهو إعداد القوة للأمة؛ لترهب بها العدو فيحجم العدو عن العدوان.. والإرهاب الصحيح والإرهاب المُسَيَّس من الخارج الذي قَبِلَهُ المغرَّر بهم كلاهما كان باعثه ما توالى على أمتنا من مظالم الاستعمار الظاهر العلني منذ الحرب العالمية التي اقتسمت بلادنا، واستحوذت على خيراتنا، وطعنت في ديننا، وصدَّت الناس عنه بالافتراء عليه، ودعمت ذلك بزراعة العملاء، وفرض أيديولوجيات ظالمة غير معقولة، هيَّأت لها زعماءَ ثوريين تمَّ إعدادهم وإمدادهم والاعتراف بهم من الخارج، وسيست لهم الشعارات الكاذبة بعد تمهيد مرير لمجمل الحرية؛ وإذا قبلت الأمة مجمل الحرية كان معنى ذلك ضياع صمَّام الأمان من الالتزام لخيرية الدين ورشاد العقل وتحقيق مطالب الأمة، وأهم ذلك ثبات الهوية، والاستقرار، ووحدة الصف على هدف، والقوة الرادعة.. وأكبر تفسير لشعار (سلام ما بعده سلام في الشرق الأوسط) مثال جزئي حاضر الآن، وهو الاستمرار السلامي الآمن لإسرائيل في حصار الفلسطينيين ومصادرة أرواحهم وأراضيهم.. ومعظم أقطارنا: إمَّا شعوب بلا دولة، وإمَّا أقطار يحرقها الشعب والدولة معاً، والشعوب في الظاهرتين تلتمس الدواء والغذاء بكفاف، ثم جاءت المفاجأة غير المنتظرة التي تبصق على القانون الدولي الذي يُقْهر بحق الفيتو في أي لحظة، وهو سلب جنسية الفلسطيني إذا كان عدواً لإسرائيل أو متنصتاً عليها؛ فهذا هو الجريمة القانونية المجمع عليها دولياً، وهذا هو التعليل الذي يسخر بعقول العالم، وهو تعليل يعني أن يكون الفلسطيني مواطناً مخلصاً لإسرائيل محباً لها، وأن يتأقلم مع المحال في الفطرة بأن يكون الذي نهبت أرضه وقتل أبناء أمته، وحصر في خطيطة من الأرض لا تفي بامتداده وغذائه وحرفته وحمايته ولياً حميماً لجزَّاره.

وأما مجمل الديمقراطية لو قبلها عالمنا بإجمال - وذلك محال - لكانت داعمة لما هو ديمقراطياً حقيقة ولا سيما في مملكتنا السعودية؛ لأن الدين الصحيح ونتائجه الوقائية والعلاجية، وإقامة حدوده، والتلاحم بين الشعب والدولة برابطة البيعة على كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم: هو ديموقراطية الأمة؛ وبهذا يصبح مجمل الديمقراطية الغربية عدوَّاً لدوداً للديموقراطية الصحيحة، وتكون ميزة الديموقراطية الغربية مطالبة بما هو موجود، ولا معنى لذلك إلا بأمرين: أحدهما - وهو محال صدوره من منطق مجمل الديموقراطية - أن يكون المعنى: (حافظوا على ديموقراطيتكم) التي هي حرية جماهيركم على مبدإ {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ}، وثانيهما أن يكون المعنى: ادحروا حرية جماهيركم، وليكن منكم فصائل تُرغم حرية الجماهير وتلاحم شعوبكم مما لا يرضونه ولا ترضاه دولتكم التي هي الواجهة الممثِّلة لحرية الجماهير.

وأما ضرورة التغيير في الشرق الأوسط فهي ضرورة طرف واحد هو المتنفِّذ الخارجي، وقد اندلعت الشرارة أول هذا العام، ثم كانت حريقاً غمر العالم العربي، وهو في طريقه ليغمر بقية بلدان الشرق الأوسط من العالم الإسلامي، وقد اتحد الصف لمختلفي الأهداف على هدف واحد وهو إبعاد بعض حكومات قائمة، واتحد هذا الصف على نتائج تعطيل القدرات، وإزهاق الأرواح، وتهديم المنشآت، والاستعداد أعواماً بإنفاق الموارد لإعادة البناء مع الانذار بأزمات اقتصادية.. وأدبيات ما قبل وما بعد 11 سبتمبر 2001 م ذات منطق جهنمي لتسييس التغيير، فهناك قيادات بلغت من العمر عتياً، وأدَّوا ما أُوجب عليهم مما هو غير مقدس من خدمة العدوان الخارجي، وخَنْق شعوبهم، واحترقت أوراقهم فضحَّى بهم زارعهم لكسب عواطف الشعوب البائسة.. وبعد تحقُّق إبعاد أولئك الحكام بقي الصراع المرير بين الذين اتحد صفهم على هدف واحد وأهدافهم بعد ذلك مختلفة متمزقةً وإن كان الجمهور الضعيف يريد تفعيل هُوِيَّة الأمة.. ومظلة الديموقراطية شعار إنساني لن تسمح باستمرار الفوضى، بل ستحسم الأمر (سراً، وعلناً) باختيار ودعم من يُحقِّق مجمل الديموقراطية، وتغييب هوية الأمة عن العمل في الميدان.. وهناك قيادات لم تحترق، ودورها للأغيار فعَّال، فانساق المظلومون المستضعفون للمظاهرات التي تُسمَّى سلمية؛ ليتم الانفراد بهم بعد مكر من القيادة مدعوم من الخارج؛ فيتضاعف الظلم على الشعب في مدى الأيام.. وهناك قيادة عميلة كادت تحترق لدى بعض الدول المتنفِّذة لا عند كلِّها، فاقتضى شعار الإنسانية الذي يقود مظلة مجمل الديموقراطية دعم الشعب المظلوم بتقتير وبطء، والقائد الذي لم يحترق كلياً والذين يحاربونه تحت مظلة مجمل الديموقراطية متفقان على هدف واحد، هو المزيد من قتل النفوس من محارب ومن غير محارب ومن غير قادر على الحرب، ويدخل في ذلك الحصار والاغتصاب.. والهدف واحد في تهديم المنشآت وإهدار الأموال واستقدام المرتزقة، وهو منتج ظاهرياً لرضى الشعب المظلوم المستضعف.. وحل موعد الانقسام المبيَّت مسبقاً - لدى حملة مظلة مجمل الديموقراطية -، وأصبح صوت بعض الدول العالمية (التي تملك حق الفيتو، والتي لا تملكه) صوتاً عالياً امتداداً لمعارضتها مجلس الأمن بإنقاذ الشعب الضعيف المدمَّر.. وهذا الانقسام المسيَّس الذي في ذهنيته تصريحُ الطاغية بحماية أمن إسرائيل ومصالح شمال البحر الأبيض، وخنق هوية الشعب: جعل طرد الطاغية وأعوانه، أو محاكمتهم، أو المساس بهم خارج منطق (مظلة الديموقراطية) موضعَ مساومةٍ وتردَّدٍ.. وبدأ التشكيك في جدوى الشعب الثائر، وأنه غير قادر ميدانياً، ووراء ذلك معنى (لا جدوى في مساندته إلا بصدقات إنسانية)، وأنه لا إستراتيجية له، ومع طول المدة مع عِظم القوة لم تتغير الموازين لصالح المستضعفين.. ومعنى الإستراتيجية أن الزعيم الطاغية أعلن ولاءه للأغيار، والشعب الثائر وهوعلى فطرته وتدينه بلا طائفية ولا أيديولوجيات دخيلة لم يعلن عما بعد الحرب إلا عن شيء واحد هو تفعيل هويته، ولم يرفع شعار (مظلة الديموقراطية الغربية) ؛ ولهذا لم يجر الاعتراف بهم دولة، ولم يجر العمل على مقتضى (لا شرعية لحكم الطاغية) ذي الممثلين في السفارات والاتصالات الدبلوماسية؛ وإنما (عدم الشرعية) فهي جملة من إعلام كلامي دعائي لا غير.. وهناك مساومة على تسليح المستضعفين الذين لا يملكون القدرات القوية الواردة للطاغية - ولم يصنعها في أرضه -، وهناك تلويح للتعامل معهم فيما هو بين أيديهم من النفط (إن ظل بين أيديهم)، وفي هذا نذر بالتجزئة، واستجدَّ من التشكيك في مصداقية هذا الشعب الثائر بنقائه الخلقي والديني ما يُشِيعه الطاغية بأنهم إرهابيون من القاعدة، وأنهم شريحة شاذة من الشعب.. مع أن بطلان هذه الدعوى أمام أعينهم كالشمس الساطعة.. وانتهى الأمر هذا اليوم26-4-1432هـ إلى تجميد الحماية وتمركز الطاغية بآلاته العنيفة، والأيام بيننا؛ فلنقل: (رب اغفر وارحم وأنت خيرالراحمين).

8 - الفهم الجديد لما هو مجرَّب، ومشاهَد بين الفينة والفينة، وعليه أخبار الدين الصحيح.. وهذا الفهم يوزن به كل ما جاء في الكتب المتدفِّقة، وفيوض المقالات عن إيعاد الشرق الأوسط منذ السلام في الشرق لنيكسون إلى ما بعده بأكثر من عشرين عاماً من إيعاد أعنف رسمته أدبيات ما بعد 11 سبتمبر 2001م، وهذا الإيعاد هو معنى أدبيات الاستعداد للقرن الحادي والعشرين، وهو يدور حول محورين: إنذار بأخطار تفرَّد بها الخالق سبحانه إذا شاء كالكوارث الطبيعية، وانتشار الأمراض، وضيق المعمورة بالسكان، وعجز الغذاء عن مطالب الناس.. والمحور الثاني وُثُوقيَّة بقدرة الأمم القوية على تنفيذ ما تُوعد به حرفاً وحرفاً، وقد بسطتُ جناح القول عن وثوقية أولئك بأنها صادرة عن بواعث يرونها من قوتهم، وموانع يشهدونها من ضعف العالم الثالث.. والمحوران كلاهما بما يشهدونه من بواعث وموانع لا يملكون العلم بغيب الله عن بواعث أقوى، وعن موانع حاسمة؛ فهم لا يملكون العلم بحين الزلازل والبراكين والخسوف والأعاصير المبيدة، ولا يملكون التحكم فيها إذا وقعت، ولا يملكون العلم ببقاء الحال على ما كانت عليه من قوة طاغية لدى قوم، وضعف مروِّع لدى قوم.

فيا أيها الأحباب إنني مع مرارة الحزن مع اعتلال الصحة أعيش نعيماً لا حد له من جراء ما انتهيت إليه من حقائق في مسوداتي ولما أزل في بداية الطريق، ووقودي الروحي الدعاء والاستغفار ونخل الأحاديث الصحيحة عن فتن آخر الزمان؛ فقد أغيبُ عنكم أشهراً أو شهوراً، وقد أتقاعس في النشاط لإعداد كتابي حديث الشهر، وقد أتسلى بالغياب والغربة مع جماليات الثقافة في مساحة لا تتجاوز صفحتين في التباريح؛ لأن النفوس ولو في أحلك الظروف تصدأ كما يصدأ الحديد، فأُروِّح عنها بشيئٍ من المباح لتنشط للحق والجد.. ومما أراح نفسي بحمد الله أن منطق الديمقراطية الغربية بأهم عناصره حاكم بأن حرية هذه المملكة العربية السعودية بجمهورها شعباً ودولة تعني سيادة البيعة على كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، وما يترتب على الكتاب والسنة من وقاية وعلاج وعقوبات لحماية حدود الله وتطهير المجتمع من الجرائم والفتن، وذلك جزء من حريتها؛ لأنه مقتضى البيعة؛ وبهذه الحرية المنطقية كان المنطق أنه لا يجوز بأي فكر هدمها بمجمل ديمقراطية وافدة؛ لأن الحرية حرية الجماهير؛ فهذه هي حرية أمتنا التي تلاحم فيها الشعب والدولة.. ومقتضى هذه الحرية تحقيق حقوق الأقلية بالقانون الدولي والمنطق الفكري والمعنى الشرعي على أن يفوا بالعهد للدولة والشعب الذي كانت الطائفية في حمايته؛ وذلك هو الوفاء بحقوقه ومحاسبته على بث الفتن والانتماء للأغيار بأن يكون ولاءً للأجنبي ضد الوطن والدولة، وحرية الجماهير في البلد.. ثم يا أيها الأحباب عليكم بكل رموزكم الفكرية والأدبية والثقافية الشعور بضرورة التماسك وعدم التواكل؛ لأن الطائفيين القلة الذين يريدون بكم الشر متلاحمون أشد التلاحم بتخطيط دقيق منظم مسيس من دولة الأعاجم، وأتوقع أن تكشف لكم الأيام القريبة عما تحت (مظلة الديمقراطية الغربية) من أخطار مُبيَّتة، وهذا يعني تعقلاً فكرياً حول المفردات التي تلقيناها من الخارج ولاسيما التبشير الغادر بسلام لنا في الشرق العربي الإسلامي، وإنما النتيجة أن السلام لغيرنا، وأننا وإن حققنا شيئاً من السلام فهو أن يُوفَّر لنا ما يوفر لبهيمة الأنعام من الشبع والري؛ لأنها تُسمَّن لتذبح، ولو عقلت لما سمنت، وأكثروا من التوكل على الله وتفويض الأمر إليه من غير يأس ولا قنوط، وأكثروا من قول: (اللهم أعز الإسلام والمسلمين، وأذل الشرك والمشركين، ودمر أعداء الدين، وانصر عبادك الموحدين)، وعسى أن ألقاكم بعد أشهر أو شهور وقلمي مضيئ، وصدري منشرح ولو بخيوط من الفأل عن الجهد بتحصيل علمي يتسم بالاستقصاء، وسطوعٍ فكريٍّ ورضاً عن إدراكٍ عقليٍّ رصين، وأختم توديعي لكم إلى حين بما أعلمه من الإيعاد النيكسوني، وبما أعلمه من خيريَّة ديننا الإسلامي، وهوأن المسلمين - وهم في هذا الضعف والشتات - سيتحملون غبناً وهضماً كثيراً (بمنطق المعادلة بين المصالح والمفاسد) في دينهم؛ وذلك نشدان للسلام، وإشفاق من الحروب الأهلية.. ولكن إذا تقطَّعت سبل السلام، وحاق الخطر بوجودهم فستكون الحتمية القدرية الكونية والشرعية أن يعلنوا الجهاد، وتتدفَّق شعوبهم في المساحة الطويلة العريضة من تركتهم، ولن يبالوا بفناء ثلاثة أرباعهم لبقاء ربعهم.. وههنا تتغير المقاييس الدنيوية، ويصبح من المنتظر قريباً ما في غيب الله من وعد شرعي بنصر المستضعفين المؤمنين والتمكين لهم في الأرض.. وههنا أيضاً يكون التوكل على الله والاعتصام به حقيقةً وجودية بالعِيان، ويكون للمتمسكين بدينهم على طريقة السلف القيادة تلقائياً.. وليس هذا خيالاً، ولكنه وعد شرعي، وتجربة تاريخية؛ فهيضة التتار التي دبَّرها زعماء الطائفية السبئية المجوسية كالطوسي وابن العلقمي أعظم كارثة على المسلمين هددت وجودهم على الأرض، وكان العرب قد تحوَّلوا إلى البداوة والنهب والسلب؛ فكان لطف الله أسرع من كرة الطرف؛ فاتحد صفهم تلقائياً؛ لأنهم جدَّدوا إيمانهم وتوكلهم على ربهم، وانتصروا على عدوهم على الرغم من ضعفهم وعجزهم، ثم هيَّأ الله لهم من عدوهم من أسلم وكان نصراً للإسلام والمسلمين.. وبلاد المسلمين سُرَّة الأرض، وعصب الحياة للعلم المادي، والدول المتنفِّذة لن تراهن على هذا المستقبل باندلاعةٍ لأممٍ لا يبالون بالتضحية بثلاثة أرباعهم، وإن كانوا يألمون من القتل كما يألم عدوهم إلا أنهم يرجون من الله ما لا يرجون، ولا يهمهم اشتعال الأرض بالنار، وتدمير المواد الخام للعلم المادي في أرضهم، ويعيشون على الكفاف منتظرين مدداً من ربهم، وقد جاهد الصحابة رضوان الله عليهم ومنهم الراجل والرديف والراكب، وربما تعللوا بفذة تمر لا غير.

* وبين المسلمين في غضون تطورهم الحضاري والتاريخي فبوسع أحدنا أن يتعلم من الآخر، وأن ندرس أسباب نجاحنا وفشلنا.. لقد أضحى القرن العشرين قرن نزاع بين الغرب والعالم الإسلامي؛ فلو عملنا سوية ساعداً بساعد لاستطعنا أن نجعل من القرن الحادي والعشرين ليس وقت سلام في الشرق الأوسط والخليج العربي وحسب، بل وكذلك قرناً تقوم فيه الحضارتان العظيمتان الرائعتان في عهد ما بعد السلام بإغناء كل منهما الأخرى وكذلك بقية أرجاء المعمورة.. ليس بأسلحتهما وثروتهما فحسب، بل وحتى من خلال سحر عقائدهما الخالدة))(1).. وبعد ذلك نجد عند نيكسون منطقاً عدوانياً على البشرية ترفضه الأخلاقيات التي تعلنها الولايات المتحدة.. قال: ((إن الغرب ليس مسؤولاً عن مشاكل العالم النامي، بيد أننا نُحمِّل عاتقنا مسؤولية ما ولما تزل أمامنا فرصة السعي لمساعدته على حل مشاكلٍ؛ فالفشل سيكون مآل جهود الانعتاق من دوامة الفقر، ونحن لو قدمنا المساعدة للعالم النامي لاستطاع الإفلات من ربقة الإملاق.. ولن يكون الإيثار الغيري *؟؟!!* دافعَ سياساتِ مساعداتنا له، بل هي كذلك مصلحتنا الشخصية، وهنا أقول أن ثلاثة قطاعات رئيسية لها أن تتأثر بسياساتنا تجاه العالم النامي.. إنها اقتصادنا، وأمننا، والزيادة المشؤومة في أعداد اللاجئين المسعورين إلى (أمريكا) (2)، وإلى لقاء بعد حين إن شاء الله، والله المستعان، وعليه الاتكال.
وكتبها لكم :
أبو عبدالرحمن ابن عقيل الظاهري ـ عفا الله عنه ـ

* * *

(1) ما وراء السلام ص163.

(2) ما وراء السلام ص167

الجزيرة : الجمعة 11 جمادى الأول 1432 العدد 14078
انظر الرابط : http://www.al-jazirah.com.sa/20110415/rj2d.htm
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
آن للقلم أن لا ينتشر إلى حين
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
 :: منهج أهل الظاهر :: مقالات أهل الظاهر من المعاصرين :: قسم العلامة ابن عقيل الظاهرى-
انتقل الى: