الأمير ناصر الدين بن جنكلي ([url=#_ftn1][1][/url]) بن البابا( ت 741هـ) أحد أمراء الدولة الناصرية بالقاهرة
كان جمال مواكب الديار المصرية وجهاً وصباحةً وقداً وشكلاً محبباً تام الخلق حسن الخلق لم يكن في زمانه أحسن وجهاً منه اشتغل في غالب العلوم ولم يزل مواظباً على سماع الحديث واختلط بالشيخ فتح الدين ابن سيد الناس كثيراً حفيد أبي بكر بن سيد الناس اليعمري الإشبيلي الحافظ المحدث أحد أعلام الظاهرية وعنه أخذ معرفة الناس وأيامهم وطبقاتهم وأسماء الرجال. وكان الأمير ناصر الدين آية في معرفة فقه السلف ونقل مذاهبهم وأقوال الصحابة والتابعين مع مشاركة جيدة في العربية والطب والموسيقى. وكان في أوله يتمذهب بمذهب الإمام أحمد بن حنبل رضي الله عنه.
قلت : وهذا الأمير شخصية محيرة فى التاريخ . بل عائلته كلها وهى عائلة آل جنكلى .فهم كانوا أمراء فى عصر المماليك ، وكان لهم دور كبير فى تولية سلطان ، وعزله ، فضلا عن جهودهم الكبيرة فى الحروب ، وفى قيام الثورات وخلافه .
وبشان الجنكلى الأمير فقد ذكر المقريزي عن شيخه شمس الدين النحوى محمد بن محمد الغمارى عن أبي حيان - الغرناطى الظاهرى- قال ألزمني الأمير ناصر الدين محمد بن جنكلي بن الباب المسير معه لزيارة أحمد البدوي بناحية طنتدا - طنطا الحالية وهى عاصمة محافظة الغربية بمصر- فوافيناه يوم الجمعة وإذا هو رجل طوال عليه ثوب جوخ عال وعمامة صوف رفيع والناس يأتونه أفواجاً فمنهم من يقول يا سيدي خاطرك مع غنمي وآخر يقول مع بقري وآخر مع زرعي إلى أن حان وقت الصلاة فنزلنا معه إلى الجامع وجلسنا لانتظار إقامة الجمعة فلما فرغ الخطيب وأقيمت الصلاة وضع الشيخ رأسه في طوقه بعد ما قام قائماً وكشف عن عورته بحضرة الناس وبال على ثيابه وحصر المسجد واستمر ورأسه في طوق ثوبه وهو جالس إلى أن انقضت الصلاة ولم يصل ))([url=#_ftn2][2][/url]).
وقد ذكر هذه القصة نقلا عن المقريزى العلامة شمس الدين السخاوى تلميذ ابن حجر العسقلانى فى ترجمة محمد بن محمد بن علي بن عبد الرزاق الشمس أبي عبد الله الغماري شيخ العلامة المقريزى ([url=#_ftn3][3][/url]).
قلت : وهذه القصة لا تصح تاريخيا من وجوه :
الأول : أن الأمير ناصر الدين ابن جنكلي ولد سنة 675 أي في السنة التي مات فيها البدوي .
ثانيا : أن الأمير الجنكلى لم يولد في مصر بل دخل مصر سنة 702 أو 703 أي بعد وفاة البدوي بخمس وعشرين سنة تقريبا .
ثالثا : أننا لو فرضنا جدلا أن الأمير الجنكلى هو الجد وليس الحفيد لتستقيم القصة مع الواقع التاريخى فسيبقى الإشكال قائما فى أن أبا حيان الغرناطى لم يدخل مصر إلا سنة 678هـ أو سنة 679 هـ أي بعد وفاة أحمد البدوي ببضع سنين .ومن ثم لا أدرى هل هذا السياق هو من تدوين المقريزى نفسه ؟!!! أم أن تحريفا وقع فى الرواية ؟ أم ان يد النساخ تطرقت لاصل الكتاب وأدرجت هذه القصة .فالله أعلم بالصواب .
وقد ذكر العلامة المقريزى " الجنكلى أيضا" فى كتابه العظيم السلوك لمعرفة دول الملوك فى أحداث سنة 732هـ بقوله " وفيه - أى يوم الاثنين 5 صفر- أنعم - أى السلطان - على الأمير ناصر الدين محمد بن الأمير جنكلي بن البابا بإمرة طبلخاناه([url=#_ftn4][4][/url]) وأنعم بعشرة على أخيه.
كما ذكره المؤرخ الشهير ابن تغرى بردى فى كتابه النجوم الزاهرة فى أحداث سنة 741هـ وقال عنه " توفي الأمير ناصر الدين محمد بن الأمير بدر الدين جنكلي بن البابا في يوم الرابع والعشرين من رجب، وكان من أعيان الأمراء وكان فقيهًا أديبًا شاعرًا"
وقال الصفدي : وأنشدني من لفظه لنفسه غير مرة:
بك استجار الحنبلي ..... محمد بن جنكلي
فاغفر له ذنوبــه ..... فأنت ذو التفضل
ظاهريته : قال الصفدى وفي آخر الأمر مال إلى الظاهر ورأى رأي ابن حزم وكان كثير المطالعة لكلامه([url=#_ftn5][5][/url]).
[url=#_ftnref1][1][/url] جنكلي: نوع من الخشب اسود اللون أو رصاصي غامق، يستخدم في بناء السفن.قال الحنفي: (والنسبة فيه إلى (Jungle) بالانكليزية أي غابة. وربما كانت من (جنكل) الفارسية أي غابة، وترد اللفظة عند أهل البصرة والعراق والكويت في قولهم: (فلان جنكلي) أي لا يفهم شيئاً. فكان من عاش في الغابة كان ساذجاً بعيدا عن فهم اوضاع الناس في المدن.
[url=#_ftnref2]
[2][/url]
أنظر : درر العقود الفريدة فى تراجم الأعيان المفيدة، 3/ 77.[url=#_ftnref3]
[3][/url]
أنظر : الضوء اللامع لأهل القرن التاسع ، 9/150.[url=#_ftnref4]
[4][/url]
الطبلخانة هى موسيقى الجيش ،أو الفرقة الموسيقية السلطانية ، وهى لفظ فارسى ، وأمير الطبلخانة هو الأمير الذى تدق الطبول والأبواق على أبوابه. وهو أمير تحت أمرته غالباً أربعين فارس. أمير من الطبقة الثانية. منهم يكون أرباب الوظائف وكبار الولاة.
أنظر : محمد أحمد دهمان ، معجم الألفاظ التاريخية فى العصر المملوكى ، دار الفكر ، بيروت – دمشق ، ص106.[url=#_ftnref5][5][/url] أنظر : الوافي بالوفيات ، ترجمة 755 ، 2/ 311،310.