الرد على العلامة عبدالله كنون فى قوله بأن الدولة الموحدية لم تكن ظاهرية

إخوانى الكرام حياكم الله وبياكم وجعل الجنة مثوانا ومثواكم .
نلتقى معا فى هذا القسم الذى يذب عن اهل الظاهر وينافح عنهم لنضع موضوعا كنا قد وعدنا بطرحه على هذا الموقع الموقر .
وهذا الموضوع يخص ما صرح به العلامة كنون فى كتابه النبوغ المغربى من ان الدولة الموحدية لم تكن دولة ظاهرية .
وكنا قد تعقبنا المرحوم عبدالله كنون فى أطروحتنا للدكتوراة بشأن كلامه آنف الذكر .
ونحن نستل هذا الكلام من الأطروحة ونضعه هنا للفائدة .
ذهب عبدالله كنون إلى أن حكم الفقهاء على الموحدين بأنهم كانوا ظاهرية حكما ناشئا من ذلك الصراع بين المالكية والظاهرية الحزمية بالمغرب والأندلس فأطلقه فقهاء المالكية على الموحدين من باب التشنيع والتهجين كما يقال اليوم فى كل من كان سلفى العقيدة إنه وهابى تنكيتا عليه وتنفيرا من مذهبه ، كما احتج كنون على عدم ظاهرية الدولة الموحدية بأن أحدا من مؤرخيها لم يقل أنها ظاهرية( 1) وهذا القول لا يمكن قبوله من وجوه:

الأول : أنه لا دليل عليه من قول أو رأى أو نص أو رواية .
الثانى : أن ابن زرقون الفقيه المالكى لما حضر محاورة فى مجلس عبدالمؤمن أخبر بأن هدف عبدالمؤمن من ذلك حمل الناس على المذهب الظاهرى ولم يظهر فى قوله أى تهجين أو إشانة ، وإنما كان يصدر حكما على أمر عاينه ، وكذا الونشريسى وصف ابن تومرت بالظاهرى دون تهجين ، ومن قبله ابن فرحون المالكى أكد ظاهرية الدولة الموحدية بلا تهجين ، وصاحب بيوتات فاس والشاطبى أقرا بظاهرية الدولة مع وصف هذه الظاهرية بالبدعة والهوى حسب معتقده ومذهبه ، وهو ما يؤكد حقيقة أن الموحدين كانوا ظاهرية باعتراف فقهاء المالكية ، وليس تشنيعا أو تهجينا ، ولو كان الأمر تهجينا أو سبا لما أقروا بظاهرية الدولة.
الثالث : أن المعاصرين للأحداث من أمثال المراكشى – أحد مؤرخى الموحدين - أكدوا على ظاهرية الدولة ، كشهادة للتاريخ كما سبق .
الرابع : أن كنون ناقض نفسه وكلامه السابق لما أكد على نشاط المذهب الظاهرى فى عهد الموحدين نشاطا كبيرا رغم الخطة المنظمة من رجال الموحدين للقضاء على المذهب المالكى( 2) ، فإذا كانت الدولة ليست بظاهرية فكيف تسمح بنشاط مذهب لا تتبناه إلى الدرجة التى أكد عليها كنون آنفا، وكيف تعمد إلى مذهب طالما ناصب الظاهرية العداء فتضع خطة منظمة للقضاء عليه ما الداعى وراء ذلك إن لم تكن الدولة الظاهرية أصلا .
الخامس : أن كنون حاول أن يفسر دعوة الموحدين إلى الكتاب والسنة بأنها دعوة إلى الاجتهاد فقط وليست دعوة إلى الظاهر(3 ) ، وهنا أيضا تناقض فى قوله إذ إنه قال بعد ذلك بأن المذهب الظاهرى نشط نشاطا كبيرا ، وأن خطة وضعت من الدولة للقضاء على مذهب بعينه هو المالكى .
فإذا كانت دعوة الموحدين هى دعوة للاجتهاد بدون مذهبية فلماذا قربت إليها أتباع المالكية ممن قبل النهج الظاهرى ؟
ولماذا لم يضهد أهل الظاهر الذين سعوا لتمكين مذهبهم ، فى حين اضطهدت المالكية ؟!!
ولماذا حكم من عاصر الأحداث من الفقهاء والمؤرخين ، ومن جاء بعدهم بظاهرية الموحدين كما سبق ؟!!!!
ثم إن هناك أمرا آخرا غفل عنه كنون وهو أن الظاهرية ليست مذهبا قدر ما هى منهجا ، ومن ثم فالحجة عندها للدليل وليست للأقوال ، وليس فى المذاهب الإسلامية ما هو مثل الظاهرية فى ذلك ، ومن ثم فقوله أيضا رغم تناقضه مع باقى كلامه ففيه إثبات لظاهرية الموحدين التى لا تعتمد على تقليد ولا على اتباع آراء ، وإنما تعتمد على الدليل من القرآن والسنة .

وقد عبر ابن زرقون عن ظاهرية عبدالمؤمن بقوله : " كل ذلك مراده أن يحمل الناس على مذهب ابن حزم" (4 )
ولنصغ إلى ابن زرقون الذى شهد واقعة جمع عبدالمؤمن بن على للفقهاء وذلك لحمل الناس على المذهب الظاهرى فيحدثنا بقوله " كنت فيمن جمعهم – أى عبدالمؤمن- فقام على رأسه كاتبه ووزيره أبوجعفر ابن عطية فخطب خطبة مختصرة ، ثم رد رأسه إلى الفقهاء ، وقال لهم : بلغ سيدنا أن قوما من أولى العلم ، تركوا كتاب الله وسنة رسوله عليه الصلاة والسلام ، وصاروا يحكمون بين الناس ، ويفتون بهذه الفروع والمسائل التى لا أصل لها فى الشرع ، وقد أمر أن من فعل ذلك بعد هذا اليوم ، ونظر فى شىء من الفروع والمسائل ، عوقب العقاب الشديد ، وفعل به كذا وكذا وسكت ، ورفع الأمير عبدالمؤمن رأسه إليه وأشار عليه بالحلوس فجلس ، وقال : سمعتم ما قال ؟ قال له الطلبة نعم. قال : وسمعنا أن عند القوم تأليفا من هذه الفروع يسمونه الكتاب – يعنى المدونة- وأنهم إذا قال لهم قائل مسألة من السنة ولم تكن فيه ، أو مخالفة له قالوا : ما هذا فى الكتاب أو ما هو مذهب الكتاب وليس ثمة كتاب يرجع إليه إلا كتاب الله تعالى وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم ، قال :وأرعد وأبرق فى التخويف والتحذير من النظر فى هذه الكتب ، والفقهاء سكوت . ثم قال : ومن العجيب أنهم يقولون أقوالا برأيهم وليست من الشرع ، فيقولون من طرأ عليه خلل فى صلاته يعيد فى الوقت ويتحكمون فى دين الله تعالى ، لأنها إما صحيحة فلا إعادة ، وإما باطلة فيعيد أبدا ، فيا ليت شعرى من أين أخذوه فصمت القوم ولم يجبه أحد ، لحدة الأمر والإنكار... ، ثم قام ابن زرقون وحاول أن يجيب عبدالمؤمن ويحل له الإشكال إلى أن قال " يا سيدى جميع ما فى الكتاب – يعنى المدونة- مبنى على الكتاب والسنة ، وأقوال السلف والإجماع ، وإنما اختصره الفقهاء تقريبا لمن ينظر فيه من المتعلمين والطالبين ، فانطلقت ألسنة الفقهاء الحاضرين حينئذ ووافقونى على ما قلت – أى ابن زرقون- قال ابن زرقون ثم دعا – أى عبدالمؤمن- فقال : اللهم وفقنا يا رب العالمين ، وقام إلى منزله... " (5 ).

ــــــــــــــــــــــــ
(1 ) عبدالله كنون ، النبوغ المغربى ، ط2 ، 1380هـ/1960م ، 1/125 ،124.
(2 ) أنظر : النبوغ المغربى ، 1/123.
(3 ) أنظر : النبوغ ، 1/123.
( 4) أبوراس العسكرى ، الخبر المغرب ، نقلا عن المنونى ، حضارة الموحدين ، ص83 ، هامش 8.
( 5) نقلا عن عليش ، فتح العلى المالك فى الفتوى على مذهب مالك ، دار الفكر ، (د.ت) ، 1/102،103.