نقل نفيس عن الإمام الحجة أبي بكر بن داود الظاهري رحمه الله : منقول من دارة أهل الظاهر

بسم الله الرحمن الرحيم :

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه.

أما بعد :
إن المتتبع لتراث الظاهرية الأوائل يجدها شبهَ مندثرة، فلا تكاد تقف عل
كتابٍ أو رسالة لأحدهم، بل حتى على نقلٍ مُطوِّل لأئمة أهل الظاهر
الأقدمين، مما يجلي لنا انصرافَ أهل العلم من باقي المذاهب عن الاعتناء
بكتبهم وتراثهم، مما سهَّل الافتيات عليهم من قبل بعض ضِعاف المقلدة.
فلهذا يُعدُّ الوقوفُ على نصٍّ لإمامٍ من أولئك الأئمة الأُوَل، أو نقلٍ في
إحدى الكتب عنهم، دُرَّةً في غاية النفاسة، وفائدة مُطربةً ومرقصة
لملتقطها، لأنه مطلبٌ صعب المنال، وغرض قلَّما يُنال، وما يُدرَجُ في هذا
الصنف، ويشمله هذا الوصف، هذا النقل الذي أنا مورده، وقبل ذلك أصِفُ الموطن
الذي تضمنه، والكتاب الذي اختزنه.
هو عبارة عن كناشةِ فوائدَ ملتقطة، جمع من درر العلم ونوادره أصنافا، وعند
وقوفي أول مرة على وصف هذا الكناش في (فهرس قسم الأوقاف من الخزانة
العامة،398) خمنت أن تكون رسالة للإمام أبي بكر بن داود أوردها صاحب
الكناش، ولكن عند تحصيلي للمخطوط، تبين لي أنه مجرد نقل لا غير.
وجامع هذا الكناش ومقيده مجهول، إلا أنني وقفت على ما يدل أن صاحب الكناش
من أقران الحافظ ابن حجر، أي أنه من علماء القرن التاسع الهجري فقد قال في
(ص،267) : " قال شيخنا شمس الدين محمد الغُماري، ...".

وشمس الدين الغماري هذا له ترجمة في (الضوء اللامع،4/631) للسخاوي، وهو من
شيوخ الحافظ ابن حجر، وذكر أنه كان له عناية بالنحو واللغة، وتتلمذ لأبي
حيان الغرناطي والعلائي، وإنما أشرت لهاته المسائل، لأن الكناشة تطغى عليها
المسائل اللغوية والنحوية، وصاحبها يكثر النقل عن شيخيْ شخيِهِ أبي حيان
الغرناطي والعلائي، مما يدل على أن صاحب الكناشة له عناية بالنحو واللغة،
شأنه شأن شيخه شمس الدين الغماري، والكشف عن عين صاحب الكناشة ، يحتاج
لمزيد بحث وتنقير، ولنورد القصدَ من زَبْر هاته السطور، فقد قال صاحب
الكناشة :
" فائدة :
سُئل الإمام أبو بكر بن داود : أعائشة أفضل أم خديجة ؟.
فقال : عائشة أقرأها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - السلام من جبريل،
وخديجة أقرأها جبريل - عليه السلام - السلام من ربها على لسان محمد - صلى
الله عليه وسلم - ، فهي أفضل.
فقيل له : فمن أفضل أخديجة أم فاطمة ؟.
فقال : إن رسو الله - صلى الله عليه وسلم -، قال : ( إن فاطمة بضعة مني )،
ولا أعدل ببضعة من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أحدا ". انتهى.
قال صحاب الكناشة معلقا : " وهذا استقراءٌ حسن، ويشهد لصحة هذا الاستقراء
قوله عليه السلام لفاطمة : ( أما ترضين أن تكوني سيدة نساء أهل الجنة إلا
مريم )، فدخل في الحديث أمها وأخواتها، وتكلم الناس في المعنى الذي سادت
به، فقيل: أنها ولدتْ سيد هذه الأمة، وهو الحسن الذي قال فيه النبي - صلى
الله عليه وسلم - : ( إن ابني هذا سيد)، وهو خليفة، وبعلها خليفة.
وأحسن من هذا القول، قول من قال : إنهنَّ مُتْنَ في حياة رسول الله - صلى
الله عليه وسلم -، فكُنَّ في صحيفته، ومات أبوها وهو سيد العالمين، فكان
رُزؤه في صحيفتها وميزانها، فحُقَّ لمن كانت هذه حالها أن تسود نساء أهل
الجنة ".

ويستفاد من هذا النقل عدة فوائد، من أهمها استيعاب الظاهرية للنصوص عند
تطرقهم لمسألة معينة، والتزامهم بدلالة ظواهر النصوص، إذ هي دلالة يقينية،
وهذا جلي في كلام الإمام أبي بكر بن داود رضي الله عنه ورحمه.
وأكتفي بهذا القدر، والصلاة والسلام على خير المرسلين، والحمد لله رب العالمين.
ــــ
كتبه : نور الدين بن محمد الحميدي الإدريسي
ليلة الأحد 16رجب 1432هـ،الموافق لـ 19 يونيو 2011م.

الله الله على سادتنا أهل الظاهر وجهودهم بارك الله فيكم

» تَيْسِيْرُ الْعَلِيُّ بِتَرْجَمَةِ دَاوُدَ بْنِ عَلِيٍّ
» أبو تراب الظاهري رحمه الله " سيبويه العصر.
» المعالم الأساسية لمنهج الإمام ابن حزم الأندلسي ـ رحمه الله تعالى ـ
» تحرير مذهب الإمام ابن حزم ـ رحمه الله ـ في مسألة الإجماع
» ما أُلْف وكُتِب عن الإمام الكبير أبي محمد بن حزم ـ رحمه الله ـ في هذا العصر