هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.



 
الرئيسيةالرئيسية  أحدث الصورأحدث الصور  دخولدخول  التسجيلالتسجيل  

 

 الجزيرة تحاور إمام العصر ( ابن عقيل الظاهرى)

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
دكتور عبدالباقى السيد
مدير المنتدى
مدير المنتدى



عدد المساهمات : 1147
تاريخ التسجيل : 01/10/2010
العمر : 48

الجزيرة تحاور إمام العصر ( ابن عقيل الظاهرى) Empty
مُساهمةموضوع: الجزيرة تحاور إمام العصر ( ابن عقيل الظاهرى)   الجزيرة تحاور إمام العصر ( ابن عقيل الظاهرى) Icon_minitime1الثلاثاء نوفمبر 16, 2010 12:05 pm

سيرة ذاتية

الاسم محمد بن عمر بن عبدالرحمن العقيل.

- الشهرة العلمية أبو عبدالرحمن بن عقيل الظاهري انتماءً إلى مدرسة الإمام محمد بن حزم الظاهري الأندلسي - رحمه الله - فقهاً.

- المولد عام 1357هـ بمدينة شقراء عاصمة إقليم الوشم من منطقة نجد (المنطقة الوسطى) بالمملكة العربية السعودية.

- درس بالكتاتيب، ثم بالابتدائي، ثم بالتمهيدي، ثم بالمعهد العلمي، ثم بكلية الشريعة بالرياض، ثم بمعهد القضاء العالي بالرياض، وحصل على درجة الماجستير وتوقف عند ذلك.

- عمل موظفاً رسمياً بإمارة المنطقة الشرقية عام 1318هـ ثم بديوان الموظفين العام (ديوان الخدمة المدنية حالياً), ثم برئاسة تعليم البنات، ثم بوزارة الشؤون البلدية والقروية مديراً عاماً للإدارة القانونية.

- تقاعد مبكراً عام 1414هـ؛ لتفرغه للعلم.

- أعيد بأمر من خادم الحرمين الشريفين متعاقداً بوزارة الداخلية مستشاراً لصاحب السمو الملكي الأمير نايف بن عبدالعزيز وزير الداخلية عام 1416هـ، ولا يزال.

- عمل متعاوناً رئيساً للشؤون الثقافية بمجلة التوباد بالجمعية المذكورة ولا يزال، ورئيساً للنادي الأدبي بالرياض مدة أربع سنوات، وعضواً بالمجمع اللغوي بمصر ولا يزال، ورئيساً لتحرير مجلة الدرعية ولا يزال.

- شارك في عدد من المؤتمرات الثقافية، وآخرها مؤتمر ذكرى ابن رشد بتونس.

- لم يُمنح أي جائزة تقديرية سوى جائزة المؤتمر الثاني للأدباء السعوديين.

- ساهم ردحاً من الزمن ببرامج يومية في الإذاعات السعودية، وبرامج أسبوعية بالتلفاز ثم توقف إلا من بعض المقابلات التلفازية في السعودية وغيرها.

- مارس الكتابة في الصحافة منذ عام 1379هـ، ولا يزال في هذه المسيرة بنشاط منقطع النظير.

- طبع ما يقرب من مئتي مؤلف في اللغة والأدب والفلسفة والفن وعلوم الشريعة والتاريخ.. بعضها تأليف وبعضها تحقيق.. وأهم مؤلفاته لم يطبع.. وما طبع معظمه نافد.

- بدأ من هذا العام بتكليف من صاحب السمو الملكي الأمير نايف، وصاحب السمو الملكي الأمير سلمان بزيارات مجزأة للأندلس.. بدأت تصدر أبحاثاً في الصحافة والدوريات، ثم تصدر إن شاء الله في أسفار بمنهجية علمية.

- لا يجيد أيَّ لغة أجنبية.

حوار: محمد بن عبد العزيز الفيصل

وبعد محطة توقف استمرت لشهر تواصل (مسيرة) مسيرتها الثقافية مع رموز الفكر والعلم والأدب أعلام ونجوم السماء العربية لتكشف بمصباحها التاريخي عن أبرز محطاتهم العمرية الثقافية في جولة شيقة تختلط فيها أحداث الماضي بأمنيات المستقبل.. فهؤلاء هم الصفحة المضيئة المشرقة من تراثنا وتاريخنا الحي.

فضيلة الشيخ العلامة أبو عبدالرحمن بن عقيل الظاهري.. الأديب والمثقف المعروف، العالم الجامع الذي لم يثنه التخصص عن الإبحار في محيط العلوم والأخذ من كل علم بطرف، ولعل من يطلع على مؤلفات الشيخ أبو عبدالرحمن، سيلحظ التنوع العلمي والثقافي فيها، عقود مضت ملأها شيخنا بتلك الدرر من الإصدارات العلمية والمشاركات الصحفية والمنبرية كمتنفس فسيح يبعث فيه ما يكنه من العلوم إلى سماء الصحافة المتزنة.. (مسيرة) بعد هذا التوقف اختارت أن تبتدئ مسيرتها مع هذا العلم البارز، لتغوص معه في رحلة الماضي لتكشف عن أبرز المحطات والمواقف في حياته الثقافية والأدبية.

* حدثنا عن خطواتكم الأولى منذ التحاقكم بالمدرسة الابتدائية بشقراء، حتى حصولكم على درجة الماجستير في علوم التفسير من المعهد العالي للقضاء، وعن أبرز شيوخكم الذين تأثرتم بهم أثناء مرحلة الطلب؟

* لم أدخل الابتدائي إلا على كبر سن؛ وذلك لسببين:

أولهما: أن والدي -رحمه الله- حرص على مواصلة دراستي في الكتاتيب لدى الشيخ عبدالعزيز بن حنطي -رحمه الله-؛ من أجل حرصه على تحفيظ ما تيسر من القرآن، مع حرصه على تربية الطالب داخل المدرسة وخارجها؛ حتى أنه كان -قدس الله روحه ونور ضريحه- يقص أظافرنا في بيته، ويخيط شروح ثيابنا بيده الكريمة.. وبعد مدة متأخرة اقتنع الوالد بإلحاقي بالدراسة النظامية في الابتدائي.

وثانيهما: لهذا السبب لم أتخرج من الابتدائي إلا عام 1376هـ، ومع هذا لما تخرجت ورغبت الالتحاق بتحضير البعثات أبى والدي ذلك، وأراد دخولي المعهد العلمي، ولكنهم لم يقبلوني مع أنني متفوق في الشهادة، وقالوا: (لا بد من دراسة التمهيدي سنتين، ثم التحق بالمعهد)؛ فدخلت أولى تمهيدي، وكان الراتب فيما أظن سبعين ريالاً شهرياً، وهو مبلغ نافع جداً آنذاك؛ فالتحقت بالمعهد العلمي بعد سنتي التمهيدي؛ فكان هذا سبباً آخر لتأخري الزمني في الالتحاق بالمعهد العلمي، وهو يعادل المتوسط والثانوي معاً؛ لأن مدته خمس سنوات.. والعجيب جداً أن مناهجنا في الابتدائي قوية جداً أقوى من المتوسط الآن.. إلا أن منهج التمهيدي أقوى.. وفي سن المراهقة تغيبتُ عن المدرسة أكثر الأيام في المعهد العلمي، وكان أبي يظن أنني مواظبٌ؛ فكان ذلك سبباً ثالثاً لتأخري الزمني.. وفي آخر سنة بالمعهد العلمي خرجت من شقراء مغاضباً لأبي؛ لأنه شدد عليَّ الحصار في الاهتمام بتدوين الشعر العامي، ودعوتي رواتَه في البيت.. وكان هذا الحصار بتأثير من سماحة الشيخ ابن غصون - رحمه الله-، وبقيت أشهراً في بيت الجميح -رحمه الله- بالرياض ألتمس عملاً، ولم أذهب إلى بيت أختي حتى لا يعلم أبي بمكاني، ولما يئستُ ذهبت عند عمتي بالدمام، وسابقت في وظيفة بالمرتبة التاسعة حسب النظام القديم، وراتبها قريب من خمسمائة ريال، وبقيت ستة أشهر موظفاً، وكذبتُ على عمتي بأنني كتبت لوالدي بذلك، ثم أنبني ضميري فكتبت له أشرح له قصة جميع غيابي عنه؛ فما هي إلا أيام قلائل حتى حضر -رحمه الله- ومعه خطابات من المشايخ عبدالله بن ضعيان، وسماحة الشيخ ابن غصون، وأستاذي ابن مرزوق رحم الله ميتهم ومتَّع الله بحيِّهم يقنعونني بمواصلة الدراسة، وأنها خير عاقبة من الوظيفة؛ فشجر الخلاف بينه وبين عمتي تقول له: (من يحصّل هذا المبلغ؟)، وجمعت له رواتبي منذ توظفت، وكان الوالد -رحمه الله- فقيراً جداً؛ فقال: (لا أريد منه رواتب، بل يكمل دراسته)، ثم ذهب لإمارة المنطقة الشرقية وحاول مع علي الغامدي -رحمه الله- رئيس الديوان والأستاذ الزيات -رحمه الله- أن يحصل على فصلي؛ فأبيا ذلك؛ فدخل على صاحب السمو الأمير سعود بن جلوي -رحمه الله-، وأبدى لسموه أن ابنه توظف بغير إرادته، وأنه يريد منه تكملة دراسته، وأراه خطابات المشايخ، فرحمه سمو الأمير سعود -رحمه الله- ووجه من يُلزمني بتقديم الاستقالة، فعدت مع والدي إلى الرياض وأتممتُ سنة أخرى؛ فكان هذا سبباً رابعاً لتأخري الزمني، ولما تخرجت من المعهد اضطر الوالد -رحمه الله- أن ينتقل بي إلى الرياض، وأن يبيع كل ما يملك، فدرست السنة الأولى من كلية الشريعة التي أرغمني الوالد عليها وكنت أريد كلية اللغة العربية، ورأيت ضعف حال والدي؛ فهو يتسبب في سوق الحراج المعروف بحراج ابن قاسم ويكسب قروشاً؛ فاضطررتُ إلى كتابة خطابات في الصفاة في الإجازات بعد العصر، وكانت قيمة الخطاب أربعة قروش؛ فأكسب بعد العصر ما يقرب من ريالين، وأما في الإجازات فأكسب ما بين خمسة ريالات إلى سبعة ريالات، ثم منعني من ذلك؛ فاضطررت إلى المسابقة في وظيفة بديوان الموظفين العام (وزارة الخدمة المدنية الآن)، وكان جناحاً من وزارة المواصلات يرتبط مديره بصالح العباد رئيس الديوان الملكي مباشرة، وكان نجاحي في المرتبة الثامنة، وكان راتبها فوق خمسمائة ريال، وفاجأت الوالد بالخبر، فغضب غضباً شديداً؛ فوعدته بأنني لن أترك الدراسة، وأنني سأدرس منتسباً؛ فلما تأكد من الناس عن صحة وجود دراسة الانتساب رضي عليَّ وأذن لي، وجمع رواتبي واستدان وزوجني مبكراً، ثم تحسنت حاله بالراتب؛ فاتسعنا في قصر كبير من الطين في حارة القَرِينين، وكان سكننا قبل ذلك في بيت طين بشارع الظهيرة خلف بيت الشيخ عمر بن حسن رحمه الله، وكان مساحته سبعين متراً، وكان الوالد رحمه الله لا يصعد السلالم إلا بحبل لضيق الدرج.. وتحسنت حاله أيضاً في الحراج فكان يغامر في شراء وبيع السلع الثمينة فيربح، وبعد سنوات وقد رأيت تعبه واعتلال صحته أقسمت عليه بأغلظ الإيمان أن يلزم البيت؛ فأطاعني جزاه الله عني خيراً، وتخرجت من الكلية منتسباً مع البون الشاسع بين تفوقي في الابتدائي وضعفي في الكلية، ثم التحقت بمعهد القضاء العالي وحصلت لي أزمات مشروحة في التباريح، وحصلتُ على شهادة الماجستير في التفسير بدرجة مقبول بتعاطف من شيخي عبدالرزاق عفيفي رحمه الله، بل أشعرني أنه أعطاني الشهادة لذاتي ولِما يرجوه فيَّ من خير لا لانتظامي في الحضور، وأنا كثير الانقطاع عن الدراسة.. وكذلك شذوذي العلمي في الرسالة التي استبدلها بتفسير أحكام سورة الطلاق وحدد لي المصادر، ومنعني من ترجيح يخرج عنها، ورغب مني -جزاه الله عني خيراً- أن أغير زيِّي بما يناسب رجال العلم الشرعي، وكنتُ يومها أنيق الملابس، وأعبث بالسبحة، وأتحيَّف اللحية، وأُكثر الدعابة، وأكتب عن الخاسئين من الفنانين والفنانات.. ولم أتسلم شهادة الماجستير حتى هذه اللحظة ولم أحضر حفل توزيعها، ولم أُنب من يتسلمها، ولا تزال رسالتي التي نلتُ بها الشهادة مكيَّسة.. وأعترف بأن ذلك رعونة مني.

مشايخي

وأما مشايخي فهم على ثلاثة أقسام:

القسم الأول: مدرسون عاديون في الفصول، وفائدتي منهم ضحلة في الجملة.

والقسم الثاني: علماء فحول مدرسون في الفصل، ولكنني صرت لهم مقام الابن وكانت صلتي بهم في بيتي وبيوتهم، وأولهم الشيخ عبدالعزيز بن حنطي من آل غيهب وكان يلبس عمامة بيضاء وكأنه من جيل الصحابة، جمعني الله به في دار كرامته، ومنهم ابن شيحه -رحمه الله- وإن كانت دراستي عنده قليلة، ولما زرت شقراء قُبيل وفاته بثلاث سنوات تقريباً رأيته جالساً عند دكان في ماقفة شقراء (سوق الجلب والبيع)؛ فقبّلت جبينه وأنفه، وذهبت منه تخنقني العبرة؛ لما أرى في وجهه من نور مشع مصطفق لا يحس به كثير من الناس، وقد قضى حياته - رحمه الله- أكثر من نصف قرن مؤذناً وإمام مسجد ومدرساً في آن واحد.. يردد كلام الله حفظاً في قعوده وذهابه وإيابه، وزهدت في نفسي عقوداً كثيرة، ولكن أثر أمثاله لا يزال باقياً في وجداني، وقد نفعني الله به بعقيدة صافية مدى عمري مع تراجع أوَّابٍ منذ أوشكت على سبعين عاماً جعلها الله عصمة دائمة؛ والله يبدِّل سيئات الأوابين إلى حسنات، ويضاعف أجورهم على أعمالهم القاصرة المنقطعة.. وقد انتفعت بالحديث الصحيح: (نية المؤمن خير من عمله) وبالآيات في إضلاله تعالى مَن علم ما في قلوبهم من شر، والنية الصالحة الصادقة تهدي إلى العمل الصالح بإذن الله.. ومنهم العلامة الحنفي الأشعري صادق صديق الأزهري، ومحمد بن عبدالرحمن بن داود، وسماحة الشيخ صالح بن غصون، وسماحة الشيخ عبدالرزاق عفيفي، وسماحة الشيخ أبي زاهد عبدالفتاح أبوغدة، رحم الله جميعهم؛ فقد استفدت منهم علماً كثيراً ومنهجاً وتربية خلقية.. وأسفت أشد الأسف على أنني لم أكوِّن علاقة خاصة مع شيخي محمد الأمين الشنقيطي رحمه الله تعالى، وكنت دائماً أحرص على حضور دروسه في الفصل وفي المسجد النبوي كلما جئت إلى المدينة، وكان إماماً علامة بحق، وعلمه الواسع جداً في صدره لا في كتابه، ونفَّرني منه رحمه الله أنه سريع الإلقاء، وغير مبين في نطقه أحياناً، كثير الحملة على الظاهرية؛ بسبب حملات الإمام ابن حزم على المالكية رحمهم الله، ويضيق بالنقاش.. ولكنني عوَّضت عن ذلك باقتناء أشرطته.. أستمعها على صعوبة في استبانة كلماته، كما عوَّضت باقتناء كتبه وأهمها أضواء البيان؛ فأرجع إليه دائماً.. كما أسفت أيضاً على عدم تكوين علاقة خاصة مع شيخي علي الطنطاوي رحمه الله وكان يدرسنا في الكلية البلاغة.. ومن مشايخي في الفصل والبيت والمسجد سماحة الشيخ عبدالعزيز بن باز، وسماحة الشيخ عبدالله بن حميد -رحمهما الله تعالى- وكان الأول عظيم النكير عليَّ، كثير العتاب برفقٍ؛ لانغماسي في الأدباء والفنانين والظرفاء، وتحبيري كتابات لم يرَ أنها من رسالة طالب العلم، وما أنِسَ إليَّ إلا في حدود عام 1403هـ؛ فأذن لي بالتدريس في المسجد، وأخذ عليَّ التعهد ألا أدرس المذهب الظاهري، وألا أتعمق وأتكلف كما في برنامجي الإذاعي (تفسير التفاسير) وإن كان يُفضِّل برنامجي الإذاعي (قراءات في صحيح مسلم).. أما سماحة الشيخ عبدالله ابن حيمد فكان يقبلني على علاتي، ويُحسن نصحيتي وتربيتي، ولا أسلم أحياناً من النقدات اللاذعة.

من اجازني

والقسم الثالث: مشايخ ذاكرتهم العلم في بيتي أو بيوتهم وأجازوني رواية مروياتهم.. بعضهم بالإجازة العامة، وبعضهم قرأت عليه أطرافاً من الكتب، ومن هؤلاء جميعاً المشايخ: عبدالحق العمري، وإسماعيل وحماد الأنصاريان.. إلا الشيخ محمد المنتصر الكتاني فقد أجازني إجازة عامة مكاتبة، وغيرهم.. ومن أخص مشايخي عمر المترك -رحمه الله- الذي درَّسني من الابتدائي إلى معهد القضاء العالي، ومنهم سماحة الشيخ عبدالعزيز بن رشيد رحمه الله؛ فمع أستاذيته لي كوَّنت صلة أبوية حميمة معه، وكان يناقشني في العلم كلما سنحت الفرصة.

الظاهرية

* ظاهريتكم من أكثر الأمور التي أثارت جدلاً بين الأوساط الشعبية والنخبوية حول شخصيتكم؛ فما سبب توجهكم لها مع أن نشأتكم ودراستكم كانت بين شقراء والرياض؟

* الصواب (والنُّخبيَّة)، والواو فضول، وظاهريتي بدأت في حدود عام 1386هـ، والذي جرني إليها كتاب طوق الحمامة الذي طبع مختصراً، ثم كانت ظاهريتي تقليداً محضاً وتحمساً وإعجاباً بالإمام الفذ أبي محمد ابن حزم رحمه الله تعالى الذي كنت أصفه سابقاً بإمام الدنيا.. وهذه طبيعة صلف الشباب، ومع تقدم السن والإبحار في العلم يزداد الورع؛ فانفصلت في وقت مبكر عن الظاهرية التقليدية منتفعاً بمنهج ابن حزم نفسه بعد تعمق في قراءة كتبه، فظهر لي بالبراهين اللائحة أن الظاهرية ليست هي التقليد لأهل الظاهر، وإنما هي الأخذ بالظاهر الذي جناحاه النص الشرعي المحقق والأهلية الفكرية المدربة والحذق للغة العرب؛ لأن الشرع نزل بلغة العرب؛ فمن نسب إلى الشرع ما لا تدل عليه لغته بنص صريح أو استنباط قريب أو بعيد فقد افترى عليه، وسلك مسلك الصوفية والباطنية في الدعوى؛ فالظاهر في اللغة هو ما دلت عليه لغة الشرع بعد تحقق برهان تصحيح معاني المفردة عن العرب، وتحقق برهان الترجيح بأن المتكلم أراد هذه المعاني جميعها أو بعضها أو أحدها، وليس الظاهر بمعنى الواضح الذي هو ضد الخفي كما توهّم ذلك طوائف من الخلق، وإنما هو ما يظهر من دلالة النص بوضوح أو خفاء.. وظهر لي أن أخطاء أبي محمد الشنيعة - رحمه الله - ليست بسبب ظاهريته، وإنما هي بسبب خطئه في التطبيق، فإذا قدم الحقيقة اللغوية المهجورة التي لا تعرف إلا بقرينة على المجاز الغالب الاستعمال في مثل مسألة (أف) فقد خالف التطبيق، ومن حمل على معنى لغوي ولديه اصطلاح شرعي لا مانع منه فقد خالف التطبيق، ومن جعل القياس الذي هو عمل القائس برهاناً في ذاته ولم يأخذ البرهان من دليل القياس نفسه بأن يكون القياس قاضياً بتسوية شرعية أو مفارقة شرعية يكون فيهما الأصل والفرع منصوصاً عليهما، ويكون أحدهما نصاً بالمعنى أو بدلالة العقل الذي لا احتمال فيه وهو حجة شرعية، فقد افترى على الظاهر، والعقل له ظاهره، فاليقين بلا معارض ألبتة، أو معارض باحتمال غير معتدٍّ به هو الظاهر العقلي؛ لأن العقل لا يقوى بفطرته على تقديم ما هو دون ذلك قوة.. والرجحان الذي يعارضه احتمال معتدٌّ به ولكنه مرجوح بمرجِّحات معتد بها أكثر وأظهر ظاهر شرعي.. والاحتمال الذي لم يقم دليل وقوعه ولم يقم دليل امتناعه ظاهر شرعي يقتضي التوقف، والمرجوح عقلاً خلافٌ للظاهر لا يحل؛ لأنه تحكم وترجيح بلا مرجح.. والفقهاء غير الظاهريين الذين سعدوا بالبرهان والتوفيق في مسألة ما كانت أصولهم في هذه المسألة ظاهرية ولا بد، وفقهاء أهل الظاهر الذين أخفقوا في مسألة ما كانت أصولهم في تلك المسألة غير ظاهرية ولا بد؛ لغفلتهم عن الظاهر بسوء التطبيق.. ورسالة عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - التي حكمت بالأشباه والنظائر صحيحة جداً، ولم يُصب ابن حزم - رحمه الله - في تضعيفها، وبما أن التشبيه المقارب غير الوصف المطابق - لأن كل شيء أشبه شيئاً في وجه ما أو أكثر فقد خالفه في وجوه أخرى - فقد صح إذن أن مراد عمر - رضي الله عنه - الأشباه والنظائر الثابتة شرعاً بأن يكون ما اشتبه فيه الشيئان منصوصاً عليه، وهذا هو النص بالمعنى فالمقاصّة في الضرب بالضرب منصوص عليها بالمعنى؛ لأن الضرب اعتداء، والله - سبحانه وتعالى - قال: {فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُواْ عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ} (سورة البقرة - 194)؛ فالضرب شبيه بالمنصوص على اسمه مثل كون العين بالعين والأنف بالأنف والأذن بالأذن والسن بالسن والجروح قصاص.. وقد يكون وجه الشبه الذي اشترك فيه الشيئان ثابتاً بالنص فيهما؛ فتكون مهمة القياس الاحتجاج على الحكم الشرعي بحكم شرعي لا فارق بينهما في العقل، ولا مانع من أحدهما.. والظاهر أصل علمي فكري ليس وقفاً على الشريعة المطهرة، بل هو المرجع في فهم كلام الناس من الشعر والأدب والإقرار وكتابات المؤلفين، وهو الأصل العلمي في التجربة الحسية؛ لأن التجربة الحسية لا تصح إلا باستصحاب أحكام العقل الظاهرية من اليقيني والرجحان والإمكان والمرجحوية، مع استعمال ما أثبتته الخبرة الحسية من مسلمات بديهية اكتسابية أظهرها أصل الظاهر، وكذلك نتيجة التجربة الجديدة لا تصح إلا بشهادة الأصول الظاهرية: من استصحاب دليل التصحيح والترجيح، ومن وجود المقتضي وتخلّف المانع؛ ولهذا يحكم الظاهر بأن صحة التجربة مرهونة بشروطها التي كانت عليها؛ إذن فأنا ظاهري باتباعي أصولاً نقلية فكرية أوجبها ديني والعقل الإنساني المشترك الذي جعله الله حجة على الخلق في الإيمان بالله وشرعه قبل نزول تفصيلات الشرع في الأحكام، وجعله الله شرطاً في التكليف، ولم يكن تقليداً لرجل بعينه، بل اتباعاً للشرع بأصول اجتهادية.. ولما ذكر الله في سورة الإسراء مسؤولية السمع والبصر والفؤاد مع تكليف الله العقلَ علمنا أن العقل مقرون بالفؤاد والقلب؛ لأن برهان العقل يتحول إلى عقيدة ووجدان في قلب الإنسان؛ إذ لم يكن معانداً، والعقل حجة في فهم الشرع وتمييز معانيه، وتمييز العلاقات والفروق بينها، وليس حجة على الشرع في الاقتراح عليه بزيادة أو نقص أو تبديل، ولا يتسع مجال هذه المقابلة لأكثر من هذا.
ظلم

* يزعم الكثير من العلماء وطلاب العلم أن بعض ممن ينتسبون إلى المذهب الظاهري يظلمونه ويشوهون صورته، فهل هذا صحيح؟

- بعض من ينتسب إلى الظاهر يشوه صورته فذلك صحيح: إما للتعصب بالتقليد، وإما للخطأ في التطبيق.. كما أن غير أهل الظاهر يظلمون الظاهر أيضاً لعدم تعمقهم فيه، وغلبة الظن عندهم بأن الظاهر يعني الحرفية بأن يكون المعنى ظاهراً جلياً، وليس هذا بصحيح، بل الظاهر ما يمكن أن يظهر من النص أو العقل يقيناً أو رجحاناً بقرب أو بعد، ولولا هذا ما استطاع فقهاء الظاهر استنباط المعاني الصحيحة البعيدة، والاهتداء إلى البراهين المركبة التي تدل على المعنى مجتمعة، ولما استطاعوا الحذق الجيد في الجمع بين النصوص، وإعطاء كل نص حكمه.

خليفة

* بما أن الشيخ أبو عبدالرحمن ابن عقيل الظاهري هو خليفة الإمام ابن حزم في هذا العصر، فهل أستطيع القول بأن أبو عبدالرحمن هو شيخ أهل الظاهر الآن؟

- (أبو) أصحُّ على الحكاية، ثم من أنا - حفظك الله -؛ حتى أكون خليفة الإمام ابن حزم وقد أضعت سهر الليالي بعلم كثير غير مبارك فيه ولا نافع!!.. بينما الإمام ابن حزم - رحمه الله - أسس من صغره نفسه نقلياً وفكرياً، فأما الفكر فبمؤلفاته المبكرة في نظرية المعرفة، وأحكام الجدل والمناظرة، وتقعيد أصول الديانة.. وأما نقلياً فباستيعابه ما لا يخطر بالبال من كتب السنة المطهرة وتفريغها إسناداً ومتناً وتوثيقاً في كتابه الخصال.. ولئن فاته كتيبات قليلة كجامع الترمذي - مع أن الدلائل تدل على أنه عرفه - فلم يفته موسوعات لم يعرفها أهل المشرق كمسند بقي بن مخلد وتفسيره، وسنن ابن أيمن، وكتب عبدالسلام الخشني، وابن وضاح، والإمام ابن عبدالبر.. إلخ.. وكاتب أهل المشرق، وأخذ العلم الكثير من تلاميذه الذين ذهبوا إلى المشرق ثم عادوا منه بعد سنوات كثيرة مثل أحمد بن أنس ابن دلهاث العذري.. ثم شمر عن ساعد الجدّ فشرح كتاب الخصال بكتابة الإيصال في مجلدات كثيرة ضخمة مدمجة الخط، وحسبك أن كتابه المحلى الذي ألفه آخر عمره مع ضخامته اختصار متوسط للإيصال.. وحسبي أنني تتلمذت على هذا الإمام، وصححت منهجه من منهجه مع عدتي الفكرية والفلسفية، وإنني متهيِّئٌ لإقامة الظاهر تطبيقاً لو صرفت العمر الضائع في ذلك، فلعل الله يجعل في بقية العمر بركة.

فلسفة

* من المعروف أن الفلسفة أخذت من وقت الشيخ أبو عبدالرحمن بن عقيل الكثير، فما سبب ذلك؟

- تعلقي بالفلسفة من خلال الإمام ابن حزم - رحمه الله -، ولرسوخ عقيدتي الدينية - بفضل الله - حذقت دور الفلسفة ورسالتها، فلم أرها شيئاً غير نظرية المعرفة وآداب البحث، وما سوى ذلك مقحم يتعلق بالعلم الحسي كمباحث علوم الطبيعة أو بمسائل العقيدة كمباحث الإلهيات، ولكل علم فلسفته الخاصة، وإنما أعني الفلسفة العامة، وقد أسلفت أن دعامات الأصل الظاهري العلمي هي تحقيق النقل، وتحقيق لغته التي ورد بها، وتحقيق مسائل الفكر من براهين العقل في الفهم والتمييز وإحالة المحال وإيجاب المتعيّن واحتمال الممكن وبطلان المرجوح؛ إذن لست آسفاً على ما صرفته من وقت في هذه السبيل.

اعتزال

* في إحدى الأمسيات أعلنتم اعتزالكم الكتابة، وعزمتم على هجر القلم وتوديع الصحافة؛ وذلك للتفرغ للعلم؛ فكان لذلك أصداء واسعة جداً عندما انهالت أقلام المحبين يطالبونكم بالعودة والعدول عن هذا القرار المفاجئ، فهل كان التفرغ للعلم هو الدافع الحقيقي لذلك الاعتزال؟ وما سبب تراجعكم عنه؟ وهل ستعتزلون الصحافة دائماً؟

- لم أعتزل الصحافة، وإنما كانت مشاركتي وفق المناسبات، وقد ضعفت قدرتي على الالتزام؛ لكثرة مشاغلي، وعامل التقدم في السن، وكثرة الرعية، وجناية الالتزام الصحفي عليّ في تكدس كتب في مئات من الأضابير عجزت عن ترتيبها، فما بالك بتصحيحها، ولهذا كان أكثر تأليفي: إما بطريق الاستئناف، وإما بإعادة الإضافة والتهذيب لقليل من الأعمال التي تيسر لي وجودها مرتبة.

عامية

* عُرفَ عن الشيخ أبو عبدالرحمن بن عقيل موقفه «شبه الودي» من العامية، فإلى أي مدى يسمح الشيخ أبو عبدالرحمن باستخدامها على الصعيدين الثقافي والعلمي؟

- لا أعلم أنني استخدمت العامية في كتابتي، وقد تغلبني العامية كأبناء جيلي مشافهة بالنطق، وإنني أتعهد تقويم لساني بالفصحى، وإن كثيراً من الناس يظن أنني متنطِّع في هذه المجاهدة.. بل نقد العامية وتزييفها من همومي العلمية، وكتبت في ذلك كثيراً مثل كتيب (معركة العامية) الذي صدر عن دار الوطن بالرياض.. ولعلكم - حفظكم الله - تريدون اهتمامي بدراسة العامية لا استخدامها، فذلك شيء آخر.. أو تريدون نظمي بعض القصائد العامية، فذلك شيء آخر أيضاً.. أما دراستي للعامية فهي ضمن جمعي وروايتي وتدويني للشعر العامي القديم قبل استقرار الأمور بإعلان المملكة العربية السعودية؛ إذ لا عناية لي بالشعر العامي المعاصر، وهذا التدوين وتلك الدراسة للعامية ضرورة علمية، لتسجيل شيء فات تدوينه من التاريخ، أو تصحيحه، أو تكميله كما في دراستي عن معركة الصريف في كتابي (مسائل من تاريخ الجزيرة العربية) وأدرسها من أجل دراساتي اللغوية: لاكتشافي فصيحاً لا ذنب له إلا استعمال العامة له، ولاكتشافي فصيحاً لم يدوَّن: لأن كتب اللغة تدوِّن المادة ومعانيها وقد لا تستوعب الصيغ اتكالاً على القواعد الصرفية. وقد بين الإمام بن فارس في كتابه الصاحبي أن اللغة لم تصل إلينا كلها: إما مادة وإما معنى.. وقرر كلمة الإمام الشافعي رحمه الله: (إن لغة العرب لا يحيط بها إلا نبي).. وقد تتبع الإمام محمد بن داوود الظاهري كلمات للإمام الشافعي رحمهما الله مثل (الفثِّ). ثم عُلم بالتتبُع أنها من لغة العرب الفصيحة الشفهية أخذها من العرب: إذ عاش الإمام الشافعي رحمه الله مدة بين البادية، وهو أحذق أئمة الفقه بإطلاق بلغة العرب، وإنما تطاول عليه القاضي أبوبكر ابن العربي رحمه الله تُعصباً فقال: (هو عند قومه كسحبان وائل)، وهو عامي بالنسبة للإمام الشافعي!!

خطأ شنيع

قال أبوعبدالرحمن: لا والله، بل هذا واقعهُ، ثم دُوِّنتْ هذه الكلمات أخيراً، وألف الحافظ البيهقي رحمه الله كتابه (خطأُ من خطَّأَ الشافعي).. وكذلك عُنيت بالعامية من أجل الاستعمال المجازي النفيس الذي يجب على الفصحاء استحياؤه كالمجاز الأدبي الذي نجده في كناياتهم، وكالمجاز اللغوي الذي نجده في مفرداتهم، وأكبر وأوسع الأصول لنمو اللغة العربية المجاز اللغوي والأدبي، بل لا يُستبعد أن يكون بعض المجاز الأدبي مما حُفِظ بالمشافهة.. وبعض أصوليِّي اللغة يظن أن المولَّد عامي، وهو خطأ شنيع، بل هناك مولد عامي وهناك مولد فصيح بالمجاز.. وعُنيتُ بدراسة العامية وخطابها الأدبي لأجل الدراسات البيئية والخلقية والاجتماعية في صُقعٍ يعيش عدة قرون مطمورة تاريخياً.. وأما نظمي بعض الشعر العامي فتلك سوانح وجدانية أساهم بها بيئياً، وربما ابتدعت بها لحناً جديداً، ولا يُخشى على المتعلم أن يتحول إلى عامي وهو لم يهجر العلم لحظة؛ وإنما الخطر على عامي يظل على عاميته ولا يطلب العلم بالعربية.. وأين يكون للعامية قرار في وجداني استعمالاً أو استحساناً أو استباحة وأجلُّ مشايخي الحقيقين طبقات من العلماء القدماء تتلمذتُ على كتبهم تعلماً وهم أحذق العلماء بتأصيل اللغة كالإمام ابن فارس والراغب الأصفهاني والأزهري والفارابي صاحب ديوان الأدب رحمهم الله تعالى؟!.. وأما استعمالاً وتذوقاً جمالياً فأنا من مدرسة مجلة الرسالة منذ الزيات إلى دُريني خشبة، وقبلهما طه حسين وذو اللوثة المعجب الممتع زكي مبارك، ومن القدماء جداً الإمام ابن حزم والشافعي وابن جرير، فما أحلى أساليبهم وإن كان لدى بعضهم صعوبة!

فتنت بالمذياع

* نشأتم في بيئة محافظة دينياً واجتماعياً؛ فتلقيتم العلم الشرعي بين المعهد العلمي بشقراء وجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية بالرياض (ومعهد القضاء العالي)، ومع ذلك وقعتم في الفن والتدخين!!.. حدثنا عن ذلك؟.

- هذان أمران تركتُ الخير منهما منذ سنين، والأول وقعت فيه في مراهقة من العمر، وفراغ وجداني، وبيئة من الجلساء حبَّبوا إلي شيئاً ما كنت أعرفه من قبل، وكنت مفطوراً على تذوق الجمال، وفي أيام الناصريَّة فُتنت بالمذياع لمتابعة خطب عبدالناصر والحفلات الفنية التي تأخذ ساعات طويلة، وتسجيل ندوات بعض الشعراء المعاصرين الذين تستمتع بطريقتهم في الإلقاء كالجواهري، ومصطفى جمال الدين، وحسين بستانة؛ فأثَّر ذلك كثيراً في جزء كثير من عمري، وصرفني عن عزائم العلم وإن لم يصرفني عن العلم ألبتة؛ لأنني لست منهمكاً؛ وإنما أُصغي بمقدار ما أنشط؛ فلما استقرت حياتي بزوجة صالحة أخذ خُفوتُ هذه الظاهرة بالتدريج حتى تلاشى نهائياً بحمد الله وفضله؛ فإن وجدت لي في المستقبل دراسات جمالية مأخذوة من تجربتي الفنية فإنما ذلك لتصحيح أخطاء في العروض العربي، أو لتأصيل النظرية الجمالية المباحة.

العبث يجر إلى العبث

* توزعتم في الفن بين أم كلثوم ونجاة الصغيرة؛ فأهديتم للأخيرة نسخة من كتابكم (النغم الذي أحببته)؛ مما يدل على إعجابكم الشديد بصوتها وبفنها الراقي؛ فهل ما زال شيخنا أبوعبدالرحمن بن عقيل معجباً بها إلى الآن؛ أم أن الفنانة عريب قد سحبت البساط من تحتها؟

- العبث يجر إلى العبث، والمعصية تجر إلى أختها، وهذا التدرُّج الذي ذكرتم من هذا الباب، وقد مضى الجواب عليه في السؤال الثامن، وإنما أضيف أن لإبليس لعنه الله حيلة لئيمة؛ بالدفع إلى الصوت الجميل بحجة جمال الأداء، ولكن الممارسة أثبتت أن المستحسن على الحقيقة الصورة والتكسُّر العاطفي، وأن الأداء شيء ثانوي.

* آراؤكم حول الغناء والفن أثارت جدلاً واسعاً فما سبب ذلك، وهل الأوساط الشرعية لم تصل إلى مرحلة قبول الرأي الآخر، وهل ما زلتم على هذه الآراء إلى الآن أم تراجعتم عنها؟.

- الغناء جزء من الفن وليس رديفاً له، ومن الغناء بدون آلة ما هو مباح في نطاق ضيق رحمة من الشرع بشرط التجرد من المحظورات كتجديف الكلمة وإثارة الغدد الجنسية.. ومناسبات ذلك ضيقة كالأفراح والأعياد. ومع هذا فترك استماعه أفضل، وثبت لي بالتجربة العريضة أنه لا مكان للغناء المميت للقلب إذا حصلت العناية (بالتفرغ الكامل في وقت من الأوقات) لسماع كلام الله بصوت جميل جداً كصوت محمد رفعت وعبدالباسط عبدالصمد، مع التأمل لمعاني التلاوة، والمراجعة السريعة في كتب التفسير والقراءات، أو تسجيل ما ينبغي مراجعته إن ثقل على الإنسان المراجعة؛ ولهذا بحمد الله لا أضيع من وقتي شيئاً؛ فقد اقتنيت مسجلاً ضخماً ذا سماعات أربع موزعة في الزوايا الأربع لإحدى المكتبتين الكبيرتين.. استمع فيها لمحمد رفعت في وقت أدور فيه على أدراج الكتب لأستخرج كتاباً أو أكثر، أو لدخول الحمام لوضوء أو غُسل، وأستعين بذلك بعد الله على التذكر أو الحفظ؛ لأنه يردد بصوته العذب الآية أكثر من مرة بقراءات مختلفة، وأما على السير الكهربائي الذي يتراوح ما بين نصف ساعة إلى ساعة فأصغي فيه إلى عبدالباسط ابتداء من أول القرآن إلى آخره.. وهذا أعون على الحفظ، وأعون على الفهم؛ لأن الإنسان في تلاوته قد يغفل.. وفيه تصحيح لما عاش عليه طالب العلم من خطأ متوارث بالتلاوة؛ بسبب عدم التعهُّد لمصطلحات المصحف العثماني.. وأما الفن فمنه فن حِرَفي، ومنه فن جمالي، ومن الفن الجمالي ما هو مباح بل مستحب كالحذق للإيقاع الأخَّاذ في الكتابة الإنشائية، وهذا الشيء أَسِير في تسجيله على مهل بكتابي (العقل الجمالي).. وأما أثر ذلك في الأوساط الشرعية فقد أسلفت في ثنايا الأجوبة تضرُّري من ذلك، بل كان سماحة الشيخ ابن باز رحمه الله مدةً من الزمن يأنس لي ويباحثني، ثم رأيت تراجعه تدريجياً؛ لأن ممن يحضرون مجلس الشيخ - ولعل دافع أكثرهم الحسد - يطؤون عقبي في غيابي؛ فيحضرون للشيخ مقالاتي، بل كانوا ينقلون له صورة كاملة في لباسي وتحيُّفي للحيتي لما كانت قصيرة جداً، بل تقوَّل عليَّ بعضهم فتاوى فقهية لم أقل بها ألبتة، بل نسبوا إليَّ (على كثير من السوء عندي) ما أنا منه بريء وحسبي الله ونعم الوكيل.. وكان عليهم مناصحتي لا اغتيابي وبهتاني.. على أنني بحمد الله انتفعت انتفاعاً كثيراً كبيراً بمناصحة الشيخ وتربيته؛ فارتدوا على أعقابهم خاسئين.

وُردزوُرث

* أشرتم في مقدمة كتابكم (هكذا علمي وُردزوُرث) إلى أن الأفلام واجهة سينمائية وإعلامية وتثقيفية وترفيهية خطيرة يجب أن يساهم طالب العلم في استصلاحها بتوعية وتوجيه، وفيه نقدتم الكثير من الأفلام السينمائية؛ فهل نستطيع أن نقول عن الشيخ أبوعبدالرحمن؛ إنه ناقد سينمائي؟.

- نعم قولوا ذلك بملء أفواهكم: (إنني ناقد سينمائي)؛ فهذا نتاج شهور طويلة قضيتها في جاردن سيتي وكفر أبي صير، وحكمها اليوم حكم الغناء؛ فلم أُبق عندي بفضل الله وحمده شريطاً واحداً من الغناء أو الأفلام أو المسرحيات.
* عرف عنكم سرعة الانفعال والحنق، وقد سمعتُ أطرافاً من قصة تفيد بأنكم قلتم لأحد شيوخكم: (يا ثور)!!.. حدثنا عن هذا الموقف؟.
- أنت حفظك الله بهذا تنكأُ جرحاً نديباً، والذي قلت له هذه الكلمة إمام من أئمة المسلمين.. قلتها في حالة انفعال وسهو، ثم شربتني الأرض خجلاً، وقد رمى بأوراقي من البلكونة، وجرني بيدي، وأخرجني من باب الشقة، ولم يقارضني بكلمة سيئة.. وحسناً فعل رحمه الله، وبعد سنة صلَّيت معه الظهر في المسجد من غير أن يشعر بي، وصرت أمشي وراءه مخاتلةً حتى شرع في فتح باب الشقة؛ فهجمت عليه أُقبِّل جبهته وجبينه ويده؛ فأمضى وقتاً بالعبرات والنشيج، وتوفي رحمه الله وهو من أخص مشايخي، ومسح ما في خاطره، وكان من تلاميذه قديماً الشيخ عبدالله بن خميس الذي درس عليه في الحجاز على كِبَر وقد دعوتهما للعشاء معاً، وتحدث الشيخ بقصة طريفة عن شيخنا عبدالله بن خميس؛ فإن شيخنا كان يعجبه صوت بن خميس بالقراءة في دار التوحيد؛ فقال الشيخ مخاطباً عموم التلاميذ خاصاً الشيخ عبدالله بن خميس: (اقرأو يا قوم مسيلمة الكذاب): فقال الشيخ عبدالله بن خميس على البديهة: (نعم سلمك الله: ادعى النبوة فقتلناه، وادعى عندكم فرعون الألوهية فعبدتموه)، ومات الشيخ معجباً بهذا الرد، مُردِّداً له.
الحاجة إلى المفكرين
* ما هو موقفكم من الحداثة؟
- أما الحداثة الفكرية فواجب وضرورة متابعتها؛ لأن عصرنا بحاجة إلى علماء مفكرين، والحق ضالة المؤمن، وليس كل حداثة تكون حقّاً أو خيراً أو جمالاً، والعكس صحيح أيضاً، وقُل مثل ذلك عن التراث.. والمسلم إذا رُزق الصدق مع النفس، وكان ذا أهلية فكرية فإن الله يجمع له بين الذكاء بالذال المعجمة والزكاء بالزاي المعجمة، وهذا شيء معروف من الشرع بخيرية هذه الأمة، وأنهم شهداء على الناس، وأنهم لا يُصدَّرون للعالم الإلحاد والإباحية، بل الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر جاء في معرض التعليل لكونهم خير أمة أخرجت للناس.. وهذه الأمة ليست جنساً عربياً أو نوبياً أو بربرياً، بل هي عامة لجميع الأجناس إذا كانوا من أمة الإجابة وليسوا من أمة الدعوة.. وهكذا أقول عن الحداثة الأدبية؛ فإن فيها أصولاً جمالية ونماذج أدبية جمالية تُثري موروثنا، وفيها كثير من القبح الفني، ويسترحلها للتضليل أعداء لأمتنا من مِلِّليين ونِحْليِّين وطائفيين وشعوبيين؛ فنتعامل مع الحداثة بالعيار الجمالي وأعظم خصائصه عنصرا الكمال والجلال المأخذوان من قيمتي الحق والخير، ونكون على وعي بِهُوِيَّات وسير سدنة هذا الأدب، لنقرنها بما نجده من كيد تضليلي.. وبرهاني على ما ذكرته أن من جماليات البلاغة العربية في المجاز العنصر العقلي والحسي وليس فيه العلاقة النفسية التي نجدها في تراسل الحواس مثل وصف المسموع بالمرئي لعلاقة صاخبة أو مريحة في النفس؛ ولهذا نجد غفلةً من بعض علماء اللغة الرواد في العصر الحديث كالشيخ أحمد بك رحمه الله؛ إذ يحكم بعامية (قبلة حارة): وذلك غفلة من العلاقة النفسية التي جعلت هذا التعبير مجازاً لذيذاً.. وعن ثراء الحداثة الأدبية وتفجيرها للغة ذكرت في كتابي عن الأدب الحداثي تحليلاً لقصيدة (سوق القرية) للبياتي حيث اتسعت الدلالة مع العنصر الجمالي بتجاور الأشياء في المكان مع اختلاف الزمان على مذهب التصويرين الطبيعيين، وليس ذلك من الكناية الجزئية، وإنما هو تعبير بنسيج مكثف من الصور.
لا يتعلق بقيادة السيارة
* قيادة المرأة للسيارة، توزعت حرمتها بين الرفض الاجتماعي والحرمة الدينية، فكيف تصنفونها؟
- موضوع الحِلِّ أو الحرمة لا يتعلق بقيادة السيارة في ذاتها، وإنما يتعلق بغيريات تصاحبها، ويحكم ذلك قاعدة المصالح المرسلة بشرط السلامة من الغيريات المحظورة.
تجوير الله
* في كتابكم (ليلة في جاردن سيتي)، طرحتم الكثير من الحوارات والنقاشات التي دارت بينكم وبين القصيمي؛ ففي مواضع شتى أفحمتموه وقرَّعتموه بالحجج القاصمة؛ فمن خلال هذه السجالات ما هو سبب إلحاد القصيمي برأيكم؛ وهل ترجحون كونه عميلاً للصهاينة؟.
- وأما القصيمي فركيزته في تسويغ الإلحاد تجوير الله ووصفه بالظلم سبحانه وتعالى، وهذا أو عكسه من العدل والرحمة إنما يفهم من تفصيل الشرع، ثم إن براهين الحس والعقل لم تستطع تفسير وجود الكون إلا بخالق واحد لا أول له وله كل ما تظهره حالات الموجودات من عظمة ودقة ونظام ولطف.. إلخ على صفة الكمال؛ فحصل العلم العقلي بالكمال المطلق لله سبحانه وتعالى في وحدانيته وقدرته وقيوميته وهيمنته وإحاطته.. إلخ، ثم لما حصل الإيمان بذلك جاء الشرع ففصَّل كثيراً من صفات الله سبحانه وتعالى، وهي في ذاتها أسماء؛ لأنه لا يستحقها غير الله، وهذا التفصيل منه ما أنزله الله في القرآن، ومنه ما علمه الله بعض خلقه، ومنه ما استأثر به في علم الغيب عنده، فإذا كان عند اليهود وصف الله بأنه (مهندس الكون) فلا نردُّ المعنى لصحته، ولا نقبل الوصف باللفظ إلا بتوقيف من الشرع.. ومما فصَّله الشرع أن المخلوقات كلَّها جمادها وأحياءها خَلْقُ الله وملكه يتصرف فيها كما يشاء، ولكن الله برحمته لمخلوقاته حرّم الظلم على نفسه، بل اتسعت رحمته وإحسانه.. وقد امتحن الله إيمان عباده كما امتحن تميزهم في العلم بمفردات في القرآن الكريم عن إضلال الله من يشاء، وعلمه بما في قلوب بعضهم من عدم قبول الحق، ومن تلك المفردات الطبع والختم والغشاوة، وسلب نعمة السمع والبصر والفؤاد.. وبما أن دين الله يقوم على الجمع بين النصوص، ومعرفة المراد منها مجتمعة، فقد تبيَّن لي بحمد الله بيقين قاطع لا يعارضه أي احتمال معتبر أو غير معتبر: أن إضلال الله جزاء في الدنيا مثل جزائه في الآخرة لا يكون منه ابتداء، وإنما يجازي به من أمن في عناد الحق واتباع الهوى، ولا أزال أحرر كتابي (لا إيمان إلا بإذن الله)، وإنما رهنته بإكمال ما لم أسمعه بعد من تلاوات المقرئين؛ فعسى الله أن يشرح صدر أخي أبي بشار خالد المالك بطبعه على حلقات في جريدة الجزيرة ابتداءً من شهر الله المحرم عام 1429هـ.. وتعلُّق القصيمي بمسألة التجوير في إضلال الناس مخالفة عناديّة لمنهج البحث والمناظرة وآدابها، لأن العلم بذلك أو بعكسه فرع عن العلم بما أسلفته من الكماليات المطلقة لله جل جلاله، فكل عظمة في كون الله فهي دالة على خالق أعظم، وكل دقة في المخلوقات كخلق البعوضة، وكل إرفاق بالمخلوقات دالان على لطف الله.. وعمالته للصهيونية ظهرت لي من ثنائه على التوراة وأنها شاعرية، وأن بقية كتب الله وضع بشري.. وظهرت لي عمالته أيضاً من شجبه بعنف لما يظهر من اهتمام عربي باسترداد فلسطين أيام مجد الناصرية، لأنه يرى إسرائيل نملة وديعة، وأن وجودها بين العرب ضروري لتمدين وتحضر هذه الشعوب الهمجية.
سبب إلحاده
وأما سبب إلحاده فله باعثان:
أولهما: ضيق صدور علمائنا لما ظهرت منه بوادر التجوير، فلم يسمع إقناعاً وإنما سمع زجراً.. هكذا صارحني، وعندما انتقل إلى الأزهر ظل على عقيدة السلف، وصدرت له الكتب الجيدة النافعة المؤمنة إلا أن التجوير، والزهد والتقشف عند بعض العلماء كانا عقدته، مما حدا به إلى إطلاق أول صرخة كافرة بكتابه (هذه هي الأغلال)، وكان عَلَّق على قول الوعاظ:
إن لله عباداً فظنا طلقوا الدنيا.. إلخ؛ فقال: (نعم طلقتم الدنيا فنكحتها أمريكا؛ فكانوا الأحق بعمارة الكون).
وثانيهما: جولته التي قام بها من لبنان إلى بعض الأقطار الشرقية أيام عنفوان الشيوعية، فعُني بشيء من الفلسفة لا بالفلسفة كلها، فلم يقرأ إلا للفلاسفة الملحدين، ومع هذا عجز عن هضمها، فصار إلحاده بكاء رومانسياً كثير التكرار بعبارات مترادفة، فخمسون صفحة من كتبه تستطيع جعلها في خمس صفحات من غير إخلال بشيء من معانيه.. ولا آمن أن الشعبية الزائفة آنذاك للمتحررين بعقولهم شيء استطعم سكرته، فكان ذلك سبباً ثالثاً لإلحاده.
ليست غريبة
* في الآونة الأخيرة انتشرت ظاهرة الإلحاد، فتشكلت العديد من الجمعيات ومواقع الإنترنت (المنتديات) التي تجمع هؤلاء العابثين الملحدين من العرب المسلمين قبل أن يرتدوا، فكيف تفسرون انتشار هذا الانحراف؟
- الصواب: فنشكِّل عدداً، وهذه الظاهرة ليست غريبة، بل متوقع انتشارها واتساعها لأن النصوص تواترت بأن الدين سيعود غريباً آخر الزمان إلا في المدة التي يأذن الله فيها بقيام دولة للمسلمين.. ومن أسباب انتشار الإلحاد ضعف المسلمين في العلم المادي واختراع ما تتحقق به القوة، والجسور الحصينة التي تحول بينهم وبين ذلك، فكان السُّذَّج يقرنون هذا الابتلاء للأمة بفساد الدين وصحة الإلحاد، ويحجبون عقولهم عن تفسير وجود الكون بغير خالق واحد مدبِّر، ويقصر نظرهم عن الإيمان بأن الله أول لا شيء قبله، ومع أن هذا الإيمان ضرورة عقلية، وليس من المُحالات ولا من المَحارات، لأن أحد قسمي الزمن الزمن السرمدي الذي لا يضبطه جرم لا أول له: فضرورة العقل الإيمان بأنه لا أول له، وهذا هو الواقع بأولية الله سبحانه فلا زمان سرمدياً إلا وهو مسبوق بوجود الله لهذا كان ربنا هو الأول لا شيء قبله.. ومن أسباب الإلحاد طلب الشعبية الزائفة لدى كثرة كاثرة تمجد الإلحاد وضعفاء العقول يمجِّدون التلميع.. ومن الأسباب الخلو من التجربة النفسية الذاتية، فإن من بذل الأسباب لمعرفة الحق واتباعه فإنما هو على الأسوة العقلية لبذل الأسباب فيما ينفع ويريح في الدنيا، وذلك هو دعاء الله بصدق في طلب الهداية التوفيقية بعد وجود الهداية البيانية الإيضاحية في الكون والشرع فمن فعل هذا السبب (وأراهن على ذلك) عاش التجربة النفسية الصادقة التي يرى فيها ألطاف ربه المتوالية ويرى فيها انشراح الصدر، ويرى فيها الطمأنينة فيحب الله من أعماق قلبه حباً ليس هو الاتباع فقط ولكنه حب شكر وحمد، والحمد على قسمين: مدح لله على كماله، وشكر له على آلائه.. والذين يُصدِّرون الإلحاد والإباحية هم اليهود في مؤسستهم الصهيونية السياسية والفكرية التي اتخمت بمن افترسوه من الأمم الأخرى فكانوا صهيونيين غير يهود وباعث ذلك أن دينهم المحرف المبدل يعد في آخر الزمان بدولة يهودية واحدة تحكم العالم، ولن يكون ذلك إلا بانتشار العفن إلحاداً وإباحية في غير اليهود الذين يسمونهم جوييم، فلما أبطأ عليهم هذا الوعد قالوا: إنما يتحقق ذلك بفعلنا في تصدير الإباحية والإلحاد للبشر.. ومن العجيب أن زعماء العالم من أهل الكتاب الذين بيدهم القوة العسكرية والمالية والعلم المادي متدينون جداً بدين فيه شيء من الحق وكثيره باطل، وقد نجحت الصهيونية السياسية والفكرية في إقناعهم بفكرة الدولة العالمية الواحدة، والشركة العالمية الواحدة، والإيمان بالمعركة الفاصلة آخر الزمان المسماة (هرمجدون)، وقبلوها تضليلاً بأنها دولة عيسى بن مريم عليه السلام، وإنما الذي عند اليهود المسيح الدجال الذي يزعمون أنه ملك داوودي مع أن بني إسرائيل العرق يكادون يكونون منقرضين، وإنما الجمهور يهود الخرز وشُذاذ الآفاق.. ومن هذه الميتافيزيقا الدينية كان السيل الجارف عن العولمة ونهاية التاريخ وصراع الحضارات، والاعتداد بالتلموذ والتوراة أصلاً، والحكم على العهد الجديد بأنه تكميلي قابل للتأويل..
ومن أسباب الإلحاد هجر تلاوة القرآن، والغفلة عن براهينه التي لا يقاربها تقعّر الفلاسفة والعلماء المؤمنين - ودعك من الملحدين - والظن بأنه لا برهان فيها وهي أم البراهين.. مثال ذلك قوله سبحانه وتعالى: (هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ اللَّهِ) سورة فاطر (3).
فهذا برهان متين قوي؛ لأنه سؤال إنكار، وسبب الإنكار ما عندهم من علمٍ إذا تذكروه قام لهم البرهان؛ فهم يعلمون أن معنى (الخلق) بلغتهم - وبأي لغة ترجم - هو الايجاد من عدمٍ محض، أو من مادة من خَلْق الخالِق نفسِه.. وعلى غير مثال أو شبهٍ إلا أن يكون ذانك من المثال أو الشبه الذي خَلَقه الخالق نفسه؛ فهل يستطيع أحد أن يقول مثلاً: إنه خلق الأرض.. والصنع البشري منذ صنع السيف إلى صنع الذرة ليس خلقاً، بل هو صنع وتأليف من مادة خلقها الله كالتراب والماء والهواء والنار، ثم ما تم اكتشافه من عناصر كيمائية في حدود عشرين ومئة عنصر.. ثم هو صنع بأنامل خلقها الله، ومهارات خلقها الله، وتربية لم تتم إلا بإرادة الخالق وقدرته.. وبمواهب خلقها الله كالعقل الذي يتربى منذ التمييز، إذ ولد الإنسان لا يعلم شيئاً إلا الإرادة الغريزية التلقائية التي خلقها الله.. وهو عقل يعلم اليوم ما لم يكن يعلمه أمس، وقد ينساه غداً.. ويدركه الكلال والوهن والوهم والخطأ، ثم يردُّ إلى أرذل العمر فلا يعلم من بعد علمٍ شيئاً، إذن الله خالق الخلق وما صنعوا.. إن كثيراً من براهين الشرع يقضي بمحاسبة العقل نفسه، والنظر في الآفاق والأنفس.. ومثل ذلك قوله تعالى: (وَجَعَلْنَا السَّمَاء سَقْفًا مَّحْفُوظًا وَهُمْ عَنْ آيَاتِهَا مُعْرِضُونَ) (32) سورة الأنبياء.
فعلوم الخلق في زمن مضى تستحي من إنكار السماء والسقف، لأن علمهم بالفضاء قاصر، ثم جاء العلم الحديث ومعه أحدث خريطة للفضاء هائلة وقد اعترفوا بالنقطة السوداء التي وراءها المجهول، ولم يدَّعوا أنهم اكتشفوا سماء ذات سقف قدّره الشرع بمئات الأعوام.. وفهم بعض المهزومين فكرياً آية من سورة الرحمن على غير وجهها، فظنوا النفاذ للسماء بسلطان، وحملوه على العلوم!!
إصرار وعناد
قال أبو عبد الرحمن: كلا، بل السلطان القدرة التي سيظل البشر محرومين منها لأن الشرع - بالبراهين من غرائز العقل ومكتسباته من الخبرة الصادقة التي ينتقل بها العلم الحديث إلى اكتش
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://alhadyalzahry.yoo7.com/index.htm?sid=c2228a5c38d098018d4d
 
الجزيرة تحاور إمام العصر ( ابن عقيل الظاهرى)
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» تساؤلات لشيخنا العلامة ابن عقيل الظاهرى
» رسالة من شيخنا ابن عقيل بشأن نشر كتابنا ابن حزم الظاهرى بدار ابن حزم
» "الجزيرة": التحقيق فى تجسس موظفين بشركة اتصالات بمصر لصالح إسرائيل
» أبو تراب الظاهري رحمه الله " سيبويه العصر.
» محاضرة عن أهل الظاهر فى العصر المملوكى بالجمعية التاريخية

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
 :: منهج أهل الظاهر :: مقالات أهل الظاهر من المعاصرين :: قسم العلامة ابن عقيل الظاهرى-
انتقل الى: