هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.



 
الرئيسيةالرئيسية  أحدث الصورأحدث الصور  دخولدخول  التسجيلالتسجيل  

 

 تفسير مراد أهل الظاهر من العمل باليقين وإبطال الظنون

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
العلاء الوزاني الظاهري
عضـــو
عضـــو



عدد المساهمات : 10
تاريخ التسجيل : 17/11/2010

تفسير مراد أهل الظاهر من العمل باليقين وإبطال الظنون  Empty
مُساهمةموضوع: تفسير مراد أهل الظاهر من العمل باليقين وإبطال الظنون    تفسير مراد أهل الظاهر من العمل باليقين وإبطال الظنون  Icon_minitime1الأربعاء نوفمبر 17, 2010 10:05 am

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على خاتم الأنبياء والمرسلين، أما بعد:

فإن من القواعد التي تهم طالب العلم الظاهري معرفة مراد أهل الظاهر من قولهم ( العمل باليقين ) أو قولهم: ( يجب العمل بيقين النصوص ) أو قولهم: ( بظاهر النصوص ) ونحو هذه العبارات التي تتردد على ألسنتهم وفي كتبهم وتنقل عنهم في كتب المذاهب، فمعرفة هذا المعنى مهمة أيضاً عند غير الظاهري حتى يميز اصطلاحات القوم ويعرف مرادهم في كتبهم ومقالاتهم فلا يشكل عليه هذا المعنى، ولا يحكي عنهم ما ليس من قولهم، ولا يلزمهم ما لا يلتزمونه.

فأريد اليوم أن أسلط الضوء على هذه المسألة لتكون إن شاء الله واضحة لمن طلبها، فأقول وبالله تعالى التوفيق:

قد أمر الله تعالى كل مسلم إذا سمع كلاماً منسوباً لله تعالى أو لرسوله صلى الله عليه وسلم أو لدينه أن يطلب برهان صحة ذلك الكلام المنسوب لله عز وجل ولرسوله صلى الله عليه وسلم ولدينه، وأن لا يقبل من أحد قول إلا ببرهان صحيح لا شك فيه، وذلك في قوله جل وعز: { قل هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين }.

ويرى أهل الظاهر أن البرهان هنا: ما كان متيقناً وإلا لما قامت حجة على أحد، إذ لو كان البرهان هنا ظنياً لبطلت الديانة كلها ؛ لأن كل من يدعي شيئاً على الشرع فإنه إما أنه قائل بيقين، وإما أنه قائل بظن، ولو أسقطنا اليقين وقبلنا بالظن: لكان قول كل قائل صحيح لا إشكال فيه، وواجب قبوله، وفي هذا إبطال لقوله جل وعز: { ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافاً كثيراً } بل وإبطال الدين كله، فكل ما كان من عند الله تعالى فلا يختلف ولا يتعارض ولا يتناقض، وهو شيء واحد، سواء جاء ذكره في القرآن أو جاء في السنة النبوية الصحيحة، فهو كله حق واحد لا يتناقض.

ووجد أهل الظاهر أسباب الاختلاف لم تنشأ من اليقين المتحقق عند المختلفين، وإنما نشأت عن العمل بالظن، ووجدوا الله تعالى قد حرم عليهم القول عليه بالظن، فأبطلوا الظنون في دين الله تعالى، وحرموا القول على الله تعالى وعلى رسوله صلى الله عليه وسلم بما لا يقطع به المسلم.

وبهذا المنهج فارق أهل الظاهر جميع أهل الاجتهاد وأهل التقليد في المذاهب، فلا عمل بظن ولا بغالب ظن عندهم، وإنما هو عمل واحد على ما أمر الله عز وجل، وكله متيقن ظاهره، حتى أن غير الظاهرية إذا سئلوا عن الظاهرية ومنهجهم قالوا: من يبطل القياس، فإن قيل له: لماذا أبطلوه ؟ قالوا: لأنه لم يثبت قطعاً عندهم، وإنما ثبت ظناً، والظن حرام عندهم.

فهذا يخبر به غير الظاهرية عن الظاهرية، فالأمر أصبح مشهوراً ليس عند الظاهرية فقط، بل حتى عند مخالفيهم، ولو عمل الظاهرية بالظن لكانوا سواء مع أهل الرأي والقياس، ولأمكن إلزامهم بإثبات القياس الذي ثبت عند أهل الرأي بالظن، فمن تأمل ذلك علم خطورة هذا الأمر.

وكل منهج لا تطرد قواعده وأصوله فلا بد أن ثمة خطأ فيه، فإن أثبت الظاهرية العمل بالظن في جانب من جوانب الشريعة، فيلزمه إثباته في غير هذه الجوانب وإلا كانوا متحكمين مبطلين، إذ يثبتون بعض القواعد بالظن، ويبطلون بعضها والحجة في إبطاله أنه ظن ! وفي هذا ما فيه من فساد المنهج وبطلانه وضعفه وإن أبى من ذلك العامل به، فليس الأمر بالتمني، وإنما هي أصول وقواعد إذا التزمتها بشهادة النص لها: فواجب التزامها في كل باب وكل فرع.

فمن قال بالظن فيقال له: من أي وجه قلتم: أن الحكم بالظن حرام، ثم عملتم به في أصول أو فقه أو حديث أو عقيدة ؟ ومن أي وجه أنكرتم على من خالفكم من أهل الرأي حين اجتهد رأيه وعمل بالظن وأنتم مثله سواء في العمل بالظن ؟

فمن أخطر ما يضر طالب العلم أن يهمل تحرير أصوله التي يراها الحق بحسب ما ثبت في القرآن والسنة الصحيحة، ولا يجوز له أن يعتقد بأصول لم تثبت قطعاً على ما أمر الله تعالى بطلب البرهان لتصحيحها، فهذا واضح إن شاء الله لمن تدبره.

أما قول أهل الظاهر: يجب العمل باليقين، وأننا متعبدون باليقين لا الظن.

فلا بد أن تميز بين أمرين:

الأمر الأول: ما أمر الله تعالى به في النصوص الشرعية.
وهو الظاهر من النص، والظاهر هو الواضح البين، وهو يشمل: معنى اللفظة، وسياقها الذي وجدت فيه، وصيغتها عند العرب، وعلاقتها بما قبلها وبعدها من ألفاظ وحروف، وما يلزم عن ذلك اللفظ ضرورة.

وهذا الأمر واضح لا إشكال فيه، وليس هو المراد من كلامي الآن، ويطلق على هذا: يقين النص، والظاهر النصي، وغيرها من ألفاظ مشهورة عند أهل الظاهر.

ولم يفهم أهل الرأي معنى الظاهر عند الظاهرية حتى ظنوا أنه الحرفية، وهذا استخفاف بعقلية أهل الظاهر ؛ لأن الحرفية أو الوقوف على اللفظ فقط إسقاط للظاهر ومخالفته وليس عملاً بالظاهر، فكل ما ذكرته آنفاً فهو الظاهر من اللفظ، والوقوف مع اللفظ بعض الظاهر لا كله، ولا يجوز العمل ببعض الظاهر دون بعض، ووقعوا في هذا لخطأ في الفهم عن أهل الظاهر، ولمسائل رأوها ولم يميزوا سبب قول أهل الظاهر فيها فأطلقوا القول بأن الظاهرية حرفية، وهذا باطل لا يصح في أصولهم أصلاً، ولا هو من منهجهم.

الأمر الثاني: ما لم يأمر الله تعالى به في ظاهر النصوص الشرعية.
وهو على قسمين:

القسم الأول: اللفظ أو المسألة التي لم يأت بها حكم الشرع.
فأما الذي لم يأت به نص فهو واضح لن أتكلم عنه فليس مقصوداً في كلامي.

القسم الثاني: الباطن من اللفظ الوارد والمسألة التي جاء بها حكم الشرع وعلق الحكم بالظاهر لا الباطن.
ففي هذا القسم كلام وتفسير، وهو المقصود من كلامي السابق كله.

فاعلم علمني الله وإياك: إن أكبر الإشكالات التي وقعت لبعض طلبة العلم أنه رأى بعض أهل العلم يعبر عن الأمر الباطن هذا بأنه من باب غلبة الظن، فأوقع هذا الشك والإشكال في نفوس بعض أهل الظاهر.

وحقيقة ذلك: أن الشرع إذا جاء بحكم من الأحكام المفسرة الواضحة: فإن العمل به هو عمل باليقين، ولا علينا حينها إن كان باطن هذا الحكم أو الشيء بخلاف ظاهره، فنحن نعمل بالظاهر منه ولا نفتش عن الباطن ؛ لأن الله تعالى لم يعلق الحكم بالباطن.

ومثال ذلك: الأعمى الذي لا يعرف دلائل القبلة، ولا قام عنده يقين يصحح له أي ناحية تخيلها.

فأهل الظاهر قالوا: يسقط عنه فرض استقبال القبلة إن عدم دلائل القبلة من خبر وغيره، ويصلي حيث شاء، وصلاته صحيحة، وإن علم بأنه صلى إلى غير القبلة ووقت الصلاة لم ينته بعد: فليس عليه أن يعيد الصلاة ؛ لأنه لم يكلف في ذلك الوقت إلا بمعرفة القبلة، وأنه إن جهلها ولم يكن عنده دليل عليها: فلا يلزمه التوجه ناحيتها، ويصلي كيف شاء، فالصلاة وقعت صحيحة، ولا معنى لإعادتها.

ويكون وصفنا للمصلي هذا: أنه عمل باليقين وليس عملاً بالظن، ولا علينا هل أصاب ناحية القبلة أو لم يصبها ؛ لأن إصابتها وهو جاهل بها ومتعذر عليه معرفتها ليس من فرضه ولا هو الظاهر في حقه، وهذا قول داود ومن بعده من أهل الظاهر، وبه أقول.

وقال بعض الظاهرية المعاصرين: إن دخل الأعمى الحمام، فتلمس بعصاه مكان قضاء الحاجة، فوجده على ناحية ما، وهو يعلم أن البيت لمسلم، فظن أن المسلم لا يوجه مكان قضاء الحاجة إلى القبلة، ونظر في فراش صاحبه فوجده متجه إلى ناحية ما، فظن أنه وجه الفراش ناحية القبلة، فصلى ظناً منه أن هذه دلائل على ناحية ما.

قالوا: هذا عامل بالظن ؛ لأنه لا يحقق إن كان صلى ناحية القبلة أو لم يصل.

قال أبو عبد الله: فتحرير هذه المسألة أن يوجه للقائل هذا هذا السؤال: هل فرض الأعمى الذي جهل أو تعذرت عليه معرفة القبلة أن يفعل ما وصفتم ؟ أو يكفيه أن يصلي حيث شاء ؟

فإن قالوا: فرضه أن يفعل ما وصفنا.
كلفوا البرهان على هذه الصفة ولا بد ؛ لأنه لا يجوز نسبة شيء إلى الله تعالى ودينه بغير برهان، وهم لا يجدونه أصلاً.

وإن قالوا: فرضه أن يصلي حيث شاء ما دام قد تعذر عليه العلم بذلك.
صدقوا وأصابوا الحق، وأغنونا عن قولهم بأن هذا عمل بالظن، فالله تعالى لم يأمرنا بالعمل بهذه الصفة المظنونة، وإنما كلفنا الدلائل والخبر من الذي يعرف القبلة، فإن جهلنا ذلك أو تعذر ما وصفت: فيصلي المسلم حيث شاء ولا يعيد صلاته وإن كان قد صلى إلى غير القبلة.

فهذا يدلك على أن هؤلاء نظروا إلى باطن الشيء، أو باطن العمل، فهل كان العمل ناحية القبلة أو لا ؟ فوجوده يحتمل:
فإما أن يكون الأعمى قد صلى ناحية القبلة وإما أنه لم يصل ناحيتها، فاعتبروا هذا من العمل بالظن وهو ليس كذلك ؛ لأنه لم يؤمر بذلك العمل.

وهذه هي القضية التي تسألها كل من يقول بهذا ويتصوره، فهل أمر بهذا العمل المظنون أو الباطن المحتمل المظنون أو لا ؟

ومثال ثاني: من بلغه الأمر وعمل به ثم جاء النسخ ولم يعمل به.

فأهل الظاهر يقولون: من بلغه الأمر الأول، ثم عمل به، ولم يأته الأمر الناسخ للأمر الأول: فهو عامل باليقين الذي ثبت عنده، فالله تعالى لم يكلف الناس معرفة اليقين الذي عنده، وإنما كلفهم إثبات ما قام البرهان على إثباته، فهم يستمرون على تلك النصوص حتى يثبت عندهم يقين آخر فيه نسخ ما كانوا عليه، ويذكر أهل الظاهر قصة تحويل القبلة وغير ذلك من مسائل.

فيقول القائل: هؤلاء الذي علموا بالأمر الأول عملوا باليقين، ومن علم بالناسخ عمل باليقين، فهذا تناقض وتفاسد.

فأقول: ليس الأمر كما تصوره القائل ؛ لأنه لم يفرق بين ما كان واجباً على المجتهد من العمل بما علمه من نصوص متيقنة، وبين إعذاره فيما جهل، وبين الحق والصواب الذي يحبه الله ويرضاه.

فالله تعالى ألزمنا بشيء وبعمل ما، ولم يلزمنا بإصابة ما عنده دائماً، فإن ذلك لا يدريه أحد، ولكن علمنا: أن ما يرضاه هو في القرآن والسنة الصحيحة، وعذرنا إن جهلنا الحديث الصحيح وعملنا بخلافه.

إذن: رضا الله تعالى عن فعلك لا يعني أنك عملت بما يرضاه من أمره الشرعي في حكم تلك المسألة، فالجاهل بالنص الشرعي والذي أفتى بخلافه بعد البحث والتقصي مرضي عنه، وقد عمل بما أنزله الله تعالى من الوقوف مع البرهان والمطالبة به، فاستحق الأجر.

أما إصابة الحق في المسألة فإنما هو مبني على معرفة جميع نصوص المسألة، وجميع معاني ألفاظها، وهذا من أصابه فقد عمل بما يرضي الله تعالى من الجهتين، من جهة الاجتهاد وطلب البرهان، ومن إصابة الحق عنده تعالى، وهذا لا يحصل لكل مجتهد أصلاً.

فمن كلف الناس إصابة الحق عند الله في كل قول فهو مبطل للشريعة كلها، وإنما نحن نقطع أن الله تعالى أراد منا هذا الحكم الذي علمنا نصوصه فقط بعد بحث واجتهاد، إذ هذا هو فرضنا لا غيره، أما معرفة كل النصوص التي لم نجدها بعد البحث فليس هو المفترض علينا أصلاً، ومن لم يميز هذا الكلام فستجد إشكالات عنده في فهم منهج أهل الظاهر أو في تطبيقه.

فتجد أهل الظاهر يختلفون، لكن لماذا اختلفوا ؟ ألم يختلفوا لأن الأول جهل يقيناً وقف عليه الثاني ؟ فكيف صح للأول أن يقول أنه عامل بالظاهر من النصوص واليقين منها ؟ وكيف صح ذلك أيضاً من الثاني ؟

فإن فرقت بين ما يجب عليك بحسب معرفتك للنصوص التي توصلت إليها وهي معرفة بعض النصوص، وبين ما أراده الله تعالى ممن علم بكل نصوص الباب وما غاب عنه شيء منها تيقنت من هذه المسألة وعرفت وجهها إن شاء الله، وانظر في كل اختلافات الظاهرية فإنها ترجع إلى ما ذكرت، وليس الأمر فقط بالنصوص، وإنما ذكرت النصوص في كلامي من باب تقريب المسألة للقارئ، وإلا فإنهم يختلفون في تصحيح وتضعيف النصوص، ومبنى ذلك على صحة جرحة الراوي وعدمها، ومدى صحة القول بعدالته، فمن علم بكل ذلك كان مصيباً للحق الذي أراده الله تعالى.

وقولي: ( من علم بكل ذلك ) علم يقين، لا أعني من قرأ تهذيب الكمال واكتفى به ولم يحقق المسألة عند غيره، فهذا لم يعلم المسألة، وإنما علم بعضها، فلا بد من تحرير هذه المسائل.

ومثال ثالث: من شهد عليه الشهود بأنه طلق زوجته فأخذ القاضي بشهادته، ففرق بينها وبين زوجها.

فأهل الظاهر قالوا: شهادة الشهود أمرنا بقبولها بظاهر النصوص بشرط العدالة، والعدالة أمر ظاهر، فإن تقصينا عن عدالتهم ووجدناها معروفة عنهم ولم يقم عندنا برهان على فسادها أو بطلانها: فواجب الحكم بشهادة الشهود، وتكون المرأة مطلقة من الزوج في الدنيا، ولكنها زوجته عند الله تعالى، وإن كانت عالمة بأنه لم يطلقها: فحرام عليها السكوت عن ذلك، وحرام عليها أن تتزوج غيره.

فقال بعض الظاهرية: حكم القاضي هنا عمل بالظن ؛ لأنه لا يدري حقيقة الشهود وحقيقة القضية.
قال أبو عبد الله: أكرر السؤال السابق، فأقول: هل أمرنا الله تعالى بأن نفتش في الباطن الذي لا يمكن الاطلاع عليه ؟ أو أمرنا بقبول شهادة العدول في الظاهر ؟ ولن يقول القائل هذا ولا غيره أن الله تعالى أمرنا بالباطن.

فإن قال: لكن إن علمنا فسقهم فيدل ذلك على أننا عملنا بغير الظاهر وبغير اليقين وأننا عملنا بالظن.
قلت: هذا خطأ ؛ لأن العمل الأول إنما جاء بناء عن شهادة عدول بالظاهر عندنا، ولم يقم برهان على فسقهم، ونحن على هذا اليقين حتى يقوم يقين آخر، وقد قام يقين آخر يبين لنا أن العدول هؤلاء إنما هم فسّاق، فنبطل شهادتهم، فالباطن حين ظهر لنا صار ظاهراً واجب القبول، ونحن وأنتم نقول: إذا اجتمع الجرح والتعديل معاً في رجل واحد، فإن تحققنا من جرحته فهو مجروح ؛ لأن كل مجروح ففيه ما يكون به من جملة العدول وزاد ما صار به مجروحاً، فلذلك قدمنا الجرحة.

فإن جاء شهود عدول على أن هذا الشاهد كان مسافراً حين زعم على الزوج تطليق زوجته، وأقاموا البينة على ذلك: علمنا أن الشهادة الأولى كاذبة، والله تعالى هو الذي يتولى السرائر، وهو الذي يفصل بين الناس، وهو الذي ينذرهم حتى لا يشهدوا الزور، وهو الذي جعل ذلك من كبائر الذنوب، فلا علاقة للبشر ببواطن الناس، فالحكم الذي أمرنا به هو عمل بالظاهر المتيقن لا الباطن المحتمل المظنون.

فالذي يلتفت إلى الباطن فإنه يلتفت إلى شيء لم يؤمر به أصلاً، فنحن نقبل تزويج أعراضنا برجال علمنا بإسلامهم في الظاهر، ولعلهم من الملحدين، فنحن كلفنا بالظاهر المتيقن لا الباطن، فإن ضبطت هذه المسألة استرحت من مثل هذه الأمثلة والأقوال التي يرددها بعض الظاهريين، وهذه في الجملة أمثلتهم ودائماً تدور على ألسنتهم.

فإنهم إن أطلقوا على هذه الأمثلة أنها عمل بالظن إنما أرادوا القسم الثاني الذي لم يعلق الشرع حكم العمل به بالباطن الظني، ولكنهم إذا تكلموا في ذلك أرادوا بيان هذا الأمر فقط من جهة التمييز ليفهم السامع، فهناك من يظن بالظاهرية أنهم يقولون: أن الحكم بالظاهر هو تصحيح لحكم الباطن، أو أن الباطن موافق للظاهر في الحقيقة، وهذا لا يقوله ظاهري قديم أو متأخر أو معاصر، ولذلك يحرص هؤلاء على التنبيه على هذه المسألة حتى لا تفهم خطأ ممن لم يحرر أصول أهل الظاهر.

وأنصح طلبة العلم الذين ينتسبون لأهل الظاهر تحرير مسألة الحكم بالظن، فيبحث طالب العلم في نصوص القرآن والسنة التي منعت من الحكم والعمل به، وينظر هل يوجد نص آخر يقيدها نصاً، أو يخصصها نصاً، فإن لم يجد: قال بحرمة العمل بالظن بعموم القرآن والسنة، فلا يحل حينئذ التحكم وإبطال بعض الظن وإقرار بعض.

وقد تعتقد بصحة قواعد ما قبل الانتساب لأهل الظاهر، أو بعد هذا الانتساب وأنت لم تحرر مسألة العمل بالظن في النصوص الشرعية، فتقع في إشكالات، فلا تجعل نفسك تذهب بين قيل وقال، وبين إمام وإمام، وإنما خذ الحكم من القرآن والسنة، ثم اعتقد ما يدلان عليه من قواعد لا قبل ذلك، وهذا ما يفيدك إن شاء الله تعالى.

وقد ذكرت غير مرة: أن الظن عند العرب يطلق على معنيين، وأنه من الأضداد، ويطلق بمعنى اليقين، ويطلق بمعنى التردد والشك، ولا يعرف العرب الظن الغالب والراجح، وهذه محدثات أطلقها بعض أهل الكلام لتجويز العمل بالظن ؛ لأن الفقه مبناه على الظنون عندهم، فتعبدوا الله بالظنون، وخاصموا غيرهم في الاعتقاد بالعقول، فهذا هو التناقض القبيح الذي يجب أن يترفع عنه طالب العلم الذي يطلبه للنجاة.

والقرآن جاء بالمعنيين جميعاً، وفسر أئمة اللغة ذلك بأن العرب تطلق على ما لا يعاين ويشاهد أي يقع تحت الحس لفظ الظن وهم يريدون معنى اليقين والعلم ؛ لأنه ليس تحت أيديهم ولا تدركه أبصارهم فأطلقوا هذه اللفظة للدلالة على ذلك، ولذلك مدح الله تعالى أهل الإيمان بأنهم يظنون لقياه يوم القيامة وهو يوم لم يأت بعد، وبضرورة اللغة والعقل أن من ظن أي شك وتردد في لقائه كان من الكافرين ولا يستحق أن يمدح أصلاً، فليس هناك توسط بين التصديق وعدم التصديق، فإما أن تصدق فتكون متيقناً من اللقاء هذا، وإما أن لا تصدق فأنت غير متيقن، سواء قلت أظن أو يغلب على ظني اللقاء أو عدمه، فأنت لا تسمى في لغة العرب مصدقاً.

ولا يجوز لأحد أن يأتي لظنون ذكرها الله تعالى من الكافرين ليحتج بها على العمل بالظن للمسلمين، وهذا لا يصح ألبتة، أفنجعل من ضل كمن اهتدى ؟! فمتى كان ظن الكفار بربهم حجة على المسلمين ؟! فظن الكفار بربهم وشكهم فيه وبرسله جعلهم من أهل النار، ولم يجعلهم من أهل الحق الذي أصابوا في ظنهم حتى يستدل بفعلهم، كظنون فرعون، وقوم عاد وغيرهم، ولا كانت ظنونه توجب عملاً في شريعة.

ولذلك لا تجد نصاً واحداً عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه حكم بالظن على أحد، ولا حكم صحابي واحد على الناس وقال هذا دين الله تعالى وشرعه وهو يحكم بالظن، وهذه السيرة الفاضلة التي عليها أهل الظاهر، وهي السيرة التي من أجلها افتتحت الدارة، وكتبت ما كتبت، ونازعت من نازعت، فمن أباها فهذا شأنه، ولست محاسباً عن الناس.

فإبطال الظنون عند أهل الظاهر: أي إبطال العمل بها وبناء الأحكام عليها، أما حقائق الأشياء وأنها قد تكون بخلاف الظاهر منها فلسنا مكلفين بها أصلاً، ولا أوجب الشرع علينا شريعة بناء عن هذا الأصل ألبتة.

فمن قال من الظاهرية: لسنا مكلفين بالقطعيات من أهل الظاهر فهو على ما ذكرت آنفاً، ولا يعني إباحة العمل بالظن، لأنه إن قال بجواز العمل بالظن فلا فرق حينها بينه وبين أهل الرأي، وهو متحكم إذ أثبت بعض الظنون وأبطل بعضها الآخر وكل ذلك بغير برهان.

وقد تقرر: أن الظاهرية يتفقون مع أهل الرأي في أصل وهو: وجوب العمل باليقين من النصوص سواء في الثبوت أو الدلالة، وخالف أهل الرأي ولم يكتفوا باليقين، فزادوا الظنون، وخالفهم أهل الظاهر وتمسكوا بالأصل المتفق عليه بناء عن نصوص الشريعة.

وهذا الأصل دائماً ما نردده جميعاً للقائلين بالظن، فكيف نأتي بعد ذلك فنبطله ؟! فنحن نقول: نكتفي باليقين ولا نزيد عليه الظن، وهم يقولون: نأخذ باليقين والظن، وبهذا افترق الظاهرية عن غيرهم، وصار من خالف ما اكتفى به أهل الظاهر ليس منهم.

والنصوص التي جاء فيها تحريم الظن كثيرة سأذكرها في مقال آخر أستوعب كل نصوص القرآن التي حرمت العمل بالظن، وهي في خمسين موضعاً في القرآن، فسأذكر القاعدة عند العرب وتطبيقها على النصوص الواردة، وكل ما ذكرته عن الظاهرية فهو في الإحكام لأبي محمد، وكتب الفقه المقارن كالحلية والاستذكار، وغيرها، فهذا آخر ما أقول، وبالله تعالى التوفيق.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
تفسير مراد أهل الظاهر من العمل باليقين وإبطال الظنون
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
 :: منهج أهل الظاهر :: مقالات أهل الظاهر من المعاصرين :: قسم الشيخ محمد بن إبراهيم الريحان-
انتقل الى: