هل يجوز أن يبول الرجل قائماً ؟

بسم الله الرحمن الرحيم

سؤال : هل يجوز أن يبول الرجل قائماً ؟
الجواب : نعم يجوز ذلك ، لأنه ثبت أن الرسول صلى الله عليه وسلم بال قائما ، فقد روى البخاري عن حذيفة قال : أتى النبيُّ صلى الله عليه وسلم سُباطة قومٍ فبال قائماً ... " (1) .
والسُّباطَة : الموضع الذي تجمع فيه الكناسات ، قال الإمام الخطابي في " معالم السنن " (1/ 27 ـ مع سنن أبي داود ) :
" السباطة : ملقى التراب والقمام ونحوه وتكون بفناء الدار مرفقاً للقوم ويكون ذلك في الاغلب سهلاً منثالاً يخد فيه على البول فلا يرتد على البائل " أ . هــ .
وهذا الفعل منه صلى الله عليه وسلم لبيان الجواز .
ولكن هناك شروط لجواز البول قائما :
1- أن يأمن انكشاف عورته .
2- أن يأمن رجوع قطرات من البول عليه فلا تنجسه ، فقد ورد أنه من أسباب عذاب القبر .
قال أبو عبدالرحمن : أما حديث عائشة رضي الله عنها قالت : " من حدثكم أن النبي صلى الله عليه وسلم كانَ يَبولُ قائماً ؛ فلا تصدقوهُ ، ماكانَ يبولُ إلا قاعداً " (2) ، محمول على أن عائشة رضي الله تعالى عنها لم تعلم بأنه بال قائما , فأنكرت ذلك والقاعدة إذا تعارض المثبت والنافي يقدم المثبت لأن عنده زيادة علم .
قال الإمام الألباني معلقاً ومتفقهاً في أثر عائشة هذا مانصه :
" واعلم أن قول عائشة إنما هو باعتبار علمها ، وإلا فقد ثبت في " الصحيحين " وغيرهما من حديث حذيفة رضي الله عنه قال : " أتى النبي صلى الله عليه وسلم سباطة قوم ، فبال قائماً " .
ولذلك فالصواب جواز البول قاعداً وقائماً ، والمهم أمن الرشاش ، فبأيهما حصل وجب " أ . هــ .
أخرج أبو عوانة في " صحيحه " (1/ 169 رقم 504) وأحمد (41/ 495 رقم 25045 و42/ 382 ، 516 برقم 25596 ، 25787) والطحاوي في " شرح معاني الآثار " (4/ 267) وأبو نعيم الاصبهاني في " أخبار أصبهان " (1/ 296) وإسحاق بن راهويه في مسنده ( 3/ 892 رقم 1570 ـ مسند عائشة ) ، والحاكم (1/ 181) والبيهقي (1/ 101 ) من طريق سفيان ، عن المقدام بن شريح بن هانىء ، عن أبيه ، عن عائشة قالت : مابالَ رسول الله صلى الله عليه وسلم قائماً منذ أنزل عليه القرآن .
وقع عند بعضهم (الفرقان ) بدل : ( القرآن ) .
قال الحاكم : هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه . قلت : بل على شرط مسلم فإن البخاري لم يخرج للمقدام بن شريح بن هانىء الحارثي ، ولا لأبيه في الصحيح .
قال أبو عبدالرحمن : هذا محمول على أن عائشة رضي الله عنها قالته بحسب علمها ، فيحمل على ما وقع منه في البيوت وأما في غير البيوت فلم تطلع هي عليه .(3) .
قال عبدالعزيز : ويظهر أن من عادة العرب أن الرجل يبول قائماً والمرأة قاعدة ، ويدل عليه ما في حديث عبد الرحمن بن حسنة ، قال : انطلقت أنا وعمرو بن العاص إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، فخرج ومعه دَرَقَةٌ ، ثم استتر بها ، ثم بال فقلنا : انظروا إليه يبول كما تبول المرأة ، فسمع ذلك ، فقال : " ألم تعلموا مالقيَ صاحبُ بني إسرائيل ؟ كانوا إذا أَصابهم البول قطعوا ما أصابه البول منهم ، فنهاهم فعُذّب في قبره " (4) .
دَرَقَةٌ : هي الترس من جلد ليس فيه خشب ولا عُصُب وهو القصب الذي تعمل منه الأوتار .
خلاصة القول : جواز البول قاعداً وقائماً ، والمهم أمن الرشاش ، فبأيهما حصل وجب .
( تنبيه ) : الأحاديث التي وردت في النهي عن البول قائماً :
1 ـ عن عمر رضي الله عنه قال : رآني رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا أبول قائماً . فقال : " ياعُمَرُ لا تَبُلْ قائماً " فما بلتُ قائماً ، بعد .
ضعيف . انظر " سلسلة الأحاديث الضعيفة " (2/ 337 ـ 339) رقم ( 934) .
2 ـ عن جابر بن عبدالله ؛ قال : نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يبول قائماً .
ضعيف جداً . انظر " ضعيف سنن ابن ماجه " (ص / 25 رقم 64) .
3 ـ عن عبدالله بن بريدة عن أبيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " ثلاث من الجفاء : مسح الرجل التراب عن وجهه قبل فراغه من صلاته ، ونفخه في الصلاة التراب لموضع وجهه ، وأن يبول قائماً " .
وقد روي هذا الأثر مرفوعاً أيضاً من حديث أبي هريرة مثله .
ضعيف . انظر " أرواء الغليل " (1/ 96 ـ 99) رقم (59) .
4 ـ عن أبي هريرة رضي الله أن النبي صلى الله عليه وسلم بال قائماً من جرح كان بمأبضه .
أخرجه الحاكم (1/ 182 ) ، والبيهقي في " السنن الكبرى " (1/ 101 ) ، من طريق حماد بن غسان حدثنا معن بن عيسى حدثنا مالك عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة به .
قال الحاكم عقبه : هذا حديث صحيح تفرد به حماد بن غسان ورواته كلهم ثقات .
فتعقبه الذهبي في تلخيص المستدرك فقال : قلت حماد ضعفه الدار قطني .
وقال البيهقي : لا يثبت .
المأبِضُ : باطنُ الركبة .(5) .
قال الحافظ ابن حجر ـ رحمه الله ـ في " الفتح " (1/ 395) : " ولم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم في النهي عنه شيء " .
وقال العلامة الألباني رحمه الله في " سلسلة الأحاديث الصحيحة " ( 1/1/ 393 ) :
" وأما النهي عن البول قائماً ؛ فلم يصح فيه حديث ... " .
ـــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) رقم (224 ) و (2471) .
(2) سنده جيد . انظر " سلسلة الأحاديث الصحيحة " ( 1/1/ 391 ـ 393 ) رقم ( 201) .
(3) فتح الباري (1/ 394) .
(4) أخرجه أبو داود (22)والسياق له ، والنسائي (1/ 26 ـ 27) ، وابن ماجه (346)، والحميدي (882) ، وابن أبي شيبة (1/ 114 ـ 115 رقم 1303) ، وأبو يعلى في " مسنده " (2/ 232 رقم 932) ، وأحمد (29/ 293 ، 294 برقم 17758 ، 17760) ، وابن حبان (7/ 397 ـ 398 رقم 3127 ) والحاكم (1/ 184) ، والفسوي في " المعرفة والتاريخ " (1/ 284) ، والبيهقي في " السنن " (1/ 104) وفي " إثبات عذاب القبر " (130) ، وابن الجاورد (131) ، وابن المنذر في " الأوسط " (1/ 337) .
(5) النهاية في غريب الحديث والأثر (1/ 15) .

فإن قال قائل : إن بال الرجل واقفاً سوف يأتي البول أو الرذاذ على ثيابه ! ، وكذلك كيف له أن يتطهر وهو واقف إلا أن يقعد ؟! .
قيل له : الجواز مشروط ألا يصيب المتبول قائماً رشاش البول فقد ورد أنه من أسباب عذاب القبر . فإن بال على رمل مثلاً ، أو أرض لينة ، لا يرتد عنها البول فيصيبه ، فهذا جائز ولا شيء عليه . بل وردة السنة بجوازه كما تقدم .
أما كيفية التطهر وهو واقف إن استطاع أن يصب الماء حتى يطهر المحل فالحمد لله ، وإلا جلس ، وله أن يستنجي بالحجر فيمسح المحل ثلاث مسحات على الأقل أو أكثر إلى أن ينقى المحل ، أو بأي شيء طاهر كالورق أو المنديل أو القماش ونحوه كما هو مذهب الجمهور .

بارك الله فيكم و جزاكم الله خيرا